تأثر التجمع "الإسرائيلي" بشدة على كافة مستوياته، بمفاجأة الحرب التي وضعت الدولة الصهيونية في موقف الدفاع للمرة الأولى منذ عام 1948م، وشعر المجتمع بالرعب الشديد، وتعتبر الحرب هي بداية الشقاق المحسوس والملموس بشدة بين كل من أدباء وساسة المجتمع الصهيوني ، بعد أن كان كل منهما مكملا للآخر، وأدت هذه الحرب لظهور نوع جديد من الكتابة التعبيرية (الرسائل والخطابات) عند الجنود الصهاينة، تعبر عن فكرة الرفض للحرب والخوف من الموت والهزيمة، وحيث أدى هذا الرفض إلى ظهور ما يسمى " حركة السلام الآن " التي أسسها ضباط جيش المستوطنين اليهود بعد الويلات التي ذاقوها في هذه الحرب. كما تغير موقف الأدب إلى الرفض والاهتزاز والتردد، وارتبطت فكرة الاستيطان بجلب الحرب والموت والدمار، وتكلمت نماذج من الأدب الصهيوني عن فكرة " السلام في مقابل الأرض " ساخرة من المقولة الصهيونية " شرم الشيخ بدون سلام أفضل من السلام بدون شرم الشيخ " ، واهتزت فكرة الأرض الكبرى المقدسة . فى قصيدة " الإمبراطورية اليهودية تبكى " للشاعر" إيهود بن عيزر"، مثلاً، تحدث فيها عن خسارة الأرض و شبه ذلك بالنزيف الذي أصاب جسد إسرائيل الكبرى على حد قوله. والجدير بالذكر أن أكثر وأسرع الأنواع الأدبية تأثرا بالحرب هو الشعر، الذي وقعت الحرب عليه كالصاعقة ، فأخذ مفهوم " الأنا " يتغير بسرعة ، فبعد فكرة وصورة " اليهودي المستوطن السوبر الخارق " في حرب 67 19، تحول الشعر للتحدث عن صفة " التقصير " التي التصقت بجنود الجيش الصهيوني في هذه الحرب ، وعن صفة الخوف والرعب التي انتابت المستوطن الصهيوني للمرة الأولى ، وصفة التمسك بالحياة ورفض الموت بعد الدعاية المكثفة قديما لفكرة التضحية والفداء، حيث ظهرت فكرة السخرية من القيادات العسكرية ، وفكرة التهكم على ادعاء امتلاك الوحي الإلهي عند القادة الصهاينة ، وظهرت للمرة الأولى فكرة " الهجرة المعاكسة " في الشعر الصهيوني عندما تحدث الشاعر "ناتان زاخ" عن نفسه قائلا: " أنا مواطن عالمي، لم يعد لي وجود في كل مكان.... أحب التفكير في السفر إلى كل مكان"، كما ظهر في روايات المستوطنين اليهود بعد حرب أكتوبر عدة أمراض نفسية، مثل: الإحباط والحزن والاكتئاب والتشاؤم والاحساس بالاغتراب والوحدة، وكانت هذه النقطة من أهم ظواهر أدب الرواية بعد الحرب. وعن صورة ومفهوم " الآخر " العربي والفلسطيني في الأدب الإسرائيلي ما بعد حرب أكتوبر، استطاعت هذه الحرب أن تجبر الأدباء الصهاينة على الاعتراف بأن هناك بشرا موجودين من حولهم، وأن العرب ليسوا مجرد أهدافا للقنص والترويع والقتل والمجازر، وليسوا مجرد خيام أو منازل متفرقة يقصفها طياروهم من على بعد ، والاعتراف بأنهم أي الصهاينة لا يملكون هوية أو إرادة أو قدرة على تولى زمام المبادرة، فجاء هذا الاعتراف من المستوطنين اليهود بوجود العرب في أعمالهم الأدبية بعد الحرب، حيث أجبرتهم الحرب على الاقتراب من العرب في أعمالهم الأدبية، وكان لزاما عليهم أن يضعوا مخططا جديدا للصورة التي سيرسمون عليها المواطن العربي ويقدمونه لجموع المستوطنين اليهود خاصة في أعمالهم الروائية ، فظهرت صورة العربي المثقف، والعربي الذكي، وإنهم أضافوا لها نوعا جديد من الصور النمطية (وكأنه إسقاط نفسي منهم يعبر عن شئ داخلهم) ، فربطوا المواطن العربي بأفكار مثل: كراهية الحرب ،والرغبة في التعايش والسلام ، والنفور من المتشددين ودعاة الحرب من العرب، وأيضا الإعجاب والانبهار ( الاستلاب ) بنمط حياة المستوطن اليهودي، وأحيانا وبشكل غير محسوس كان يقدم المواطن العربي في صورة الكاره والناقم على مجتمعه العربي والرافض له عموما، هذا بالطبع إلى جانب استمرار وجود الصورة القديمة "للآخر" العربي : (البربري – المخرب - القاتل - القذر – الجاهل – العامل الخشن)، ولكن بمساحة أكبر من وصف شخصيته في أعمالهم الروائية بعد حرب أكتوبر. ولكن الملحوظ أن صورة العربي المقاتل أو الجندي المحارب لم تظهر أبدا، كأن هناك اتفاق غير معلن على تغييبها تماما عن المشهد الأدبي – خاصة الشعري - بعد حرب أكتوبر، في محاولة منهم لرفض الإقرار "للآخر" العربي بالانتصار عليهم . ومن جهة أخرى اهتم الأدب الصهيوني الموجه للأطفال بعد حرب أكتوبر، بتقديم صورة الطفل العربي في شكل الباحث عن التعايش والسلام مع نظيره من أطفال المستوطنة اليهودية، حيث دعا هذا الأدب - مثل أدب الكبار- للتخلي عن أفكار الصهيونية التوسعية، وعدم التمسك fأطماعها، والاكتفاء بما على الأرض من نتائج ونجاحات، والسعي نحو التعايش مع العرب، وهجر فكرة الاستعداد المستمر للحرب القادمة، فكان هذا هو خلاصة التوجه الأدبي والفكري الذي نشأ بعد حرب أكتوبر 73 في الأدب الصهيوني، ولم تتبناه القيادات السياسية الصهيونية، ليصبح واضحا للجميع أن أهم آثار حرب أكتوبر 1973 هو الشقاق الذي ظهر بقوة للمرة الأولى، بين العديد من أدباء الصهاينة الذين نادوا بالتعايش (وعبروا عن حالة عامة انتشرت في المجتمع الصهيوني)، وبين ساستهم الذين استمروا في خطط الاستيطان والحروب الوقائية وعبروا عن الاستمرار في لعب دور رأس الحربة للغرب وأمريكا في رقعة شطرنج العالم العربي والإسلامي. ومعلوم لدى الملمين بطبيعة الصراع مع الصهيونية أن كلا التوجهين لا يفترقان سوى في حجم أطماعهما في فلسطين وبلاد العرب، ويبقيان في النهاية معبرين عن اختلاف تكتيكي بين الصهاينة، وإلا فإنه لا فارق بين من يدعو للعدوان والاستيطان وبين من يدعو للتعايش والتفاوض والتخلي عن باقي المطامع الصهيونية، فاحتلال فلسطين سيظل قائما في كلا التوجهين والاختلاف فقط هو على المساحة المحتلة وأسلوب التعامل مع العرب. Comment *