لا تنسى العقلية القبلية ثارات القبيلة القديمة مهما تقادم الزمن، ولعل من يعجب من التحرشات المتكررة للسلطات السعودية بالمصريين لا يعرف الخلفية القبلية لهذه الحساسية المزمنة، فقد تعرض أجداد آل سعود لنكبتين على مر تاريخهما، الأولى على يد خالد بن الوليد والثانية على يد القائد المصري إبراهيم باشا. الجد الأكبر للأسرة السعودية هو محمد بن سعود، الذي فصل نسبه المؤرخ "ابن عيسى" واستدل بهذا التفصيل الأمير "سلمان بن عبد العزيز" في رسالة منشورة له، فقال: هو محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المردي، والمردة أحد عشائر بني حنيفة أمراء اليمامة وأحد قبائل بكر بن وائل. ونسبهم لبني حنيفة عكس الشائع حول نسبهم لقبيلة عنزة والتي كانت حليفة لأجدادهم بني حنيفة. وتقع مدينة الرياض العاصمة المعاصرة لآل سعود مكان عاصمة أجدادهم القديمة، وهي مدينة "حجر اليمامة"، واسم الرياض نفسه ربما كان متأثرا بحديقة اليمامة الشهيرة التي تحولت لحديقة الموت على يد القائد المسلم خالد بن الوليد بمعركة اليمامة، حين ارتد بنو حنيفة واتبعوا مسيلمة الكذاب مدعي النبوة، وأعدوا جيشا من عشرات الآلاف لمواجهة جيش خالد، ودارت معركة حامية راح ضحيتها أكثر من ألف شهيد من المسلمين و14 ألف قتيل من بني حنيفة نصفهم مات متحصنا بأسوار حديقة الموت. ومازالت قبور الصحابة موجودة لليوم بمدينة عقرباء بالقرب من الرياض. كانت هذه أول نكبة تاريخية لبني حنيفة أجداد آل سعود النكبة التالية كانت انتهاء الدولة السعودية الأولى على يد الجيش المصري، فقد كون محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1744 بتحالفه مع الشيخ "محمد بن عبد الوهاب" مؤسس الوهابية، وكان أن تعرض الوهابيون في عام 1811م للمحمل المصري ومنعوا وفود الحجيج المصري والسوري من الحج، بدعوى أنهم أهل بدعة يزورون القبور ويحرم عليهم زيارة الأراضي المقدسة بالحجاز، فكان أن جرد محمد علي باشا بالتنسيق مع السلطان العثماني عدة حملات بقيادة طوسون باشا ثم إبراهيم باشا، والتي انتهت في 1817 بإسقاط الدولة السعودية الأولى ودك عاصمتها الدرعية بمدافع الجيش المصري، فهدم قصور آل سعود وأحرق بساتينهم، وقبض على أمراء آل سعود وعلى رأسهم عبد الله بن سعود فأرسلهم للسلطان في الآستانة حيث تم إعدام "عبد الله بن سعود الكبير" في ساحة آياصوفيا في 1818م. ومازالت أطلال الدرعية قائمة لليوم وشاهدة على النكبة الثانية لأحفاد بني حنيفة. لطالما تحكمت العقدة السعودية من حملة إبراهيم باشا في العلاقات المصرية السعودية منذ ذلك الحين وحتى اليوم، أعني بهذا علاقتنا بآل سعود وليس بالشعب السعودي نفسه، فلم يتعرضوا في تاريخهم القبلي لنكبة أكبر منها غير معركة اليمامة في صدر الإسلام. ولو كان من المستحيل أن يحملوا إصرا على "خالد بن الوليد" وجيش الصحابة الذي نكب أجدادهم من أتباع مسيلمة، في دولة اتخذت من راية الإسلام آلية لتوحيد القبائل تحت إمرتها، فالوضع يختلف مع الجيش المصري الذي لا يتمتع بتلك الحصانة الدينية التي تقي من الحقد التاريخي. Comment *