مرة واحد صعيدى اتجوّز على مراته طلعت هى.. هل تتحول النكتة إلى حقيقة يتندر بها أهل بحرى وقبلى والعالم كله؟ المؤكد لو أسفرت نتيجة الانتخابات عن فوز أحمد شفيق فهذا يعنى أننا نمنح شرعية لسرعة تداول النكتة من خلال صندوق الانتخابات ويتغير المانشيت فى الميديا الإعلامية من الثورة التى بهرت العالم إلى النكتة التى أضحكت العالم! صحيح لا يمكن أن أمنح صوتى لمرسى فتصبح مصر دولة دينية، ولكنى أقف ألف مرة ضد إعادة إنتاج دولة الفساد ونستنسخ بأيدينا مبارَكا ببلوفر أزرق، بل أشد ضراوة وإمعانا فى الفساد لأنه سوف يستفيد من أخطائه.. إنه فساد بالبونبونى لأن الفاسد القديم تعلم الدرس وعرف أنه لا يمكن أن ينزل نفس البحر مرتين وتغيرت الأمواج وهو أصبح خبيرا فى السباحة.
الديكتاتورية العسكرية فى مواجهة الديكتاتورية الدينية، هل نحقق بالصندوق دولة دينية أم عسكرية تعيدنا خطوات للخلف دُر؟ لا يمكن أن نصنع ذلك أيضا بأيدينا فى هذه الحالة، كيف يصبح لك عين وتخرج للميدان مطالبا بالتخلص من حكم العسكر أو الحكم الدينى وأنت الذى أسهمت بصوتك فى وصول أحدهما إلى كرسى الرئاسة.. بعد أن تمنحهم السلطة عن طريق الصندوق فلا يجوز لك أن تخرج بعدها بلحظات تطالب بإسقاطهم!
ما موقف المثقفين والفنانين من مرسى وشفيق؟ من أيدوا مرسى مثل أبو تريكة وياسمين الخيام والقرضاوى معيارهم دينى مباشر تجد بينهم مثلا المخرج على بدرخان، لا أحتاج إلى أن أسأله لأعرف، فهو لا يمنح صوته لمرجعية دينية، ولكنه يقف على الجانب الآخر ضد شفيق، فهو يرى أن الثورة اغتُصبت منذ اللحظة الأولى التى ترددت فيها أسماء مثل عمر سليمان أو أحمد شفيق لاعتلاء الكرسى، ولكنه لم يفكر لحظة واحدة فى مستقبله الفنى والقيود المرتقبة على الثقافة، وهو ما جعل أغلب الفنانين يتوجهون إلى شفيق.. قد تجد أن شفيق سيسمح بهامش فى ما يتعلق بالجانب الاجتماعى، ولكنه أبدا لن يفتح الباب أمام رؤية فكرية تتناول العهد البائد الذى كان هو أحد أعمدته.
كلنا كنا نعرف أن المهمة الأولى التى أسندها مبارك إلى شفيق عند تعيينه رئيسا للوزراء هى أن تعود عقارب الساعة إلى ما قبل 25 يناير.. الحيلة والتحايل والعنف، كل هذه كانت أسلحة فى يده، ولكن إيقاع الثورة كان أسرع والفشل كان يلاحقه، وواقعة الجمل ستظل تحيط عنقه، لهذا كان هو الذى فجرها مؤخرا أمام القضاء لكى يبعد عن نفسه شظاياها التى تصيبه فى مقتل مهما وضع حواجز من البونبونى!
هل من اللائق لمصر أن تختار رئيسا للجمهورية يسبقه هذا العدد الضخم من ملفات الفساد، وهو إن لم يكن قد أُدينَ رسميا فإنه لا يزال متهَمًا، وأشهرها قضية بيع أراضٍ لأبناء حسنى مبارك، والحجة التى ذكرها فى حواره مع عماد أديب بأن توقيعه على الورق جاء بصفة شكلية، ولكن الواقعة يتحمل مسؤوليتها من سبقه.. حتى لو كانت هذه الحجة أمام القانون تمنحه البراءة فإن ظلالها الأدبية تشير إلى أن شفيق على الأقل نظر إلى الأوراق واكتشف أن فى ثمن البيع لأبناء الرئيس تلاعبا، ولم يفعل شيئا سوى أنه بارك البيع!
لن أنتخب مرسى لأننى أرفض الحكم الدينى، ولكن البديل الذى يطرحه المجلس العسكرى ويدعمه ويهيئ له المناخ لكى يعتلى كرسى السلطة كان وسيظل هو عدوى الأول.
ما يجرى الآن هو الوجه الآخر للصورة فى أعقاب 25 يناير، إنه السيناريو الذى كنا سنشاهده لو أجهضت الثورة، كانوا سيذهبون إلى مبارك مباركين ومشجعين وداعمين لملف التوريث.. الفنانون والمثقفون الذين يذهبون الآن إلى شفيق هم من كنتَ ستراهم فى بيت مبارك لو أن الثورة أُجهضَت.. ما قاله شفيق فى حواراته من أنه صاحب اقتراح تنحى مبارك وتفويض المجلس العسكرى لإدارة شؤون البلاد، كل هذا قد يكون صحيحا، ولكن هل تم الاتفاق عليه دون ضمانات وتعهدات فى تلك الجلسة الثلاثية بين سليمان وطنطاوى وشفيق لإخراج مبارك والعائلة والحاشية مثل الشعرة من العجين؟ هذه التفاصيل هى بالضبط السيناريو الذى نراه الآن لتتحول 25 يناير من الثورة التى بهرت العالم إلى النكتة التى أضحكت العالم!