كما كان يعيش هادئاً، وبعيداً عن الصراعات غير الأدبية إلا صراعه الطويل مع المرض، ومتفحصاً في ملكوت الخلق، وفي عجائب الحارة المصرية، رحل في هدوء الكاتب الروائي القدير محمد جلال، سندباد الرواية المصرية، وأحد أهم الروائيين العرب لجيل ما بعد نجيب محفوظ . تاركاً رصيداً أدبياً وفنياً زاخراً، ومخلفاً وراءه ما يقرب من ثلاثين رواية تحولت معظمها إلي مسلسلات تليفزيونية، إضافة إلي عدد من القصص القصيرة والمسرحيات ذات الفصل الواحد تعرفت علي محمد جلال، كاتباً، في منتصف السبعينيات، وقرأت له أول ما قرأت، عن طريق الخطأ، رواية الكهف التي ألفها عام 1967، إذ كنت أظنها مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم، خاصة أنهما يشتركان في الاسم الأول (صدرت الطبعة الأولي من مسرحية توفيق الحكيم وعليها اسم محمد توفيق)، ولما بدأت في قراءتها اكتشفت عالماً أدبياً ساحراً، وأسلوباً أدبياً له مذاق مختلف.. في أدبه ورواياته شعبية وعمق نجيب محفوظ، الذي طالما أشار النقاد إلي تأثرمحمد جلال الشديد به، وألمعية أفكار يوسف إدريس، وخفة ظل يوسف السباعي، وسلاسة حوار توفيق الحكيم، إضافة إلي ذلك أسلوبه المميز في تحقيق الأحداث، وفي تحليل الشخصيات.. ولعل مرجعيته القانونية وعمله بالمحاماة قليلاً قد أكسباه هذا الأسلوب، وكذلك عمله في التحقيقات الصحفية . وعلي الرغم من تنوع موضوعات روايات وقصص محمد جلال، فإن أكثر ما شدني إليه هو حديثه الدقيق والشيق عن الحارة المصرية، وكأنه امتداد حقيقي لحارة نجيب محفوظ ولحرافيشه.. تناول محمد جلال الحارة المصرية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكأنه بدأ من حيث انتهي نجيب محفوظ.. ومن أجمل الروايات التي قرأتها له رواية " خان القناديل"، و"عطفة خوخة"، و " أيام المنيرة"، و"فرط الرمان " .. إضافة إلي روايته ذات الأسلوب المختلف عن بقية أعماله " محاكمة في منتصف الليل" . وعلي نفس خطي استاذه، تحولت كثير من أعماله إلي مسلسلات درامية، فحققت شعبية جارفة، ونقلت إلي المشاهدين عالم الحارة المصرية الحديثة.. ومن أشهر هذه المسلسلات قهوة المواردي، و عطفة خوخة، وبنت أفندينا، ودرب ابن برقوق .. رحم الله بلدياتي محمد جلال (من مواليد الزقازيق)، بقدر عظمة الأعمال التي أمتعنا بها، وبقدر روعة شخصيته، وانتمائه الشديد إلي مصر.