* عالم اجتماع: المجتمعات تريد أن يكون قادتها كآلهة فيمكنهم إلقاء المسئولية عليهم فى اتخاذ قرارات صعبة وجعلهم كابش فداء حال الفشل * الصحيفة: معظم المصريين ينظرون إلى الشباب الذين جلبوا التغيير باعتبارهم غير ناضجين ولا يمكن الوثوق بهم لقيادة البلاد ترجمة- شيماء محمد: ذكرت صحيفة “جارديان” البريطانية، أنه على مدى الأشهر القليلة الماضية تراجع الدعم الشعبي للمجلس العسكري. وأضافت أنه في حين ينتقد البعض المجلس العسكرى بسبب مواقفه الاستبدادية، ينتقده البعض الآخر لعدم كونه استبداديا بما فيه الكفاية. فالفصيل الثاني يشكو من عجز المجلس العسكرى فى اتخاذ إجراءات صارمة لكبح جماح الفوضى المنتشرة فى البلاد، وتآكل سلطة الدولة أو ما يشار إليه أحيانا بأنه فقدان “هيبة الدولة”. وأوضحت الصحيفة أن خوف مصر من الفوضى يحدده شوقها للاستقرار والقيادة القوية. القول المأثور العربي الشعبي “مائة عام من الطغيان أفضل من من يوم واحد من الفوضى” يجسد الكثير من الخوف الموجود في المنطقة من التغيير، كما أنه سمح لحكام المنطقة أن يرسموا أنفسهم كأوصياء وحماة الاستقرار. علاوة على ذلك، عزز عدم وجود قيادة فى الانتفاضات العربية احتمالات الاضطراب وغذت مشاعر القلق. في الأشهر المقبلة، سيكون أمام المصريين فرصة لاختيار رئيسهم، وبما تخلق الأسس التى سيستندون عليها فى اختيارهم تحديات لمستقبل البلاد. فالمواقف التقليدية تجاه السلطة والعدالة والهوية الوطنية يمكن أن تقوض الديمقراطية وتعرقل مسار البلاد نحو الحرية. فعلى سبيل المثال، أوضح رئيس حزب النور السلفي، في مقابلة مؤخرا، أن المصريين في حاجة إلى رجل” يمكنه جمع الأمة حول شعور وطني قوي من شأنه أن يخرج مصر من الأزمة التى هى فيها”. هذا التعطش للمنقذ الشعبي ليس فقط غير واقعي ولكنه أيضا يخاطر بعودة الاستبداد والسلطوية. فالشعبية تمكن الزعيم من التعامل مع الجماهير بشكل مباشر، والتحدث باسمهم، وبالتالي يتخطى المؤسسات وأحزاب المعارضة. وبشكل عام، فالديمقراطيات الناشئة، مثل مصر، والتي تفتقر إلى الضوابط الراسخة والتوازنات في السلطة التنفيذية، معرضة لخطر الارتداد. ويقول عالم الاجتماع الفرنسي، إميل دوركهايم، إن المجتمعات تريد قادتها أن يكونوا مثل الإله. فهذا يسمح لهم بإلقاء المسئولية عليهم فى اتخاذ قرارات صعبة، ويجعلون زعماءهم كبش فداء عن أي فشل يحدث. وفي حالات متطرفه، يكتسب الزعيم الشعبي حبا أقرب للعبادة لشخصه، ويتم تملقه من قبل أتباعه، غير القادرين على تقييمه بناءا على أفعاله وأعماله. أحد الأمثلة على ذلك كان رد فعل الجمهور على استقالة جمال عبد الناصر في أعقاب هزيمة 1967 على يد إسرائيل. على الرغم من الإهانة الوطنية والخسائر الفادحة في الأرواح نتيجة الهزيمة، خرج عشرات الآلاف من المصريين إلى الشوارع مطالبين عبد ناصر بألا يتنحى. وأضافت الصحيفة أن الرغبة في الزعامة البطولية في البلد التى فيها “الحريات الشخصية” لا تزال مفهوما غريبا، يجعل الانتقال الديمقراطي فى مصر أكثر خطورة. في الواقع، إخضاع الحريات الفردية لمصلحة الأمن القومي، والانتعاش الاقتصادي أو بعض الأمور الجيدة الجماعية الأخرى هي واحدة من الأسباب التي توضح لماذا المصريين لديهم شعور مشوه للعدالة. جرائم مثل التعذيب وحتى القتل تبدو مقبولة بشكل مزعج إلى الضمير والوعى العام في مواجهة تهديد وطني. بالإضافة إلى ذلك، فالطابع الأبوي للمجتمع سمح للنظام بقمع حقوق دستورية. فكما وصف المؤرخ هشام شرابي أن المجتمع العربي باكمله تم بناؤه حول فكرة “هيمنة الأب”. سواء كان ذلك على مستوى الأسرة أو في السياسة، فالإرادة الأبوية حق مطلق. نتيجة لذلك، نرى التبعية للبالغين فى مصر في جميع مجالات الحياة العامة وقد أدت إلى ما يمكن تسميته ب”حكم الشيوخ”. معظم المصريين ينظرون إلى الشباب الذين جلبوا التغيير باعتبارهم غير ناضجين بشكل كافي، ولا يمكن الوثوق بهم لقيادة البلاد. هذه هى مفارقة في بلد نسختها الاصلية للزعيم كانت هى نسخة، عبد الناصر، الذى كان عمره فقط 38 عاما عندما جاء إلى السلطة. ولعب الدين كمصدر للهوية الوطنية دورا، أكبر من أي شيء آخر، في تحديد مسار البلاد حتى الآن. فالجدل الدائر حول الهوية الإسلامية للدولة كما هو منصوص عليها في الدستور عزز القلق تجاه التغيير، ومهد الطريق لانتصار ساحق للإسلاميين، فاثنين على الأقل من المرشحين للرئاسة يعرفون أنفسهم بوصفهم إسلاميين. واليوم إذا نظرنا إلى تكوين البرلمان المصري، الذي انتخب مؤخرا، فان هذه المخاوف ستأتى وتنبض بالحياة مرة أخرى على الفور. فما يقرب من 60٪ من المصريين تحت سن ال 30، إلا أن البرلمان المصري مهيمن عليه من قبل أعضاء كبار السن، على الرغم من تخفيض سن الترشيح إلى 25 عام. كما أن النساء اللائي كن في طليعة الثورة تمكن فقط من الحصول على تسعة مقاعد من أصل498 مقعد. والأمر نفسه ينطبق على المسيحيين في مصر الذين فازوا بمقعدين فقط. وأوضحت الصحيفة أنه بعد عقود من القمع والفقر والعزلة المجتمعية، تمتلىء المواقف والاتجاهات التقليدية بالانحيازات والمفاهيم الخاطئة التي كانت في كثير من الأحيان عرضة للاستغلال من قبل النظام وآلته الدعائية. وهذه المشاكل ليست فريدة من نوعها بالنسبة لمصر والديمقراطيات الناشئة في أماكن أخرى واجهت تحديات مماثلة. وبالتالي، كي تنجح الديمقراطية، فالمصريون بحاجة إلى التركيز على إنشاء مؤسسات مستقلة، وزيادة الوعي السياسي وخلق دستور يحمي بصورة قاطعة واضحة حقوق المواطنين ويضع مراقبة شديدة على الممارسات القسرية للحكومة.