في ظل انشغال الدولة بالانتخابات الرئاسية التي أجريت منذ أيام، كان الوفديون على موعد آخر في سباق انتخابات رئاسة الحزب، التي حسمها المستشار بهاء أبو شقة، آملين استقرار الحزب العريق الذي كان يحكم مصر يومًا ما، واستعادة ماضيه الناصع الذي شكل الأغلبية قبل ثورة 23 يوليو 1952 التي أنهت عهد الملكية، وحولت البلاد إلى النظام الجمهوري. أبو شقة، حصد 1384 صوتًا في الانتخابات التي جرت داخل الحزب، قبل نحو أسبوع، فيما حصد أقرب المنافسين له المهندس حسام الخولي، نائب رئيس الحزب على 900 صوتًا، والدكتور ياسر حسان على 193 صوتًا فقط. وجاءت انتخابات رئاسة حزب الوفد، بعد نهاية ولاية الدكتور السيد البدوي، الذي قضى دورتين في منصبه، منذ عام 2010 بواقع 4 سنوات لكل دورة، ومن ثم لا يحق له الترشح مرة ثالثة وفقا للائحة الجديدة للحزب. فلاش باك كان تشكيل حزب الوفد عام 1918 على يد الزعيم سعد باشا زغلول، وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد ومكرم عبيد وفخر الدين المفتش وآخرين وأطلقوا على أنفسهم اسم «الوفد المصري»، وكانت تلك الفترة بمثابة العصر الذهبي للوفديين. لعب الوفد دورا جوهريا لا ينكره أحد في تاريخنا الحديث؛ مع بدايات القرن العشرين عبرّ عن إرادة شعب يبحث عن الاستقلال؛ وخرج يواجه بصدور مفتوحه محتلا متغطرسا، قابل الهتافات بالرصاصات، ومثّل الحراك السياسي الكبير الذي قاده الوفد آنذاك وأثمر تصريح 28 فبراير، استقلالا منقوصًا، واستمر الكفاح حتى إصدار دستور 1923. وتعرض الوفد لانتكاسات وسلسلة إخفاقات متتالية؛ الأولى كانت في إجبار سعد باشا زغلول على الاستقالة بعد مقتل سردار الجيش المصري (لي ستاك)، والثانية عقب وفاة الزعيم، فتعثر وشهد الوفد انشقاقات كبيرة في صفوف عدد من زعماء الحزب في الثلاثينيات اعتراضا على بعض السياسات وتشكيل حزب مناوئ يحمل اسم «الحزب السعدي»، وصولًا إلى انشقاق القيادي الوفدي البارز مكرم باشا عبيد عن الحزب، حتى تراجعت شعبية الحزب تدريجيًا بنشر كتابه الذي يفضح كل ما جرى في الداخل وكانت الفضائح مدوية، هنا صدر قرار بحل الحزب وفقا لقانون حل الأحزاب الصادر في 1953. الحفاظ على الهوية وقال طارق تهامي رئيس لجنة شباب الوفد، إن الحزب ليس لديه أي طريق لاستعادة أمجاده سوى المحافظة علي تراثه وهويته ومبادئه، وأي مخالفة لهذه المبادئ والتراث سوف يجعل من حزب الوفد شركة تدار من قبل أفراد وسيفقد الحزب علاقته بالشعب والشارع المصري. وأضاف تهامي: "ما يقال عن تطوير الحزب لا يعد هو الأمر الأساسي، ونستطيع أن نقول إن الحزب حافظ علي مبادئه وتمسك بهويته عندما رفضت الهيئة العليا ترشيح رئيس الحزب السابق الدكتور السيد البدوي في الانتخابات الرئاسية بالإجماع، الأمر الذي أعاد جزءا من شعبية الحزب". تعثر مالي وأشار تهامي إلى وجود عدد من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تراجع حزب الوفد عن تأدية واجباته الوطنية؛ منها التردد في اتخاذ القرار وإعلان موقف بشكل منفرد قبل أن تعود الهيئة العليا للحزب لتحصيصه، ما أثبت أن حزب الوفد لديه تيار قوي يستطيع أن يعيده من جديد للطريق الصحيح. وعن صلاحيات رئيس الحزب الجديد، قال رئيس لجنة شباب الوفد، إن أكبر مشكلة سوف يعاني منها؛ تسلمه الحزب شبه مُفلِس ولا يوجد به أي رصيد مالي؛ نتاج سوء الإدارة للأمور على مدار السنوات الماضية، رغم وجود موارد مالية للحزب، لافتا بيع آخر الأصول الصحفية لحزب الوفد بالإسكندرية، كما أن الإدارات السابقة فكت الودائع الموجودة في البنوك، مؤكدا أن مهمة الرئيس الجديد، إيجاد مصدر مالي للحزب بعيداً عن الأفراد ويكون ملكا للحزب نفسه. وأوضح تهامي أن تزامن موعد إجراء انتخابات الحزب الأخيرة مع الانتخابات الرئاسية، أثرت كثيرًا على الحزب، وحملات الدعاية للمرشحين، كما أثرت سلبا على مشاركة الحزب في الانتخابات الرئاسية، وتأدية دوره في الحشد الجماهيري وعقد المؤتمرات، متابعا: "طالبنا مراراً وتكراراً بتأجيل انتخابات الحزب إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، لكن جاء الرفض من رئيس الحزب السابق، وكان هناك إصرار كبير جداً وغير مفهوم لإجراء الانتخابات في نفس التوقيت لوجود غرض في نفس البدوي". كيف يستعيد الوفد قوته؟ وفي المقابل، أوضح حسام علام، رئيس حكومة الوفد الموازية السابق، أن الطريقة المثلى لاستعادة حزب الوفد قوته من جديد، أن تكون الدولة لديها الرغبة في وجود أحزاب سياسية قوية، وأن يكون هناك تحول إلى الدولة البرلمانية. مصطفي الطويل، الرئيس الشرفي لحزب الوفد الأسبق، قال إن استعادة حزب الوفد لدوره الوطني السابق، وعودة الأمجاد يحتم على الرئيس الجديد التمسك بأصالة الحزب والمجهود الذي سيتم بذله لإعادة الحزب إلي مساره الحقيقي، مضيفا أن الرئيس السابق للحزب بذل ما استطاع من الجهد، لكنه لم يكن موفقا في إدارته وأبعد الوفديين القدماء وتم إقصائهم من الحزب. التيار القديم يحسم الجولة وعن الانتخابات الأخيرة للحزب، قال الطويل إن جميع المرشحين قامات كبيرة وعلى قدر عال من الكفاءة، وكان يفضل من البداية المستشار بهاء أبو شقة علي اعتبار أنه رجل قديم وينتمي لعائلة وفدية عريقة، بالإضافة إلي أنه رجل قضاء وله بصمات منيرة في هذا العمل وأبلى بلاء حسناً ويعد من أعلام المحامين، حيث يحظى بتأييد كبير من قبل شيوخ حزب الوفد؛ متمثلين في الرؤساء الشرفيين للحزب، أحمد عودة، والمستشار مصطفى الطويل، وأحمد عزب العرب. وانضم أبو شقة لحزب الوفد منذ أكثر من 20عامًا، وقدم الكثير له، وتم إختياره سكرتيراً عاماً للحزب، وهو من أهم منصب تشريعي في الحزب، ويكفي أن مجلس النواب اختاره رئيساً للجنة التشريعية، ثم رئيسا شرعيا للحزب.