يخطئ من يظن أن لدى الأمريكان ، وعموم الغرب، رفضاً مبدئياً لأن يصل الإسلاميون للحكم في مصر، أو في غيرها من الدول العربية والإسلامية، فما يحرص عليه الأمريكان في المقام الأول والأخير هو الحفاظ على مصالحهم في بلادنا، ولا يهم بعدها شكل نظم الحكم القائمة، ولا أسماء القائمين عليها.. ومن يتأمل العلاقات بين الولاياتالمتحدة والمملكة السعودية والإسلاميين الحاكمين في باكستان وتركيا يدرك تلك الحقيقة. ويمكن أن نقول إن لدى الأمريكيين ثلاثة شروط رئيسية، لقبول نظام إسلامي في مصر، هي: 1 أن يحافظ نظام الحكم الإسلامي الإخواني أو السلفي على النظام الرأسمالي ، وأن يعمل على أن تظل مصر جزءاً من النظام الرأسمالي العالمي كما كانت في الأربعين سنة الأخيرة . 2 أن يعترف الحكام الإسلاميون ب"الكيان الصهيوني" ويحافظوا على معاهدة الصلح معه . 3 أن يمتنع الإسلاميون الحاكمون عن مناصرة أي نظم أو جماعات أو أحزاب إسلامية أخرى (مثل حماس وحزب الله وتنظيم القاعدة) في مواجهة الولاياتالمتحدة والغرب، وهو ما يُعبر عنه بعدم تدخل مصر في شئون أي دولة أخرى في المنطقة.. وفي حالة تحقق الشروط الثلاثة فليس لدى الولاياتالمتحدة مانع في السماح بأي نظام إسلامي في مصر، بل هي مستعدة لدعمه ومساندته.. وإذا نظرنا للشروط الثلاثة، نجد أنه لا توجد لدى الإخوان والسلفيين مشكلة في الشرط الأول، فالإخوان المسلمون يتبنون فكراً اقتصادياً لا يتعارض مع النظام الرأسمالي، وكذلك السلفيون ليس لديهم أيديولوجية اقتصادية مناقضة للرأسمالية العالمية.. وقد صرح قادة الإخوان مراراً بأنهم لن يغيروا النظام الاقتصادي القادم، بل أكد أحد قادتهم، وهو حسن مالك، في مقابلة مع وكالة رويترز بتاريخ 29/10/2011م بأن النظام الاقتصادي لحسني مبارك "ممتاز" لولا ما شابه من فساد!! وفيما يخص العلاقات مع الكيان الصهيوني فمن الممكن أن يجد الإسلاميون "تأويلاً" و"مخرجاً" يسمح لهم بالتصالح مع الكيان الصهيوني وقبوله، ولو على المدى المتوسط ، خاصة أن عموم الإسلاميين يؤمنون بأن تحرير فلسطين و"القضاء على اليهود" مرتبط بنبوءات آخر الزمان وعلامات يوم القيامة.. وقد لاحظنا التأكيد المستمر من الرئيس الإخواني على التزام مصر بالمعاهدات الدولية، وضمنها بالطبع اتفاقية كامب ديفيد التي تعترف بالكيان الصهيوني وتدعو للتطبيع معه! وتبقى المشكلة الحقيقية في الشرط الثالث، إذ كيف يمكن للإسلاميين أن يغضوا الطرف أمام شعوبهم عن الاعتداء الغربي على قطر عربي أو مسلم آخر، وكيف يمكن للإخوان المسلمين مثلاً أن يصمتوا عن العدوان على حركة حماس الإخوانية، أو حزب الله المقاوم للمشروع الصهيوني؟! في هذه الحالة سيكون الإسلاميون قد خانوا واحداً من مبادئهم الأساسية التي جاءت بهم لسدة الحكم، وستبحث الجماهير الغاضبة يومها عن بديل أكثر "أصولية" وأكثر" التزاماً بالإسلام"، بما يعني فقد "الإسلاميين المعتدلين" لشرعيتهم، وتهيئة الساحة لبديل إسلامي أكثر تشدداً ومعاداة للغرب ولمصالحه، و"الاعتدال" و"التشدد" هنا هو بالمقاييس الغربية طبعاً.. وهذا الاحتمال الأخير هو ما يُقلق منظري السياسة الأمريكيةوالغربية عموماً، ويمنعهم من تسليم السلطة الكاملة للإسلاميين قبل أن يجدوا له علاجاً، وحتى يجدوا ذلك العلاج، يبقى خيار تقسيم السلطة بين العسكر والليبراليين والإسلاميين مطروحاً، مع العمل على إعادة السيطرة على الأوضاع كما كانت في عهد نظام الرئيس المخلوع وسلفه أنور السادات.. Comment *