خلال الفترة من 2003 حتى 2007 عملت مراسلا لأحد المواقع الإخبارية العربية وبالتحديد في قسم الفن، بالتالي كان من بين قائمة أولوياتي تغطية أخبار جنازات الفنانين المصريين خصوصا النجوم منهم بكل تأكيد، ولأنني أدعي أنني على دراية جيدة بالعاملين في حقل التمثيل المصري لم أجد صعوبة في معرفة اسم الممثل الذي جذبت تصرفاته اهتمامي في معظم الجنازات التي قمت بتغطيتها في تلك الفترة لنجوم كبار مثل سعاد حسني وأحمد ذكي وفؤاد المهندس وغيرهم . كيف كان يتصرف طارق النهري؟ كان الأكثر حماسا بين كل المشيعين، هو الوجه الوحيد المعروف الذي كان يحمل النعش ثم يسبقه إلى سيارة تكريم الإنسان ويوجه الحاضرين مستخدما صوته الجهوري وبنيته الجسدية وبشكل يؤكد أن المتوفي عزيز عليه جدا لكن هل كل النجوم الراحلين لهم نفس المعزة عند النهري؟ كان هذا هو سؤالي خصوصا أنه لم يكن ناشطا في النقابة بالتالي لا يريد الحصول على أصوات، وحتى لو كان للأصوات قيمة في هذه المناسبات، هو قادر على حصدها من خلال التواجد دون عناء المشاركة في وداع النجم الراحل بالصورة التي شرحتها لكم، الوحيد الذي يتواجد في كل مراحل الجنازة وباقي زملائه يكتفون بالوقوف حزانى أو التسجيل للفضائيات . عندما عادت الدستور الأسبوعية للصدور في 2005 عملت بها لعدة أسابيع تزامنت مع وفاة النجم الراحل أحمد ذكي، ولأن التغطية كانت مختلفة، جاءتني الفرصة للحصول منه على تصريح، صحيح أن السؤال في عرف المصريين يبدو سليطاً، تخيل أنك تسأل أحدهم لماذا تشارك في الجنازات بهذا الحماس، لكن طارق النهري لم يختار الإجابة التقليدية وهي أن الجنازات واجب وأن كلنا لها، لكنه قال لي بإيمان شديد ” لأن الموت هو الحقيقة الواحدة في هذه الحياة” ، وإذا ربطت بين الإجابة والشخصية التي آداها في فيلم “الطريق إلى ايلات” فأنت أمام نموذج صارخ للمثالية داخل الوسط الفني، تبرر مثاليته تخبطه الشديد كممثل ومخرج وظهوره على فترات متباعدة . في عام 2008 كان الخبر صادما بالنسبة لي، تورط الفنان طارق النهري في جريمة نصب على راغبي السفر للخارج بطرق غير شرعية، والفكرة كانت مبتكرة، فريق عمل مسلسل أو فيلم يسافر لتصوير بعض المشاهد في دولة أوروبية ويدخل ضمن الفريق الراغبون في الهروب لتلك الدول ويعود طارق النهري وزملائه بدونهم بعد الحصول على المقابل، تورط معه فنانين آخرين في القضية نفسها، وملأت الأخبار صفحات الحوادث لا الفن، فكونه نصف معروف لم يدفع محرري الفن لتغطية القضية رغم أهميتها في ضرورة تطهير الوسط الفني من الذين يسيئون إليه، وقتها حكمت عليه المحكمة بالحبس 3 سنوات وكفالة 10 آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ بعدما ثبت أنه حصل على 840 ألف جنيه من 14 ضحية . كالعادة اختفي النهري لفترة وظهر في رمضان الماضي من خلال مسلسل “خاتم سليمان” ليؤدي شخصية ضابط أمن الدولة المعترف بجرائم زملائه لكنه حريص على عدم سقوط النظام في الوقت نفسه، وتأت المفارقة عندما يتم القبض عليه مؤخرا بتهمة التحريض ضد رجال الأمن والجيش في أحداث مجلس الوزراء التي شهدت حرق المجمع العلمي، وتتوالي الشهادات والفيديوهات بعضها من زملاءه في الوسط الفني مثل الممثل الشباب كريم سامي مغاوري . قبل التنحي كان النهري من مؤيدي مبارك في ميدان مصطفي محمود . بعد التنحي نزل الميدان للمطالبة بمحاكمة مبارك وهدد بأنه سيكون من أوائل الذين يذهبون لمحاصرة قصره في شرم الشيخ . هكذا كان القائمون على هذه البلد – ولازالوا طبعا- يزرعون في كل موقع ضعاف النفوس الذين يمكن أن يستغلوهم في الوقت المناسب. غير أن القبض على طارق النهري تحديدا يطرح العديد من التساؤلات والملاحظات في آن واحد منها : يطرح الممثل الشباب كريم مغاوري علامة استفهام حول توقيت القبض على طارق النهري بعد مرور 4 شهور على الأحداث التي اتهم بها، هل التحقيقات وصلت إلى اسمه متأخرا ولم ينجح من يستخدمونه في حمايته، أما أن الهدف كما يقول كريم هو أن يخرج منها بريئا ويتم تقديمه كضحية لقبضة الأمن الباطشة التي أرادت توريطه في اتهام غير واضح المعالم، فهل كان يحرض ضد الأمن لأنه من الثوار، أم لأنه يريد من الأمن أن يرد بعنف على المتظاهرين ويعطيهم الحجة للضرب في المليان. ملاحظة أخرى وهي كم من أمثال طارق النهري متواجدين الآن على الساحة، أي أصحاب الوجوه غير المحروقة، الذين لم يشكل الناس وجهة نظر تجاههم في أيام مبارك، صحفيون وإعلاميون وفنانون وسياسيون يخدعون الناس بأنهم لم يكونوا من المستفيدين من النظام السابق لأنهم كانوا أتفه من أن يتقدموا الصفوف، لكن في ظل الفوضى التي عمت الصورة بعد الثورة يمكنهم أن يدخلوا إلى الكادر ويخربون كما يشاءون معتمدين على أن الجمهور خصوصا البسطاء منهم لا وجد لديه كي يقرأ الأرشيف أولاً . أخيرا : هل كان طارق النهري مؤمنا فعلا بما يفعله في الجنازات ثم تغيرت ظروفه ونسى أن “الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة” أم أن ما كان يفعله في كل جنازة جزء من مخطط كبير للظهور وتثبيت ملامح مزيفة يمكن أن يستخدمها في الوقت المناسب ؟ من ناحيتي أتمنى أن يكون السيناريو الأول صحيحا لأنني لم أتصور يوما أن هناك من قد يستغل جنازة لتحقيق مآرب أخرى . مقال الممثل الشاب كريم مغاوري عن طارق النهري http://karimmaghawry.blogspot.com/ للتواصل مع الكاتب عبر تويتر https://twitter.com/#!/MhmdAbdelRahman