أصبحنا ننسى كوارثنا مع كل كارثة جديدة؛ ليس ذلك فقط فقد تعودنا أيضاً ان ننسى حقوقنا بعد ضياع متتالى لحقوق قديمة؛ كل ذلك ربما نعزوه إلى الطبيعة المصرية الطيبة المتسامحة بالفطرة. ولكن ما يستحق أن نتعمله جيداً هو تقييم القرارات التى تعقب الكارثة بشكل سليم وعلمى. لا يهمنى كثيراً أن يتم الحكم على خفير مزلقان الكارثة بالإعدام؛ ولا يمكن أن أفرح باستقالة وزير النقل أو حتى استقالة الحكومة كلها؛ ولن أعول كثيراً على لجان تقصى الحقائق فلطالما مللت الجملة وصنفتها ضمن الجمل سيئة السمعة منذ زمن بعيد، ذلك أنها تذهب لموقع حادث به ضحايا فترجع بتقرير يقول أن هناك ضحايا! ومعها تختفى الحقائق بل وتموت. ونحن إذ نسلم بأن تلك النوعية من الكوارث ليست وليدة اللحظة من ناحية الأسباب؛ وأنها ميراث قديم لإهمال وفساد يضرب الجذور والفروع؛ إلا أننا لا يمكن أن نغفل أن هناك نظاماً جديداً رضى ووافق على التصالح مع النظام القديم فكراً وأشخاصاً فكان الناتج نهجاً مشابهاً ومن ثم تشابهت الكوارث! حسناً, فماذا علينا أن نفعل الآن؟ استشهد أكثر من خمسون طفلاً فى حادث مآساوى تشيب له الولدان واستقال الوزير وبقيت الوزراة وتم حبس عامل المزلقان على ذمة التحقيقات؛ وصرفت ملاليم التعويضات المرة لذويهم؛ وخلال ساعات ستتشكل لجنة تقصى حقائق. سيناريو قديم يعقب كل كارثة من هذا النوع ونهدأ إلى أن تتكرر الكارثة فنثور فيتكرر القرار فنهدأ .. وهكذا. لماذا لم نسمع عن قرار جمهورى أو حنجورى أو وزارى أو إدارى بتنفيذ خطة عاجلة وفورية لإصلاح منظومة سكك حديد مصر بشكل عام؛ وتأمين المزلقانات بشكل خاص؟! لماذا لم يتحرك على الفور رئيس الوزراء الذى لم يستقيل ويعلن عن بدء تأمين المزلقانات ببوابات الكترونية، ولو حتى على مراحل تبدأ بالمزلقانات الأكثر خطورة؟ إذا كنا نرى أن تلك القرارات هى الأكثر فاعلية وتجنباً لتكرار الحوادث فإننا فى ذات الصدد نستطيع أن نذكر أن تجاهلها والاكتفاء بحبس الخفير وإقالة الوزير وصرف التعويضات درباً من دروب العبث؛ ومسرحية هزلية تعودناها, فلن يمنع الوزير الجديد تكرار الكوارث؛ ولن يسيطر الخفير- الذى يتقاضى ستمائة جنيه- على المزلقان بنفس السلسلة الحديدية البالية عندما يحبس زميله؛ ولن تكون التعويضات هى الأخيرة فى مثل هذا النوع من الكوارث. نحن هنا ياسادة نطالب بحلول فعلية على الأرض وليست على الورق؛ نحن لا ننتظر سيئة السمعة (لجنة تقصى الحقائق) تتحفنا بتقاريرها المضحكة؛ ليس ذلك فقط بل لابد أن يكون هناك مساءلة جنائية لأكبر رأس فى الوزراة التى يتكرر فيها أكثر من حادث بنفس الشكل بدلاً من المسئولية السياسية التى تجعلنا نسمع الجملة الكارثية ...هو الوزير هينزل يقفل السلسلة؟ العبث بعينه هو أن نغير أشخاصاً ونحتفظ بالأفكار نفسها والنهج ذاته؛ العبث بعينه هو أن يتخذ النظام الذى يسمى نفسة جديداً نفس قرارات النظام القديم! السذاجة فى أبشع صورها هى أن نتخيل أن إقالة الوزير وحبس الخفير وصرف التعويضات سيمنعون تكرار الكوارث! السخرية نفسها هى أن تكون القطارات هى الوسيلة الأسرع لحصد الأرواح كما لو أننا خصصناها لمن يرغب فى الانتحار!. أخيراً على الحكومة ورئيسها؛ ورئيسهم أن يتخذوا قرارت فورية تترجم على أرض الواقع لتعديل منظومة السكك الحديد فى مصر؛ والا فعليهم أن يبلغونا بميعاد الحادث على تذكرة القطار بالدقة غير المتوفرة فى ميعاد إقلاع القطار؛ وعلينا أن نتوقع مزيداً من الدماء تعقبها نفس القرارات إذا لم يتغير النظام. Comment *