لا يمكن تحت أى ظرف من الظروف أو بأية حجة من الحجج أن نقبل بإهانة الأديان أو بالإساءة لأنبياء الله ورسله، ولهذا كان الاستياء الشديد والغضب العارم الذى عم الكثير من البلدان الإسلامية عقب عرض مقاطع من فيلم رخيص يتعرض لشخص النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم . والمتأمل بهدوء وموضوعية سيفطن لأن الأمر ليس مجرد عمل فنى عادى، خاصة فى توقيت إنتاجه وعرضه وفى طبيعة الشخصيات التى وقفت وراء صنعه والسعى لنشره . رجل أعمال أمريكى / إسرائيلي- صهيونى، يدير شركات عقارية تلتقى أهواؤه مع قس موتور، تيرى جونز ، مريض بكراهية كل ما هو إسلامي وله تاريخ بغيض فى التحريض على الإسلام والمسلمين، يعزز حقدهما رجل آخر، موريس صادق، يكره كل شيء، حتى نفسه - ويهاجم كل ما هو مصرى حتى انه هاجم أبناء عقيدته أنفسهم وتبرأ منه الكثيرين منهم – ولقد تضافرت جهود ثلاثتهم الظلامية –وآخرين -واستطاعوا جمع خمسة ملايين دولار من 100 يهودى لإنتاج هذا العمل البغيض لعرضه فى ذكرى الحادى عشر من سبتمبر. وبالطبع فتخير هذا الموعد لم يكن اعتباطياً، خاصة مع نمو حركات الإسلام السياسى فى العالم العربى وصعود بعضها الى سدة الحكم، كما فى مصر وتونس، ولأن الغرب وأمريكا على وجه الخصوص يعانيان من الإسلاموفوبيا منذ سنوات عدة، ازدادت عقب تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر 2001، حتى لقد صار لديهم عداء تجاه كل ماهو إسلامى عربى، وللأسف سنجد أن تصرفات الكثيرين منا تعزز هذا التخوف وتؤكد لدى هؤلاء موقفهم من الإسلام والمسلمين . ومع إن هذه المحاولات لن تنال من شخص نبينا الكريم ولا من ديننا الحنيف، إلا أن من دبر لهذه المكيدة قد أصاب بعض نجاح . لقد حدث ذلك حين تحول الغضب للدين والنبى الكريم إلى عنف شديد قتل فيه أناس لا علاقة لهم بصنع هذا الفيلم الكريه، ففى ليبيا قتل السفير الأمريكي وبعض معاونيه وفى الخرطوم قتل اثنان فى السفارة الألمانية وفى صنعاء قتل بعض الشباب اليمنيين حين داهمواً مقر السفارة الأمريكية هناك وتصدى لهم الأمن، وفى مصر مازالت تجرى اشتباكات عنيفة بين الشباب المصرى الغاضب وبين رجال الأمن المصرى الذين يحمون مقر بعثة دبلوماسية تعهدت مصر بحمايتها وفق مواثيق وعهود دولية، ولقد أصيبت أعداد كثيرة من الطرفين وتردد أن شاباً مصرياً مات نتيجة هذه الاشتباكات. والخطير فى الأمر أيضاً هو إرسال قوات المارينز الى ليبيا واليمن تحت ذريعة حماية المنشآت والمصالح الأمريكية فى البلدين – فهل كان يطمع صناع الفتنة فى أكثر من هذا - ؟؟. وكانت الطامة الكبرى، والتى كنت أتمنى ألا تقع، اذ استمعت لأحد رموز التيار السلفى وهو يحرض على أقباط المهجر وعلى الأقباط جميعاً، وهنا أدركت أن ضيق الأفق سوف يساعد الشياطين على تنفيذ مخططهم . إن جر مصر إلى مستنقع فتنة طائفية لهو حلم قديم وأمل أثير لدى كارهيها ومبغضو وجودها – وهم كثر – ونحن يجب علينا أن نظل متيقظين إلى هذه المؤامرات والحرص على ألا تنجح فى نيل غرضها أبداً، ولقد أصدرت الكنيسة المصرية وكافة الطوائف القبطية فى مصر بيانات عبرت فيها عن استيائها لما حدث ولقد قام بعض من الشخصيات الوطنية المصرية القبطية بالإعلان عن تحركات لإيقاف موريس هذا عند حده، وأعلنت النائبة جورجيت قلينى عن سعى لإنتاج فيلم حول عبقرية النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بمستغرب على المصريين – مسلمون وأقباط – فإن أى إنسان طبيعى سيفعل ذلك ويفوت الفرصة على مشعلى الحرائق ومدبرو الفتن. إن التحرك الرسمى المصرى يعد مقبولاً لكنه جاء متأخراً، مما أدى لما يحدث الآن فى محيط السفارة الأمريكية، وكان من المستهجن أن يصمت وزير الخارجية تماماً ويترك الحديث لنائب المرشد العام للإخوان المسلمون، المهندس خيرت الشاطر الذى خاطب الأمريكان عبر إحدى صحفهم؟. كما تعامل الإخوان مع الأمر بشكل سياسى بحت، فهم لا يرغبون فى التصادم مع حلفائهم الأمريكان - فربما استشعروا الخطر بعدما صرح أوباما بان مصر ليست حليفا لامريكا، ومصر التى يعنيها الرئيس الامريكى هى النظام الحاكم الآن أى الإخوان المسلمون؟ - فنجدهم بعد أن دعوا للخروج إلى مليونية أسموها "نصرة النبى" يتراجعون ويكتفون بوقفات احتجاجية أمام المساجد! يا الله .. أفخروجهم من قبل لاستعراض قوتهم أمام القوى السياسية وحشدهم لمليونيات متعددة لأغراض سياسية كثيرة أهم عندهم من الغضبة للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم، وهم من يحملون لافتة الدين ويتحدثون باسمه ويشبهون قادتهم الكبار بالأنبياء فى سلوكهم، كما شبهوا الشاطر ومرسى بيوسف ولقمان عليهما السلام؟. وكان موقف التيار السلفى غريبا ومرتبكاً، فلقد خرج أحد ائتلافاته "صوت الحكمة" بالدعوة للتظاهر امام السفارة الأمريكية وسمعنا ورأينا المحامى السلفى ممدوح إسماعيل وهو يخطب فى الناس هناك، ثم بعد ذلك يتراجعون ويقولون بأن من يقفون هناك من المأجورين!. ما هذا السفه فى التعامل مع أمن الوطن.. أيتقاتل المصرى مع المصرى من أجل جرم الغرباء، إننا إن لم نفطن لما يحاك لنا من فتن وإن نحن أسلمنا أمورنا لمن يستغل عواطفنا الدينية والوطنية تبعا لمصالحه فلن نجنى سوى النكوص والخسران . وعلى من حشد الحشود وفجر الغضب أن يسعى لاحتوائه حتى نقضى على الفتنة فى مهدها،واعتقد انه على الرئيس مرسى قطع جولته والعودة فورا لأرض الوطن قبل أن تشتعل نار الفتنة وتحرق الأخضر واليابس. لقد أساء المسلمون لأنفسهم ولدينهم قبل أن يسيء إليهم أحد.. نعم لقد ارتضينا أن نكون أتباع وأن نظل فى ذيل القائمة، ارتضينا أن ندور فى حلقة مفرغة من جدليات لا تقدم شيئاً لحاضرنا ولا لمستقبلنا ولا لهويتن ، لقد أسئنا لديننا حين فتحنا الباب لتيارات صورت الدين على انه ظلام ونيران وتحريم دائم وتكفير، وخرجت فتاوى أقل ما توصف به أنها خارج سياق الحياة، مثل من يروج بأن الله سخر لنا الغرب الکافر للاختراع والتصنيع والابتكارات حتى نرفل نحن فى الراحة والتنعم بمتع الدنيا، ومثل فتوى أكل لحم الجن! وفتوى تحريم الجلوس على مقعد كانت تجلس عليه امرأة ... إلخ. إن المسلمين الذين رفرفت راياتهم على ربوع العالم، أيام كانوا أقوياء في عقيدتهم وفى علمهم وكانوا مجتمعين على قول سواء، وكان يضرب المثل بسماحتهم وحلمهم وعدلهم وسعة أفقه ، هم أنفسهم من يقبلون الآن بالعيش على فتات موائد الغرب والاعتماد عليه فى معظم أسباب حياته ، هم من ارتضوا الانبطاح والهرولة خلف خبز الغرب الذي يعد لهم خناجره لذبحهم بعد تسمينهم . ولم يکن من قبيل المصادفة الا نجد اى تحركاً شعبياً للتنديد بما حدث فى دول تحمل لواء الدين وتدافع عنه، ففى السعودية بلد الحرمين الشريفين وموطن الدعوة الوهابية التى تصدرها للعالم وحيث يوجد حضور قوى ولافت للامريكان فى كافة القطاعات حتى ان جنوداً أمريكيين يتواجدون بكثافة هناك، لم يخرج مواطناً واحداً ليشير بإصبعه نحو سفارة امريكا مندداً وشاجباً! وفى جاراتها أيضا كان الحرص على مشاعر الحلفاء الامريكان أقوى من الحرص على المقدسات، فها هى قطر – جيب أمريكا فى الخليج ومقر أكبر القواعد العسكرية فى المنطقة - تغب فى سكون وهدوء شديدين! والأمر كذلك فى معظم دول الخليج الذين يجعلون من واشنطن قبلتهم فى كافة مناحى حياتهم، هؤلاء هم من يرفع البعض الأصوات للتهليل لهم وطلب العون منهم، فهل يرونهم الان على حقيقتهم ؟. إن ردنا على أي مسيء لديننا ولهويتنا يكمن فى عملنا وتقدمنا وقوتنا وإقبالنا على الحياة بفهم وإخلاص، فما من سبيل أمام العرب والمسلمين سوى امتلاك قوتهم كيما يمتلكون حريتهم وعزتهم وكرامتهم وكى لا يجترئ عليهم مجترئ ولا يعتدي عليهم معت . إن موجة الثورات العربية يجب ألا نتركها تذهب أدراج الرياح وألا نكتفى منها بالأغنيات والأناشيد بل علينا ان نكرس للحرية والديمقراطية وان نسعى بدأب لبناء مجتمع مدنى يستمد من الإسلام عدله وسماحته وعزته ودعوته الدائمة للمحبة والتآلف وللإقبال على الحياة لإعمار الأرض وغرس أشجار الحق بين ربوعها، علينا أن نسعى بدأب للعمل الجاد والمتواصل حتى نمكن الأجيال القادمة من العيش فى حرية وكرامة، كفى بنا انبطاحا وتبعية، علينا أن نتبوأ المكانة التى يطالبنا ديننا بتبوئها وأن ننفض عن كاهلنا عار الفرقة والاستلاب . إن ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم، لأجل وأعظم شأنا من أية أعمال صبيانية أو تصرفات حمقاء لأناس أعماهم حقدهم الأسود عن رؤية نور الحقيقة الساطع. Comment *