لابد أن نتساءل وحق علينا أن نتساءل هل الشعب الذي أسقط مبارك في ثمانية عشرا يوماً غير قادر علي إسقاط حكم العسكري . إني لا أستطيع أن أمنع نفسي الآن أن أقول إن الجيش الذي ترك ثكناته يوم 28 يناير و نزل إلي الشارع ما خرج لحماية الثورة , بقدر ما خرج لتحويل مسار الثورة عن أهدافها . إن الأحداث الأخيرة أثبتت و بشكل قاطع بثبوت وجود أصحاب القبعات الزرقاء داخل مقر المجلس العسكري , فالمجلس العسكري الذي يتصرف الآن بطريقة حاسمة و مختلفة عن التصرفات البطيئة خلال الفترة السابقة من الفترة الانتقالية , ليثبت علي وجود شخصية كبيرة من الدولة الأم لقادة المجلس العسكري, وذلك لقيادة المرحلة الأخيرة من عمر الثورة المصرية التي باتت الآن علي وشك الاحتضار والدفن خلال الأيام القادمة . لا يوجد علي الأرض من ينقعني إن معركة الاستيلاء علي حكم مصر خلال الأيام الماضية هي صنيعة المجلس العسكري , بل الواضح هو فشل المجلس العسكري في إدارة تحويل الثورة عن مسارها المنتظر فكان من الطبيعي أن تتدخل الدولة صاحبة النفوذ القوي داخل مؤسسة الحكم في مصر لمعالجة الأمر سريعاً خوفاً من أن تفلت الأمور من بين يديها . و لو حدث ذلك و خرجت الأمور عن السيطرة كانت القاهرة سوف تصبح درعا أو حمص أخري , و مصر ليست سوريا لكي تترك للحسابات الظنية , فلابد من استقرار الأوضاع و إلا تعرضت المنطقة كلها للخطر و معها المجتمع الدولي كله, فكان لابد من حسم المرحلة الأخيرة من إدارة المرحلة الانتقالية, وصولاً إلي دفن الثورة المصرية دفناً شرعياً, و لا عزاء للشهداء والتضحيات و الدماء التي سالت في ميادين مصر من أجل الحرية و إقامة دولة يتمتع أهلها بالكرامة و العزة إن تصرفات المجلس العسكري وإصدار إعلان دستوري يكبل الرئيس القادم و يعطل كل صلاحياته و من قبلها حل مجلس الشعب ورفض دستورية قانون العزل, وكانت المكافأة السخية التي نالها السيد نائب رئيس المحكمة الدستورية بعد الحكم بعدة ساعات من تعيينه رئيساً للمحكمة الدستورية, لتدل علي الاتجاه السائد في أروقة المؤسسة الحاكمة للبلاد, و التي يستدل منها بشدة علي مدي استخفاف المجلس العسكري بالشعب المصري, هكذا كان فرعون يستخف بقومه فأطاعوه , فكانت الطامة الكبرى علي فرعون . ثم كان إنشاء ما سمي بمجلس الدفاع الوطني و هو المجلس الذي يهيمن عليه العسكر و التمثيل المدني واهي و لا يصنع قرار بل القرار للعسكر تماماً و قد ظهر فيه من ظروف إنشائه و طريقة أخذ القرار فيه , بالأغلبية المطلقة و و الأغلبية فيه للعسكر , فهو يهدف فقط إلي حماية النفوذ الأمريكي في مصر و الحفاظ علي أمن إسرائيل و الحيلولة دون إقامة نظام مخلص في هذه البلاد و هو دليل كافي علي استمرار المجلس العسكري في الحكم لسنوات لا يعلمها إلا الله إن عودة نظام مبارك قد تفشل لو فشلت اللجنة العليا لتزوير الانتخابات في فرض مرشح الحزب الوطني , فكان القرار البديل هو أن يكون المشير هو مبارك و أن تنشأ رئاسة أسمية فقط لمدة غير محددة يستطيع المجلس خلالها السيطرة علي كل مقاليد الأمور لضمان عودة النظام السابق و رجاله و عودة الفكر و الإطار المجتمعي الذي كان يحكم هذه البلاد و هو تحكم طبقة رجال الأعمال في اقتصاد البلاد و هيمنه رجال الداخلية علي العملية السياسية و هكذا نكون قد أعاد المجلس العسكري مرة آخري إنتاج النظام السابق برعاية أمريكية و مساعدة رجال النظام السابق و معاونه تيارات معينه أبرزها بعض تيارات الإسلام السياسي بالإضافة إلي تيارات أخري تعتبر أن وقوفها بجانب المجلس العسكري مجرد نكاية في تيارات الإسلام السياسي . هذا ما آلت إليه الثورة المصرية بعد مرور أكثر من عام و نصف , انتخابات تشريعية تأتي بمجلس برلماني بأغلبية إسلامية و يحل بعد مرور عدة أشهر عليه بعد صرف مليار جنيه من خزينة دولة يقال عنها أنها متعثرة اقتصادية, و بلد بلا دستور و لجنة تأسيسية سيضربها الفشل قريباً جدا لكي يعطي فرصة للمجلس العسكري لإنشاء لجنة تأسيسية لكتابة دستور يضمن الحفاظ علي عسكرة الدولة , و رئاسة بلا صلاحيات فماذا تبقي من ثورة شعبية قامت من أجل حياة كريمة و النهوض بمصر بما يتفق مع عقيدة و عقلية أهلها , و لكن المجلس العسكري يقفز علي إرادة الأمة و يلقي بالثورة و أمانيها و أحلامها في البحر و بدلاً من أن تكون مقدمة لتحقيق آمال الشعوب فسوف تكون مقدمة لخراب البلاد و تشريد العباد و سيطرة النظام العفن مرة أخري علي مقاليد الأمور في مصر . ولا أري بصيص أمل إلا ثورة أخري تمتلك إرادتها و قيادتها و تعرف طريقها و كيفية تحقيق أهدافها بعيداُ عن كل الاتجاهات المصلحجية , وليكن هدفها الأول طرد العسكر و عودته إلي ثكناته مرة أخري يجر أذيال الفشل في إدارته لحكم مصر و لتحويله مسار الثورة و الالتفاف حولها لتفريغها من مضمونها , فهل من مستجيب . Comment *