أنت غير قادر على حماية بيتك، بعض الأغراب يهاجمونه، يقتلون امرأتك وأطفالك أمامك قبل أن يقتلونك، يمثلون بجثث جيران واصدقائك، قد يعبث أحدهم برأس والدتك منتشياً، تتمنى الموت قبل أن تذوقه، هذا كان شعور من استشهدوا في المذابح الصهيونية.... هل انتظرت عودة طفلك يوماً من المدرسة، تعد طعام الغداء، وتداعب تلك الدمية التي أحضرتها لتفاجئه بها، أجدت إخفائها حتى لا يراها حين يعود من المدرسة، ولكنه لا يعود، قصفه طيران عسكري ليقتله وهو يخط بيده حروفه الأولى، وهو يكتب حرف الحاء ويشرع في كتابة الباء. قال الشاعر مريد البرغوثي في تغريده له اليوم على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “8 ابريل سنة 1970مجزرة بحر البقر في مصر، و9 ابريل سنة 1948 مجزرة دير ياسين. الجرح واحد والأمل واحد”، مختصراً كل ما يمكن أن يقال عن هاتين المذبحتين التي أرتكبهما عدو واحد...عدو للإنسانية. الصهيونية كفكرة جوهرها العنف، والعنف بكافة صوره يكون الآداة التي تنجز أهداف نسق فكري عنصري غير إنساني، يقوم على الإبادة والإحلال، أي باختصار لكي يعيش الصهيوني ويكون له وطن يجب أن يموت صاحب هذا الوطن، أولاً عن طريق إنكار وجوده بالأصل”أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ” وهو ما يسمى بالعنف فكري، الذي سرعان ما يترجم إلى إرهاب مسلح، وتكون المذابح والمجازر والاغتيالات مصادقاته. بحر البقر، دير ياسين، وغيرها من أفعال الإرهاب الصهيوني، تعتبر مجرد نتائج لأهم آلية لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني من الإحلال والاستيطان، فالإرهاب الصهيوني يعد العمود الفقري الذي تقوم عليه الصهيونية كمشروع استيطان وإحلال، فلا التعايش ولا السلام لهم محل من الإعراب في هذا المشروع، أو بمقولة أخرى لمناحم بيجن في كتابه (الثورة..قصة الأرجون) : “إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست السلام بل السيف”. أو كما قال الرمز الصهيوني الشهير دافيد بن جوريون “يجب أن تكون إسرائيل ككلب شرس جداً مزعج جداً”، عن علاقة إسرائيل بما حولها من دول، فعليها أن تثبت لهذه الدول باستمرار أنها قادرة على إلحاق الأذى بالدول المجاورة، ويتضح هذا جلياً في مذبحة بحر البقر، فما المغري عسكرياً باستهداف مدرسة ابتدائية تضم 150طفلاً راح أكثر من ثلثهم ضحايا لقصف طائرات الفانتوم الإسرائيلية، بالإضافة لإصابة أكثر من 80، الهدف هو إرهاب الأخر باستمرار ليس فقط استهداف قواته العسكرية، ولكن لابد أن يكون هناك استهداف ينتج عنه رعب وإرهاب الباقين، خصوصاً لو أقدم الأخر على المقاومة والصمود، فيكون العقاب مضاعف باستهداف المدنيين العزل والأطفال والنساء والحوامل، وهو ما حدث في مذبحة دير ياسين، فسكان القرية التي تقع في منتصف الطريق بين المدن الكبرى، والتي كانت تتعامل بالتجارة البدائية وتبيع المصنوعات اليدوية، والتي عقد المستوطنين معها قبل ثلاثة أشهر من المذبحة اتفاق هدنة شمل أبجديات تعايش سلمي ألتزم بها سكان القرية، وذلك حسب ما جاء في وثائق إسرائيلية أفرج عنها من أرشيف تنظيم الهاجاناه في 2010. أما رواية الكاتب الفرنسي باتريك ميرسييون والذي أرخ عن المذبحة فقد قال: استخدموا الأسلوب الوحيد الذي يعرفونه جيداً، وهو الديناميت، هكذا استولوا على القرية عن طريق تفجيرها بيتاً بيتاً، وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم قاموا “بتنظيف” المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، حيث كانوا يطلقون النيران على كل ما يتحرك داخل المنزل من رجال، ونساء، وأطفال، وشيوخ”. وأوقفوا العشرات من أهل القرية إلى الحوائط وأطلقوا النار عليهم. واستمرت أعمال القتل على مدى يومين. وقامت القوات الصهيونية بعمليات تشويه سادية (تعذيب اعتداء بتر أعضاء ذبح الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة)، وأُلقي ب 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات ليطوفوا بهم طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رمياً بالرصاص. وألقيت الجثث في بئر القرية وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة. ويكمل ميرسييون: “وخلال دقائق، وفي مواجهة مقاومة غير مسبوقة، تحوَّل رجال وفتيات الأرجون وشتيرن، إلى “جزارين”، يقتلون بقسوة وبرودة ونظام مثلما كان جنود قوات النازية يفعلون”. ومنعت المنظمات العسكرية الصهيونية مبعوث الصليب الأحمر جاك دي رينييه من دخول القرية لأكثر من يوم. بينما قام أفراد الهاجاناه الذين احتلوا القرية بجمع جثث أخرى في عناية وفجروها لتضليل مندوبي الهيئات الدولية وللإيحاء بأن الضحايا لقوا حتفهم خلال صدامات مسلحة. مذبحة دير ياسين والتي شاركت بها العصابات الصهيونية الثلاثة الأشهر(الهاجاناه، شتيرن، الأرجون) نتج عنها متوسط ضحايا بلغ 350 ضحية في حين أن بعض المصادر الغربية التي تناولت المذبحة قالت أن عدد الضحايا لم يتجاوز 107 قتلوا بشكل أساسي في المذبحة، بينما الباقيين ماتوا في الصدام المسلح بين العرب واليهود!، أي أنه كان مجرد خلاف بين قوتين متحاربتين على خلفيات أثنية، فمن الطبيعي أن يكون هناك ضحايا، وأن تكون الغلبة في النهاية للمنتصر الأكثر عدة وعتاداً. أي ليست جريمة ضد الإنسانية، يدينها كل إنسان حر ينتمي أولاً لقيم الإنسانية، ثم لأي دين أو عرق أو مذهب، فها هو العالم الأشهر ألبرت أينشتين اليهودي الديانة، والذي رفض أن يكون أول رئيس للكيان الصهيوني، يدين في خطاب مرسل إلى الكاتب والصحفي الأمريكي شيبيرد رفكين، يحمل مسئولة المذبحة للعصابات الإرهابية، قائلا” لست على استعداد لرؤية أي شخص يرتبط بهؤلاء المجرمون والمضللين”. هذه الجرائم المريعة لولاها ما وجدت إسرائيل، وما حققت الصهيونية أهم أهدافها وهو إحلال المستوطن محل صاحب الأرض. ففي مذكرات بيجن ذكر أنه عندما سمع بأمر دير ياسين بعث برسالة إلى قائد قوات الأرجون قائلاً: “تهنئتي لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل”.! بالفعل هذا هو تاريخ إسرائيل المكتوب بدماء الأخريين، بيجين صاحب عبارة “أنا أحارب، إذن أنا موجود” يقر بأن ” لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل”، وهل كان هناك حل أخر سوى المذبحة لإجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين من النزوح من أراضيهم، بيجين يقر بهذا في مذكراته عندما قال” أن عملية داليت (دير ياسين في المفهوم الصهيوني) مع غيرها من العمليات أسهمت في تفريخ البلاد من 650ألف عربي”. الإرهاب الصهيوني الذي يبدأ بإنكار وجود الأخر ويصل لمرحلة التطهير العرقي، والذي تحول الآن إلى أقصى أشكال العنصرية، بتصميم القائمين على الحكم فيه بإدعاء”يهودية الدولة” وأنه يجب في أي تسوية قادمة أن يقر الفلسطينيون والعرب بيهودية إسرائيل، أي حتى إنكار أي وجود للفلسطينيين العرب الذي تمسكوا بأرضهم وفرض عليهم الواقع أن يعيشوا بأوراق رسمية إسرائيلية ويتعايشوا مع واقع مؤقت. في المؤتمر الصهيوني الأول1897 قال أحد زعماء الصهيونية المجتمعين إلى هرتزل أن فلسطين ليست أرضاً بلا شعب كما كان الادعاء، وأن هناك شعب على أرض فلسطين، فرد عليه هرتزل بجملة واحدة “ستتم تسوية هذا الأمر فيما بعد”، ألا أن المسألة لم تتم تسويتها، فلم ينجح الصهاينة بالإنكار التاريخي والمعرفي، أو حتى بالتطهير العرقي كما حدث مع الهنود الحمر في أمريكا، أو الإزاحة والإحلال مثل ما حدث في كردستان أو جنوب أفريقيا، فبعد حوالي 64 عام من نشأة إسرائيل، هناك ملايين من أصحاب الأرض الحقيقيين في فلسطين سواء الضفة أو القطاع أو داخل الخط الأخضر، بخلاف ملايين أخريين في الشتات ويتمسكون بهدف العودة إلى أراضيهم، فعلى الرغم من إسقاط معظم الأنظمة العالمية والعربية منها على الخصوص قضية فلسطين من حساباتها، وتفرق الحكام العرب ما بين متواطئ ومهاود وعاجز. أو كما قال المفكر والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني “إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية”.، والذي تحل ذكرى ميلاده اليوم، فتظل دائماً مناسبات مثل يوم الأرض و ذكرى جرائم الكيان الصهيوني، تؤكد دائماً أن “السلام” مع إسرائيل وأن كان تم بين أنظمة وحكومات، لا يظل بعيداً جداً عن الواقع، وأنه مجرد هدنة بين غاصب وصاحب حق، فهذا ما يؤمن به مناحم بيجن ،الذي بعد حوالي ثلاثون عاماً من المذبحة حاز على جائزة نوبل مناصفة مع الرئيس السادات لجهودهما في تحقيق السلام في الشرق الأوسط بانسحاب إسرائيل من سيناء، بيجن الذي صرح أثناء المفاوضات مع الجانب المصري وقتها: “سنضطر إلى الانسحاب من سيناء لعدم توافر طاقة بشرية قادرة على الاحتفاظ بهذه المساحة المترامية الأطراف . سيناء تحتاج إلى ثلاثة ملايين يهودي على الأقل لاستيطانها والدفاع عنها . وعندما يهاجر مثل هذا العدد من الإتحاد السوفيتي أو الأمريكتين إلى “إسرائيل” سنعود إليها وستجدونها في حوزتنا.