* أمراض الكلى والكبد تنتشر بين الأهالي .. ومحطة الصرف الرئيسية بالمدينة تصب مياهاً غير معالجة في مصرفي العامرية وزفتى * غباشي فقد شقيقه و3 من أبنائه بأمراض الكبد .. وولده الرابع يعاني من نفس المرض * الفلاحون يعتمدون على “المياه الملوثة” لري أراضيهم .. والمحاصيل تباع للمواطنين تحقيق – أحمد بلال: في منزلها المتواضع، أصرت السيدة الأربعينية، التي ترتدي جلباباً فلاحياً أسود اللون، على تقديم واجب الضيافة قبل أي شيء. بعد قليل تأتي بالشاي، تقدمه لنا وهي تؤكد أن المياه التي استعملتها في عمل الشاي، قد أحضرتها من محطة معالجة المياه التي أقامتها الجمعية الشرعية في القرية. كانت تقول ذلك وكأنها تحاول طمأنتنا. بألم شديد، تسرد “فطومة” قصة معاناة والدها “محمد عمارة” مع المرض، “ذهبنا به للمستشفى العام بالمحلة، فتم حجزه هناك دون أن نعرف سبب مرضه، حتى صادف أن طبيباً أتى ليزور أحد المرضى فطلبت منه أمي إجراء الكشف عليه وهي تبكي، عندما نظر إليه طلب منا إجراء تحاليل وظائف كبد وكلى بسرعة، وعندما أجرينا التحاليل طلب منا عمل غسيل كلى فوري له، وإلا سيموت”، تقول “فطومة”، التي تضيف أن الأسرة بأكملها سهرت مع والدها في ليلته الأخيرة، وأن حالة من المرح كانت تسود المكان، ووقت الفجر استيقظت والدتها لأداء الصلاة في المسجد، إلا أنه طلب منها ألا تتركه ثم نطق الشهادتين، وتركها بلا عودة. تغيب لدقائق ثم تعود ممسكة بورقة معنونة ب “شهادة الوفاة”، تقدمها لنا وهي تغالب دموعها، فرغم مرور ست سنوات كاملة على وفاته، فلا تزال ترتدي ثياباً سوداء حزناً على الراحل. في خانة “سبب الوفاة” نجد عبارة “فشل كلوي”، تقول “فطومة” إن والدها الذي كان يعمل نجاراً مسلحاً، كان واحداً من هؤلاء الذين قام مركز الكلى في المنصورة على أكتافهم، إلا أن “محمد عمارة” الذي زار مركز الكلى عاملاً وهو في كامل صحته، لم يزره على الإطلاق مريضاً، وهو في أشد الاحتياج للعلاج. تتهم “فطومة” مياه الشرب والمزروعات المروية بالصرف في التسبب في وفاة والدها، تقول “المياه والصرف موتوا البلد كلها”. في قرية الدواخلية، بمركز المحلة الكبرى، نفس القرية التي تقطنها “فطومة”، أمسك “علي البقري” الموظف بالجمعية الزراعية بالقرية بخريطة توضح مصادر الري في قرى مركز المحلة، يشير إلى مصرفي العامرية وزفتى و يقول: “هذه المصارف مخصصة للصرف الزراعي فقط، إلا أن هناك من يلوثها بالصرف الصناعي والصحي”. على طول مصرفي العامرية وزفتى بمركز المحلة الكبرى، تنتشر الأراضي الزراعية، التي يعتمد جزء كبير منها في الري على مياه هذه المصارف. يدرك تماماً خطورة الري بهذه المياه، فشقيقه كان واحداً من هؤلاء الذين قضوا بسبب سرطان الكبد، يقول علي: “نصحته أكثر من مرة أن يترك هذه الأرض لأنه كان يرويها من مياه مصرف زفتى، قلت له أن هذه الأرض ستكون سبباً في وفاته”. كان الرد الذي يسمعه علي من شقيقه كل مرة أنه أحب هذه الأرض، وأنه لن يتركها، وبالفعل، لم يفارقها إلا ميتاً. تحت أشعة الشمس الحارقة، وعلى جانب مصرف زفتى، ومن بعده مصرف العامرية، سار “غباشي مرجان”، في نفس الطريق الذي يسلكه كل يوم، يتحامل على نفسه، يتناسى شيخوخته وقد اقترب من الثمانين، ويتناسى معها مرضه، فمن أجل الحبيبة تهون كل الصعاب، يشير لنا “مرجان” إليها وقد انفرجت أساريره، كم غريبة هي تلك العلاقة بين الفلاح وأرضه، هنا، على هذه المساحة الصغيرة التي يفلحها “غباشي” ومن تبقى من أبنائه، جلسنا. يقول وهو يسرد لنا كيفية تدبير علاج الالتهاب الكبدي الذي يعاني منه أنه يضع “الحسنة” التي تخرج له من الأرض على معاشه ليوفر نفقات العلاج. المرض الذي يعاني منه “غباشي مرجان” ليس غريباً ولا نادراً في قرية الدواخلية بالمحلة الكبرى، فقط ما يميز “غباشي” عن غيره، بعض الشيء هنا، أنه فقد في أقل من عقد واحد شقيق، وثلاثة أبناء بنفس المرض، كانوا كلهم يفلحون نفس الأرض، وأيضاً يكنون لها نفس المشاعر، وكان لكل منهم رحلة علاج طويلة بين مستشفيات المحلة الكبرى، طنطا، شبين الكوم، كفر الزيات، قطور وقصر العيني، يبررها “مرجان” قائلاً: “إزاي تقدر تشوف ابنك في الحالة دي وتسكت أو يهدأ لك بال”. أما “وفيق” الابن الرابع فكما شارك إخوته فلاحة وعشق أرض أبيه، فقد شاركهم أيضاً نفس المرض، إلا أنه لا يزال حياً يرزق. على بعد 100 متر من أرض “غباشي مرجان”، تقع محطة تنقية مياه الصرف الصحي لمدينة المحلة الكبرى، تقول لوحة البيانات المعلقة داخل المبنى الإداري في المحطة، أنها تعمل بطاقة 90 ألف متر مكعب، وأن مواسير طرد الصرف التي تدخلها إحداها بقطر 500 مم، والأخرى 800 مم، لتتم معالجة مياه الصرف، و أن “المياه المنقاة بعد المعالجة” يتم صرفها في مصرف زفتى. بسهولة شديدة تستطيع، وأنت تقف بجوار أرض غباشي مرجان، أن ترى هذا الأنبوب الكبير الذي يبلغ قطره 1000 مم، والذي يخرج من محطة الصرف ليصرف “السيب النهائي” أو المياه الخارجة من المحطة، في مصرف العامرية مباشرة ومنه إلى مصرف زفتى، وعلى بعد عدة أمتار من الأنبوب الكبير، وأمام بوابة المحطة مباشرة، تقع غرفة خرسانية ترتفع عن الأرض متر واحد تقريباً و تمتد تحت الأرض بعمق مترين أو يزيد قليلا، يدخلها ماسورتان، تنقلان الصرف الصحي من مدينة المحلة إلى المحطة، وداخل الغرفة تتفرع كل ماسورة لفرعين، يفصل بينهما محبس، الفرع الأول يدخل المحطة، والآخر يصب في مصرف العامرية مباشرة دون أن يدخل محطة المعالجة. من خلال ثلاث زيارات للمكان، في أوقات مختلفة ومتفاوتة، رصدنا صرف هذه المواسير مباشرة في مصرف العامرية دون المرور بعملية المعالجة، وفي بعض الأحيان كانت المياه التي يتم صرفها ملونة. مصدر من داخل المحطة طلب عدم ذكر اسمه، أكد ل”البديل” أن المياه الملونة ما هي إلا صرف صناعي يأتي من مصانع المحلة الكبرى محملاً بالأصباغ والكيماويات”. يقول تقرير التوصيف البيئي لمحافظة الغربية، الصادر عن إدارة شئون البيئة للمحافظة: “في حالة عدم معالجة سوائل المجاري قبل التخلص منها فإن السوائل تكون مصدر خطر حقيقي على مستخدمي المصارف المائية والقائمين بزراعة واستصلاح الأراضي بما قد تحتويه من ميكروبات مرضية مثل التيفود والكوليرا وخلافه”. عبر بوابة حديدية حملت ألوان العلم المصري، دخلنا محطة المعالجة، بعد عشرات الأمتار وصلنا إلى “غرفة التهدئة”، وهي المرحلة الأولى في عملية المعالجة، حيث يتم دخول مياه الصرف الواردة للمحلة عبر الماسورتين، واللتان كانا يصرفان في هذه الأثناء في مصرف العامرية مباشرة دون دخول المحطة، فقط كانت هناك ماسورة أكبر، بقطر 1000 مم هي التي تصرف في “غرفة التهدئة”. “هذه ماسورة مخصصة أكثر للصرف الصناعي الآتي من مدينة المحلة”، كما يقول مصدرنا داخل المحطة. “الشركة الوحيدة التي يوجد بها صرف صناعي في المحلة الكبرى، هي شركة مصر للغزل والنسيج”، يقول محمد عبد العظيم، مدير مراقبي الجودة بمصنع السهيلي للنسيج والصباغة، أحد أكبر مصانع النسيج في المحلة، ويضيف: “الصرف الصناعي في المحلة يصب في المصارف والترع وشبكة الصرف الصحي، نتيجة عدم وجود شبكة صرف صناعي في المدينة رغم كل المصانع الموجودة بها، والخطورة في ذلك أن مياه الصرف الصناعي تحتوي على مواد كيماوية سامة، سمعنا منذ سنوات عن وجود خطة للفصل بين الصرف الصناعي والصحي في المدينة، إلا أن شيئاً لم يتحقق”. بعد الخروج من غرفة التهدئة، تمر مياه الصرف ببقية مراحل المعالجة، لتندفع بعدها المياه التي من المفترض أن تكون قد عولجت، والتي كان لونها وقت زيارتنا أحمر داكن، إلى ماسورة صرف “المياه المعالجة” إلى مصرف العامرية، وهي الماسورة التي تبعد أمتار قليلة عن الماسورتين اللتان تصرفان مياه الصرف مباشرة دون معالجة في نفس المكان، لتختلط بالمياه التي من المفترض أنها عولجت، وكأن شيئاً لم يكن. تنص المادة الثالثة من قانون رقم 48 لسنة 1982، الخاص بحماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث، على أن “تجري أجهزة وزارة الصحة في معاملها تحليلاً دورياً لعينات من المخلفات السائلة المعالجة من المنشآت التي رُخص لها بالصرف في مجاري المياه”، و “إذا تبين من نتيجة تحليل العينات أنها تخالف المواصفات والمعايير المحددة وفقاً لأحكام هذا القانون وبصورة تمثل خطراً فورياً على تلوث مجاري المياه فيخطر صاحب الشأن بإزالة مسببات الضرر فوراً وإلا قامت وزارة الري بذلك على نفقته أو قامت بسحب الترخيص الممنوح له ووقف الصرف على مجاري المياه بالطريق الإداري”. وأقرأ أيضا الحلفة الثانية من التحقيق والبديل تجري تحليلا للمياه في القرى .. والنتائج تؤكد تلوث الأرض والمزروعات والمياه الجوفية مواضيع ذات صلة 1. والبديل تجري تحليلا للمياه في القرى .. والنتائج تؤكد تلوث الأرض والمزروعات والمياه الجوفية 2. ضحايا التيسير للمقاولات يروون ل”البديل” وقائع النصب عليهم : الشركة باعت لنا “الوهم” 3. انفجار ماسورة مياه بالمحلة يصيب الشوراع بالشلل التام 4. مواطن يكشف للبديل وقائع تعذيبه ونجله بقسم شرطة شبين الكوم 5. مناطق مجمع المحاكم والمحافظة في شبين الكوم تغرق في مياة الصرف الصحي