اعتبر كثيرون ما أطلق عليه "المناظرة الرئاسية" بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح سابقة جديرة بالانتباه، واعتبرها البعض دليلا على التغير القائم في مصر بعد الثورة، في حين قال بعض المغالين عادة إنها واقعة تاريخية. بدأ البرنامج التليفزيوني وانتهى بعد ساعات طغت عليها الإعلانات التجارية لنكتشف أننا كنا أمام ما يمكن اعتباره أحد يوميات برامج "تليفزيون الواقع" الشهيرة، على غرار "ستار أكاديمي" وأخواته حيث ظهر المرشحان على الشاشة على حقيقتهما المجردة... كلاهما حريص على السلطة فقط لا غير، بينما يزعم أنه الأقدر على تحقيق أهداف الثورة وحماية البلاد من الانهيار ومنح المواطنين المأزومين على مدار سنوات بصيصا من الأمل. انتهت تلك التي أسموها زورا "المناظرة" وكلا المشاركين فيها خاسر.. وكلاهما منحدر، لم يظهر أن أحدهما درس الأخر على الإطلاق قبل المواجهة وتأكد لنا أن كلاهما لا يعتمد أسلوبا علميا في إدارة حملة انتخابية صعبة، وتأكد معظمنا أن كلا المرشحين يتعامل مع الانتخابات بنفس طريقة الحزب الوطني المنحل.. دعاية وشعارات و"هتيفة" وكلام معسول لا يتحقق منه في الغالب شيء لأنه في معظمه غير قابل للتحقق أو لم يتم دراسة كيفية تحقيقه. شاهد ملايين المصريين وقائع سب وقذف وشتائم متبادلة وتجريح واتهامات بلا دليل على مدار ساعات.. وشاهدوا ارتباك كلا المرشحين لأن أيا منهما ليس جاهزا للمناظرة، فما بالك بحكم مصر بعد الثورة. على الهامش كان فريق أخر ينتمي إلى مرشحين آخرين هما الإخواني محمد مرسي والناصري حمدين صباحي ينفخون في نار الخسارة التي تسبب فيها موسى وأبو الفتوح لأنفسهما.. والجميع حريص على إبراز كل مشكلات المرشحين وحالة الاشتباك القائمة بينهما ظنا منهما أن خسارة أبو الفتوح وموسى تصب في صالح حمدين ومرسي، رغم أن الواقع يؤكد أن تلك المناظرة كانت خسارة جماعية لكل مرشحي الرئاسة. دعنا من تحليل مواقف هذا المرشح وذاك.. لأن موضوع هذا المقال بالأساس تتعلق بما قيل لنا إنه مناظرة رئاسية هي الأولى من نوعها بينما أدرك كل من يعرف معنى المناظرات الرئاسية منذ الدقائق الأولى أن ما يجري ليس إلا "تليفزيون واقع" هدفه الحقيقي جلب ملايين الجنيهات من خلال إعلانات تجارية كانت الجزء الأهم في الحدث بالنسبة للقناتين والصحيفتين. مبدئيا تقام المناظرات الرئاسية عبر أساليب بعيدة عن التربح مثلما فعلت وسائل الإعلام التي اشتركت في تلك المناظرة المصرية.. حيث أن المفترض في تلك المناظرات هو تقديم خدمة إعلامية للجمهور هي بالأساس المهمة التي تنشأ وسائل الإعلام من أجلها.. وليس كما شاهدنا الخدمة "الإعلانية". ومن الغريب أن يتم تقسيم المناظرة إلى قسمين بلا مبرر إلا شروط منى الشاذلي ويسري فودة اللذان فرضا أن يظهر كلا منهما منفردا حتى يحظى بما يراه قيمته الجماهيرية بدلا من أن تقتسم الجماهيرية بينهما في مشهد واحد ربما يكون واضحا فيه حالة المقارنة الجماهيرية بينهما.. وكأن الحدث الأهم هو قدرة كل منهما على التعبير وطرح الأسئلة وليس الإجابات المنتظرة من الضيفين. ثم إن الأغرب تلك الحالة من تقسيم وقائع المناظرة وفق صناديق بلا تصنيف، بينما في العادة يتم تقسيم المناظرات الرئاسية في العالم كله وفق الملفات الرئيسية، ملف الشأن الخارجي "عربي وأفريقي ودولي" ثم الشأن الداخلي "اقتصادي واجتماعي وأمني" ثم الشأن العام ويضم "متفرقات ومنوعات ورأي المرشح في الحريات والفنون الخ". كان واضحا في الحدث الإعلامي رغم الحرص الشديد على تسميته بأنه مناظرة وعلى فرض قيود زمنية وإجرائية، أن كلا المرشحين لم يلتزم بالفترات الزمنية ولا بأدب الحديث ولا بسرد معلومات موثقة ولا بالرد على الأسئلة المطروحة.. وفي المقابل كان واضحا أن مقدما الحدث "منى ويسري" لا يدركان المعنى الحقيقي للمناظرات. الأخطر أن المشاركين في الإعداد وعليهم تقع المسئولية الأكبر قادمون من وسائل إعلام تعتمد "الرغي" سبيلا وحيدا للفهم.. وبالتالي وجهت أسئلة مفتوحة تحتاج ساعة للرد عليها بينما الوقت المتاح فقط دقيقتان.. ووجه داخل السؤال الواحد أحيانا مجموعة أسئلة لا علاقة لها ببعضها وغير ذلك من الخطايا في الإعداد. المهم أن حلقة "تليفزيون الواقع" الطويلة كانت سببا في جلب ملايين الجنيهات لوسائل الإعلام التي نظمتها ربما لهذا الغرض بالأساس حيث أن الجمهور المستهدف لم يكن إلا مجرد وسيلة لإغراء المعلن ليدفع المال في وصلات اعلانية طويلة تخللت الحلقة الباهتة إعلاميا التي أظن أن تكرارها سيكون صعبا فلن يقبل عليها أي من المرشحين البارزين ولن يتابعها نفس العدد من الجمهور كما لن يدفع فيها المعلنون بنفس الأسلوب أبدا. Comment *