ليست دعوة للملكية، لكننا نريد رئيسا بعدل الصالحين من الملوك، لقد عانينا من منهج أسرة مبارك فى التوريث، وهو منهج اختلف عما يحدث فى الملكية، التى يرث فيها الملوك أرضا يخافون عليها لأنها مملكتهم ومملكة الأبناء من بعدهم، والمالك لا يخرب ما يملك ولا ماسيرثه الأبناء من بعده، بل يعمر وينمى، حتى وإن اشتهر بظلم رعيته. أدار مبارك وعائلته مصر كمملكة، لكنه فرط فى الأرض وعمرانها كما فرط فى الشعب، استنزف كل شى، ثروات،قضاء على الحياة البرلمانية والحزبية السليمة، تخريب للتعليم والصحة، حتى يمكن القول أن حصاد سنوات تثبيت دعائم التوريث كان جهل وفقر ومرض وضياع أجود وأخصب الأراضى والقضاء على المحاصيل الاستراتيجية وانهيار العملة وفوق كل ذلك فقدان كامل للثقة فى العدل،وهو قليل من كثير فعلوه، كنا أمام دولة تنهار مواردا وبشرا،بل وكانوا يدبرون لنا أكاذيبا مفرحة،عن طريق صناديق خاصة مغلقة على المليارات،، تلك الصناديق التى احتفظت بها قطاعات بعينها منها مجالس الأحياء والمدن، وقد أكد لى مصدر موثوق أن الهدف كان فتح مغارة على بابا عندما يتم الإعلان عن التوريث، فيخرج كل حى من تلك الصناديق أموالا للإنفاق على بنية مدينته لنرى أن مجيء الوريث أسال لنا أنهار العسل، فنشعر بالرضا ونسبح بحمده، ذهب مبارك وبقى الكثير من منهجه، فالانتعاش الاقتصادى الذى نحلم به لن يكون بخفض نفقات الحكومة أو بتحديد حد أقصى للأجور أو بفتح المصانع المغلقة لتدور عجلة الإنتاج أو حتى بوقف استيراد السلع الاستفزازية، أو باسترداد اموالنا المنهوبة،او ببيع أراض أخرى للبناء بالمدن الجديدة كما فعل الجنزورى، إلى غير ذلك من الخطط الكثيرة التى يمكن ان يرسمها خبراء الاقتصاد،لكن الانتعاش يخطط له بقرض صندوق النقد الدولى الذى رفض من قبل عندما أراده الآخرون،بل وهذه المرة بزيادة قدرها 1,8مليار ، هو انتعاش كاذب أيضا وان كان على صورة قرض وليس من المخفى من المسلوب من جيوبنا، أما عن العدل، فمازال غائبا، ولعل ماتم من اختيارات لرؤساء تحرير الصحف القومية خير دليل على أن حلمنا الكبير مازال بعيدا وأن معيار الكفاءة مازال وهما،الحكاية انك تطعننا فى صلب قناعاتنا بأن هذه الثورة قامت لتحقق مبدأ تكافؤ الفرص وتعيد لميزان العدل اتزانه، وفى نفس الوقت تطعن مصداقيتك بأن الرئيس رئيس لكل المصريين، وبأننا أمام شخصية لها ذمة واحدة لا ذمم كثيرة ، نريد أن نضمن أن حرية الصحافة والإعلام والرأى مكفولة، وهى حرية كفلها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما ورد في سيرة ابن هشام ( انه عليه السلام حين نزل عند ادنى ماء من بدرلم يرض الحباب بن المنذر بهذا المنزل, وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ارأيت هذا المنزل امنزلا انزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه. ام هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة, فقال: يا رسول الله فان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي ادنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد اشرت بالرأي, فنهض رسول الله ومن معه من الناس) وهو موقف اخذ فيه رسولنا برأى الصحابى الجليل، لنتعلم أن صلاح الأمم وانتصاراتها تأتى بالرأى والمشورة،عشرات المواقف تحملها لنا السنة المطهرة،فهذه المرأة قال عنها الفاروق عمر رضى الله عنه:أصابت امراة وأخطأ عمر،وهذه نزل فى مجادلتها للرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا. نحن مع الحريات، تلك التى تمتطى من جانب واحد الآن،فتسمح بأن يخرج علينا من يقول: أيها الإعلامى الفاسد...كنتم تقبلون حذاء النظام القديم والآن تسبون للرئيس الذى جاءت به الثورة ..هل هذه هى الحريات التى تريدونها ياأولاد ال...ويا...؟وهو أسلوب لا نملك له ردا الا بالحسنى، فمن قبل حذاء الرئيس يوما، ومن ظل يناضل طوال عمره، كلاهما تاريخه محفوظ، وبالطبع لا نملك أن نكيل الاتهامات لمن كفل الخروج الآمن لقادة الجيش المتهمين بهتك الأعراض وقتل المتظاهرين،بل وحفظهم بمأمن فى أقاصى الأرض،فهل يمكن ان نقول أن من فعل ذلك لم يقبل حذاء أحد لينفرد بالسلطة، ولم يبدد آمال من وثق بأنه سيعيد له كل الحقوق!! عندما تحاكم من يقول لك لا، أو إفعل ولا تفعل، أو يتظاهر مسالما مقدما مطالبه لك، حتى وإن كرهته واختلفت معه من صميم قلبك، فأنت لا تعرف شيئا عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم، وعندما تضع رجالك أمام البوق وتخرس كل صوت مخالف فأنت تمهد الأرض لملكيتك المستبدة،تمهد لتنويم شعب وكتمان الحقائق عنه تماما كتلك الكاميرات التى سلطت على الجانب الخالى من النيل أثناء وقائع الثورة،وعندما تخلف وعدك مع المصابين واسر الشهداء والمعتقلين،وعندما يتحدث الكثيرون باسمك وبلسانك،يبررون ويفسرون ويقررون، فسيبدو الأمر وكأننا استبدلنا وريث واحد بعدة ورثة، كلهم يظنون أن عصابة العينين للشعب هى الأفضل، كلهم لا يحبون تلك الأرض قدر حبهم لأنفسهم، لأنهم أعانوك على ما فعلت، فهم ببساطة لا يعرفون العدل الذى يجعل البشر محبين للعطاء ولبذل اقصى الطاقة ثقة بأنهم سيجزون خير الجزاء ليس فى الآخرة فقط ولكن من جوائز الأرض أيضا،وهو ما يجعل الأرض تربو، وهى أخلاق الملوك الصالحين الذين يستلهمون عدل ملك الملوك الذي بيده أخذ الملك ممن لا يحفظون عهده فى العدل إذا ما استخلفوا فى الأرض. Comment *