صدر عن مكتبة الإسكندرية عدد جديد من سلسة "أوراق"؛ وهي سلسلة تصدرها وحدة الدراسات المستقبلية بالمكتبة حول علم المستقبليات، ويضم العدد دراسة بعنوان "الجدل حول مستقبل القوة الأمريكية". يعرض العدد الجديد لنموذج من الجدل حول مستقبل الولاياتالمتحدة كقوة عظمى، وموقعها في البنية المستقبلية للنظام الدولي، في ظل تحولات القوة العالمية وأبرزها صعود القوى الآسيوية وعلى رأسها الصين. ويقدم العدد نموذجا للآراء التي تتقاسم هذا الجدل، والتي قام بترجمتها والتعليق عليها الباحث محمد العربي. ويتقاسم هذا الجدل تياران؛ الأول هو التيار الذي يذهب إلى حتمية أفول القوة الأمريكية، وتعبر عنه الواقعية السياسية، ويمثلها هنا مقال عالم السياسة ستيفن والت، فيما يذهب التيار الثاني إلى استمرار الولاياتالمتحدة في قيادتها للعالم في المستقبل، ويعبر عن هذا التيار الفكر المحافظ القومي ونموذجه هنا المؤرخ الأمريكي روبرت كاجان. وكتب ستيفن والت في جريدة اناشيونال إنترست في أكتوبر 2011 مقالا تحت عنوان "نهاية العصر الأمريكي" يؤكد فيه، من خلال الاستعراض التاريخي لدور الولاياتالمتحدة في النظام الدولي بعد عام 1945، أن الولاياتالمتحدة شهدت انحدارًا في هيمنتها على النظام الدولي، وأن هذا الانهيار مستمر حتى اليوم؛ وهو ما يعني أن العصر الذي قامت فيه الولاياتالمتحدة بترتيب العالم أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا قد ولى، هذا العصر ما يسميه والت العصر الأمريكي. يبدأ والت في طرح سبل محافظة الولاياتالمتحدة على موقفها العالمي الحالي الذي لازال متصدرًا وقائدًا للعالم، فيقول أن عليها أن تحدد أولوياتها في العالم، وأن تستخدم أدوات النفوذ المثلى وأن توازن بين القوة السياسية والعسكرية في مواضعها المناسبة، ويقترح أن تعيد واشنطن وجودها في العالم على استراتيجية "الموازنة الخارجية" التي توزع عبء قيادة العالم بينها وبين حلفائها والهدف منها "الإبقاء على الهيمنة النافعة في نصف العالم الغربي والإبقاء على ميزان القوة بين الدول الكبرى في الأوراسيا وفي الخليج العربي حيث النفط". ويعرض الباحث المقالة الثانية وهي لروبرت كاجان المؤرخ المحسوب على تيار المحافظين الجدد، وتأتي المقالة بعنوان "لم تفقد قوتها بعد: خرافة الانحطاط الأمريكي" وقد نشرها في جريدة نيو ريباليك في يناير 2012. يقوم كاجان في هذا المقال بنقد الاتجاه الذي يتحدث عن حتمية الانهيار الأمريكي ويفنده تاريخيًّا، فيقول إنه أسير لرؤية زمنية مؤقتة متأثرة بظروف الأزمة الاقتصادية الأخيرة، كما أنها تركز في تحليلها لتحولات القوة على مشاهد زمنية قصيرة في الوقت الذي تنتج فيه هذه التحولات عن تراكمات تحدث عبر عقود من التغير في مجموع عوامل القوة للدولة، ويضرب المثال بتحول القوة النسبية للإمبراطورية البريطانية منذ نهاية القرن العقود الأخيرة للقرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين. ويعلق الباحث محمد العربي على هذا الجدل،أنه جدل أيديولوجي بالأساس، فرغم اتفاقه على وقائع التاريخ غير أن يختلف في تفسيره ومن ثم يختلف على تفسير المركز الحالي للقوة الأمريكية، وبالتالي مستقبل هذه القوة، والأهم من هذا أنه يختلف على ترجمة هذه الآراء في شكل سياسات خارجية تتخذها الولاياتالمتحدة إزاء العالم الخارجي، فنجد أن والت الواقعي يدعو الولاياتالمتحدة إلى ترشيد استخدام القوة، بينما يدعو كاجان إلى عدم الكف عن التدخل في شؤون العالم وعدم تخفيض القوة العسكرية المنتشرة حول العالم. وفي الوقت الذي يتفق فيه الطرفان على احتدام التحدي الصيني، فإن طرفًا يدعو إلى تسوية معه، في حين يدعو آخر إلى مواجهته على غرار مواجهة الخطر السوفييتي. Comment *