تعرفت علي موهبة المخرج عثمان ابو لبن في التسعينات عند ظهور موجة الفيديو كليب وكان عثمان الي جانب بعض المخرجين الشباب يمتلكون رؤية مستقبلية طموحة لتطوير صناعة الفيديو كليب حتي حولوا شكل الاغنية الي فيلم درامي قصير، واذكر ان عثمان ابو لبن وسعيد الماروق وطارق العريان من هذا الجيل الذي نهض بصناعة الفيديو كليب وغير خارطة تصوير الاغنية العربية واضافوا اليها عناصر عالمية سواء في الافكار او التكنيك. وبرغم أن العملين السينمائين لعثمان حققوا نجاح جماهيري مقبول وهما فيلمي "فتح عينيك"،و "احلام عمرنا" ، لكن سرعان ما أخفق هذا النجاح في العملين التاليين له في السينما وهما فيلمي "عمليات خاصة" و "المركب" ، ولكنه عاد من جديد ليثبت انه مخرج صاحب رؤية خاصة في اول عمل درامي قدمه العام الماضي وهو مسلسل "المواطن أكس"،حتي وان تمسك بروح الاكشن الذي يتميز بتقديمها في معظم أعماله والتي ميزته في بداية مشواره الفني عندما أدخلها في تصوير أفكار الفيديو كليبات، والتي لم تكن فكرة الاكشن فيها متداوله او محببه بسبب ميل المطربين الي تقديم اغنية رومانسية ، الا ان اول اعماله التليفزيونية العام الماضي وهو مسلسل المواطن اكس، حقق نجاح كبير علي المستوي الفني وعلي مستوي المشاهده، وتمكن عثمان ابو لبن من خلال هذا النجاح ان يشق لنفسه طريق علي خارطة الدراما العربية باسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره من المخرجين الشباب،ودفع به هذا النجاح الي اعادة المحاولة هذا العام مرة اخري ولكن من خلال رواية ادبية للكاتب احمد مراد حولها السيناريست محمد ناير الي عمل تليفزيوني، بعنوان "فيرتيجو". قرأت الرواية قبل ان اسمع خبر تحويلها الي مسلسل تليفزيوني، وبعدما تابعت تفاصيل الخبر صدمت للحظات من تحويل الشخصية الرئيسية في الرواية وهو البطل "أحمد" الي شخصية إمرأه "فريدة" ،وقمت بتأجيل الحكم علي هذا الجذر الدرامي للاصل الروائي حتي اشاهد العمل، خصوصا بعد اختيار عثمان ابو لبن لاخراج المسلسل وهند صبري لبطولة هذه الشخصية، وبالفعل صدقت تخوفاتي بعد مشاهدة الحلقات الاولي من العمل، لم استطيع الفصل بين الاصل الروائي وبين العمل الفني رغم اختلاف جنس كل منهما ، ويصعب علي أي احد الفصل بين ما قرأه وبين ما يشاهده، وجميعنا نتذكر روائع نجيب محفوظ الادبية عندما تحولت الي اعمال سينمائية وتليفزيونية لم يستطيع أي ناقد او كاتب او حتي متلقي اتطلع علي الاصل الادبي ان ينحي الرواية جانبا عند مشاهدة العمل الفني، هذا التلاصق وهذه الجدلية التي قد تخرق كل قواعد الانصاف او الحيادية عند المقارنة بين الجنسين هي اشكالية فطرية تطفو في أي مقال لكاتب يهوي الادب والسينما معاً. تحويل الشخصية من رجل الي امرأه أفسد كثير من تفاعل المشاهد مع الاحداث اولها في الحلقة التانية حيث التأثير العكسي لشخصية نضال الشافعي علي فريدة رغم ان الرواية تعكس أن شخصية احمد هي القوة المؤثرة علي الشخصية الثانية ،ولكن شيء يحسب لكاتب السيناريو محمد ناير وهو دخوله في الحدث الرئيسي مباشرة دون تمهيد،كما يحسب له مزج احداث الرواية التي نشرت عام 2007 بالاحداث التي تحدث حالياً. جمعني نقاش مع المخرج عثمان ابو لبن ، انتقدت فيه اداء الفنانة هند صبري والفنان نضال الشافعي في بعض المشاهد التي بالغوا في انفعالتهم فيها ، وقادنا هذا الحوار الي المشكلة الاساسية عندي وهي تغيير جنس البطل في الرواية من رجل الي امرأه، وما ترتب عليه من بتر درامي لعدد من الاحداث الفرعية التي كانت مرتبطة بهوية البطل الذكورية واهمها التاثير فيمن حوله وعمله في الملهي الليلي واقامته في حجره صغيره به بعدما زوج اخته الصغري في شقة والديه الي رجل دين ملتحي ، وقصة حبه الخفيه لفتاة صماء واصراره علي الاقتراب منها ، وتأثيره في شخصية صديقه الذي يسير معه في مشوار الكشف عن عدد من قضايا الفساد الكبري، وقال عثمان ان التغيير من الرواية الي أي عمل فني شيء طبيعي لخلق جو من الاثارة والتشويق عند الجمهور الذي قرأ الرواية او الذي لم يقرأها، وأضاف عثمان ان المسلسل 30 حلقة يختلف بناءه الدرامي عن الرواية التي قد يقرأها الانسان في 4 ساعات ، وأضاف "اذا اتعمل المسلسل زي الرواية بالضبط هايعرف المشاهد النهاية ، لكن مع وجود "فريدة" أصبح هناك اختلاف وأصبح صعب للمشاهد ان يتنبأ بالاحداث القادمة". الاصل الروائي لفيرتيجو واقعي الي حد كبير ، الفكرة والاحداث تتماشي مع وضع المجتمع المصري قبل الثورة بل الاحداث تمهد لحدوث الثورة من انتشار الفساد والمفسدين الي استخدام التكنولوجيا في نشر الاخبار والصور، اي انها رواية واقعية بالدرجة الاولي لكن العمل الفني يختلف ويجب ان يضع السيناريست والمخرج بصمته علي الفكرة والا سيكون فيلم تسجيلي عن الرواية ، ولكن البناء الدرامي لاي سيناريو مأخوذ عن اصل ادبي شيء صعب جدا لان الكاتب يحمل علي عاتقه الحفاظ علي نجاح الرواية جماهيريا، و لا انسي عندما قرأت رواية نجيب محفوظ القاهرة 30 وكنت قد شاهدت الفيلم قبلها ، صدمت وتفاجات بحدث زواج محفوظ من احسان وكأني لم أشاهد الفيلم وكأني لا اعرف الاحداث ،وقتها ادركت الظلم الرهيب الذي نضع فيه صاحب العمل الفني عندما نقارن بين الاصل الادبي والعمل الفني المأخوذ عنه، كل جنس ادبي له مفرداته ولكن الادب مجال مفتوح للخيال والفن المرئي رغم جمالياته الكبيرة مجال محدود للمشاهد في حدود خيال فريق العمل،ولكن يصعب علينا الانفصال عن أنفصنا عند تلقي عمل ادبي في شكل فني،وليس بالضرورة ان اغير الشخصيات او بعض الاحداث حتي يبقي عند المشاهد الحافز للمتابعة الي النهاية ،هناك روايات كثيرة قدمت للسينما بنفس التفاصيل ونجحت اكثر من الرواية نفسها اذكر منها شباب امرأه مع احترامي للاستاذ امين يوسف غراب، وغيرها. Comment *