مع بدء اسبوع حاسم للانتخابات الرئاسية الفرنسية، شن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاثنين هجوما مضادا في القضاء على اتهامات بتمويل معمر القذافي حملته في 2007، عشية الاول من امايو الذي سيشكل محطة سياسة هامة قبل الدورة الثانية. وتصاعدت حدة التوتر خلال عطلة نهاية الاسبوع بين الرئيس المنتهية ولايته وخصمه الاشتراكي بعد ان ذكر الموقع الاخباري الالكتروني "ميديابارت" ان الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وافق على تمويل حملة ساركوزي الانتخابية في 2007 بحدود 50 مليون يورو. وفتحت نيابة باريس الاثنين تحقيقا اوليا بتهمة "نشر معلومات كاذبة" بعد ادعاء ساركوزي على الموقع الالكتروني. من الجانب الاخر وجد فريق فرنسوا هولاند الاشتراكي نفسه في موقع مربك وسط جدل يحيط بعودة دومينيك ستروس كان الى الواجهة السياسية والاعلامية. فقبل ستة ايام من موعد الدورة الثانية الاحد المقبل اعلن الرئيس المرشح انه سيرفع شكوى ضد الموقع الاخباري الالكتروني "ميديابارت" الذي نشر مذكرة تثير شكوكا بشأن تمويل غير مشروع لحملته الانتخابية السابقة. وقال ساركوزي لمحطة التلفزيون فرانس 2 ان "هذه الوثيقة مزورة"، مضيفا "هناك مبادىء اخلاقية. على الذين يكذبون ويزورون الوقائع ان يلاحقوا قضائيا". وكان موقع ميديابارت نشر السبت وثيقة وقعها موسى كوسى رئيس الاستخبارات الخارجية السابق في ليبيا، المقيم في المنفى في الدوحة، تؤكد ان نظام معمر القذافي وافق في 2006 على تمويل حملة ساركوزي بقيمة "50 مليون يورو". وبحسب الموقع، فان بشير صالح الرئيس السابق للصندوق الليبي للاستثمارات الافريقية هو الذي تلقى هذه المذكرة. واكد المسؤولان الليبيان السابقان ان الوثيقة مزورة. وقال كوسى لفرانس برس ان "كل هذه المعلومات ملفقة". واضاف "من الواضح ان كل ما يقال لا اساس له". واعرب بشير صالح المدير السابق لمكتب القذافي الموجود حاليا في فرنسا بحسب محاميه بيار حايك، عن "تحفظات حول صحة الوثيقة التي نشرها ميديابارت". وقال محاميه "على كل حال يؤكد (موكلي) انه لم يتلق ابدا هذه الوثيقة". ويريد ساركوزي تحسين موقعه والتوجه في افضل الظروف الى تجمع كبير ينظمه الثلاثاء بمناسبة عيد العمال، وخصوصا الى المناظرة التلفزيونية المرتقبة الاربعاء مع خصمه. وهذان الموعدان يعتبران من اللحظات الهامة قبل الدورة الثانية التي ما زالت استطلاعات الرأي تتوقع فوزا كبيرا لهولاند فيها. وسيجمع ساركوزي الثلاثاء عشرات الالاف من انصاره للاحتفال بعيد العمال وهي سابقة بالنسبة لليمين. ولم تلق هذه الخطوة الاستحسان لدى النقابات التي تنظم في الوقت نفسه مسيراتها التقليدية بدعم من احزاب اليسار. وفي الاثناء ذاتها ستتحدث مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن التي احتلت المرتبة الثالثة في الدورة الاولى اثناء تجمع يقام ايضا في باريس. وستعبر فيه عن رأيها في الاقتراع لكن لا يتوقع ان تعلن موقفا مع اي من المرشحين. وكانت زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن حصلت على 17,9% من الاصوات في الدورة الاولى في 22 أبريل وانطلق المرشحان الى الدورة الثانية في معركة لجذب ناخبيها. فشدد ساركوزي الذي لا يمكن ان يأمل بالفوز بدون دعمهم الكثيف، خطابه اكثر نحو اليمين منذ ثمانية ايام مركزا على مواضيع الامن والهجرة والحدود والجذور المسيحية لفرنسا. ويأمل فريق ساركوزي ايضا استغلال الارتباك لدى الحزب الاشتراكي بسبب معاودة ظهور دومينيك ستروس كان المفاجىء. وفي تصريحات نقلها صحافي اميركي اكد ستروس كان الجمعة ان الاتهامات بالاعتداء الجنسي التي وجهت اليه قبل نحو عام في نيويورك استغلها اليمين الفرنسي لمنع ترشيحه الى الانتخابات الرئاسية. لكن خصوصا دعوته السبت الى سهرة للاحتفال بعيد ميلاد النائب الاشتراكي جوليان دراي اثارت فضيحة. لان عددا من اعضاء فريق حملة فرنسوا هولاند كانوا موجودين فيها ايضا. وندد ساركوزي ب"التهرب والرياء والكذب" في موقف الحزب الاشتراكي تجاه المدير السابق لصندوق النقد الدولي في حين كان مديرا الحملة والاتصالات للمرشح الاشتراكي حاضرين في تلك السهرة. وكانت استطلاعات الرأي ترجح فوز ستروس-كان في الانتخابات الرئاسية قبل ان يتم توقيفه في نيويورك في 14 امايو 2011 على اثر اتهامات وجهتها اليه عاملة تنظيف في احد فنادق مانهاتن بالتعدي عليها جنسيا. وقد استفاد ستروس-كان من اسقاط التهم الجنائية بحقه لكن القضية لا تزال قائمة ضده في دعوى للحق العام. وفي فرنسا اتهم ستروس-كان في مارس الماضي ب"الدعارة المنظمة" في اطار قضية بغاء في ليل (شمال). وفي ما يتعلق بهذين الملفين، حرص الاشتراكيون الاثنين على ابداء موقف هادىء. ولعلها طريقة لاظهار الفرق بين نيكولا ساركوزي القلق والمضطرب بحسب قولهم امام فرنسوا هولاند المثابر والواثق في تقدمه. وبخصوص ظهور ستروس-كان المربك الذي ادى تحطيم مساره الى بروز هولاند، حاول المسؤولون الاشتراكيون النأي بانفسهم بقدر الامكان. وقالت سيغولين روايال المرشحة الاشتراكية السابقة الى الانتخابات الرئاسية في 2007 وشريكة حياة هولاند السابقة، ان دعوته كانت امرا "غير صائب" و"غير لائق". وبشأن الشكوك بتمويل غير مشروع للحملة الانتخابية في 2007، قال هولاند الاثنين لاذاعة اوروبا 1 ان "على القضاء البت" في هذا الموضوع. وصرح لاذاعة "اوروبا 1"، "اذا كانت مزورة سيدان الموقع واذا كان الامر عكس ذلك حينها يجب تقديم ايضاحات". وقد تناولت وسيلة اعلامية اخرى، هي المجلة الفرنسية "ليزانروكوبتيبل"، هذا الاسبوع العلاقات بين ساركوزي والقذافي. وكتبت استنادا الى وثائق رسمية كما تقول، في عددها الذي سيصدر الاربعاء، ان الافراج عن الممرضات البلغاريات في 2007 بوساطة الرئيس الفرنسي تم مقابل اتفاق حول النووي. واكدت المجلة انها تمكنت من الاطلاع على بعض "الملفات السرية المكدسة في ارشيفات الاليزيه والكاي دورسيه". وعندما سألتها وكالة فرانس برس عن صحة هذه الوثائق لم تدل وزارة الخارجية باي تعليق. وقالت الوزارة "ليس علينا ان نؤكد او ننفي وجود ومضمون البرقيات الدبلوماسية" مذكرة ب"الطابع السري" لهذه الوثائق. ولم يشأ الاليزيه التعليق على ذلك. وقالت المجلة ان "مصير الممرضات البلغاريات تقرر (مقابل) صواريخ فرنسية ومحطة نووية". وفي ديسمبر 2007 في اليوم الاول لزيارة معمر القذافي الى باريس، بعد ستة اشهر من الافراج عن البلغاريات، اعلن الاليزيه بالتفصيل عن الاتفاقات والعقود الموقعة مع ليبيا ومنها اتفاق "تعاون لتطوير استخدامات سلمية للطاقة النووية" يمكن ان تؤدي الى تسليم مفاعل مخصص لتحلية مياه البحر. وقبل بضعة اشهر قام ساركوزي بجهود كثيفة لاقناع القذافي باطلاق سراح البلغاريات اللواتي اتهمن في ليبيا بحقن فيروس الايدز الى اطفال. وفي 16 تموز/يوليو ذكرت المجلة ان سفير فرنسا في طرابلس جان لوك سيبيود تلقى برقية من باريس يطلب منه فيها "الاقتراب من السلطات الليبية على اعلى مستوى لنقل اليهم مشروع اتفاق-اطار للتعاون الفرنسي الليبي". واوضح احد مستشاري برنار كوشنير وزير الخارجية في تلك الاونة الى السفير "ان هذا النص قد يوقع اثناء الزيارة التي ينوي رئيس الجمهورية القيام بها الى ليبيا، ان تلقينا قبل ذلك التاريخ التأكيد عن ترحيل الممرضات" الى بلادهم. ولفتت المجلة الى ان باريس عددت الميادين التي يمكن ان يشملها ومن بينها "النووي". وبعد يومين من ذلك ودائما بحسب البرقية ابلغ سفير فرنسا وزيره ان القذافي ثمن كلمة "نووي". وكتب "ان الليبيين كانوا ينتظرون هذه الاشارة التي تستجيب لطلب شخصي للعقيد القذافي". وفي ليل 23 تموز/يوليو تلقى السفير برقية جديدة من باريس تعلن ان باريس وافقت على الاتفاق النووي الذي يرغب به القذافي، وينبغي نقل الموافقة الفرنسية الى الليبي "باسرع وقت" لكن "فقط ان تم الافراج عن الممرضات والطبيب قبل ذلك"، بحسب البرقية التي ذكرتها المجلة. وكتبت المجلة "غداة ذلك، يوم الثلاثاء 24 يوليو افرج معمر القذافي عن الممرضات البلغاريات". وعندما سئل من قبل لجنة برلمانية في 2007 اكد كلود غيان الذي كان انذاك امينا عاما للاليزيه واحد اكثر المقربين من نيكولا ساركوزي، ان الافراج عن الممرضات تم بدون مقابل. Comment *