نفي الفنان السوري جمال سليمان ماتردد مؤخرا حول تجسيده لشخصية الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين علي بن علي وكتب علي حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"انتشر خبر مفاده أن الأستاذ فيصل ندى قد رشحني لتمثيل شخصية الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن على، و هو ترشيح لم أسمع عنه إلا من وسائل الإعلام، و كالعادة كلما انتشر خبر مفاده أنني سأقوم بتمثيل أحد الرؤساء العرب و خاصة المخلوعين منهم أو الراحلين انتشرت تعليقات الاستنكار و الرفض و أحيانا التشكيك و السعادة بأنني أخيرا عبرت عن حقيقة نواياي التي أبرع أحيانا بإخفائها ثم ما ألبث أن أكشف عنها عندما يلوح لي أحدهم بكيس الدراهم. و على اعتبار أن المسألة تكررت، فقررت أن أكتب عنها قاصدا بذلك غايتين. الأولى هي تفنيد الخبر- و هو أمر ثانوي بالنسبة لي. و الثانية هي تذكير بعض الأخوة بمهمة الفن التي على مايبدو لم يستطع الفنانون و المثقفون العرب توضيحها بعد، رغم أنهم بذلوا أكثر من قرن في هذا المسعى.. دعونا نتذكر المبدأ البسيط الذي يقول إن الممثل عندما يمثل شخصية لص أو جلاد لا يعني ذلك أنه لص أو جلاد أو أنه يحبهما و عندما يمثل شخصية قديس فهذا لا يعني أنه قديس بالضرورة، بل هي مجرد حكاية يلعب فيها دورا، و للحكاية غاية و مغزى لا بد أن يصل للناس لثبيت قيمة ما، أو زعزعة قناعة ما. من حيث المبدأ أنا رجل أدرت ظهري للملايين (أقصد الفلوس) لأنني لم أرغب يوما في خيانة قناعاتي و بالتالي لم أقدم عملا في حياتي لا أستطيع الدفاع عن مضمونه،حتى و لو كان إشكاليا، النقطة الثانية أنني من نوع الفنانين الذين يحترمون المشاهد دون أن ينافقونه و بالتالي لا مانع عندي من أن أكون شريكا في عمل قد لا يثير رضى بعض الجمهور لأنني أعتبر أن هذا جزء من واجب الفن و نبله وهو أن يرمي حجرا في مستنقع راكد. أكثر من مرة علمت من النت أو إحدى وسائل الإعلام أنني سأمثل شخصية رئيس أو زعيم معين و نادرا ما كان هذا الخبر صحيحا. لكن هذا لا يعني أن تلك الشخصيات لا تثير فضولي و رغبتي كممثل، لكن بشرط ألاتكون الغاية من هذا العمل تمجيد الشخص و التغاضي عن أخطائه مهما كان عظيما و مهما كانت مكانته كبيرة عند الناس. و بالمقابل ألاتكون الغاية هي هجاء شخص ما و تجريده من كل صفاته الإنسانية مهما كان مدانا و مكروها من الناس، لأنني أفكر بهذه الطريقة ،اعتذرت يوما عن تمثيل شخصية أقدرها كما يقدرها ملايين الناس و هو الرئيس الراحل عبد الناصر. بناء عليه،أريد أن أقول أنني سأكون سعيدا بتمثيل أي من هذه الشخصيات بشرطين اثنين الأول أن أكون مناسبا للدور و الثاني أن يكون العمل عميقا لا يكتفي بمديح هذا الزعيم أو هجائه، لأن المديح و الهجاء هي مهمة الفن السطحي الذي لا يبقى و لا يتحول إلى وثيقة فكرية تفيد الناس و تجعلهم يتعلمون من دروس الماضي. إن الزعماء عظيمهم و تافههم لعبوا أدوارا في حياتنا أعطتها شكلها الذي نعيشه، و هم لم يأتوا من عالم الغيب بل هناك ظروف و أحوال أوجدتهم أو أوجدت البيئة المناسبة لظهورهم. و أنا أحب الفن الذي لا يغرق في شخصية الفرد بمعزل عن اللحظة التاريخية التي خلقته،و بالتالي ليس عيبا أن أمثل واحدا من هؤلاء الزعماء المخلوعين أو الراحلين و لكن العيب هو أن تكون الغاية من العمل تزييف التاريخ و طمس الحقائق. في كل مرة أتحدث فيها حول هذا الموضوع أتذكر الكتاب الكبار و منهم الدكتور وليد سيف و كتاباته الرائعة، فإنها رائعه لا بسبب الحوار البديع و لا الأحداث المتلاحقة فقط بل بتلك الرؤيا الحرة و العميقة للتاريخ و تلك الشجاعة في تفنيد أخطاء الشخصيات التاريخية حتى تلك التي يحبها الجمهور و يجل دورها. لعل الذين شاهدوا صقر قريش يعرفون ما أقصد، إن نصوصه تجعل التمثيل متعة و المشاهدة متعة- إنها متعة الحواس و العواطف و العقل. البديل أخبار-فن Comment *