إنجازات كبيرة استطاع الجيش السوري وحلفاؤه تحقيقها للحفاظ على تماسك الدولة من أيدي الفصائل المسلحة، وإحباط مخططات التقسيم الأمريكية، فتحرير الغوطة الشرقية ليس فقط تحريرا لبضع كيلومترات قطرية وسعودية للضغط على مركز القرار السوري، فالغوطة ونظرًا لقربها الشديد من العاصمة دمشق، كانت مصممة لتكون بمثابة عاصمة موازية لتجميع المعارضة المسلحة فيها، الأمر الذي يسمح ببقاء خاصرة دمشق رخوة. وتفيد التقارير الواردة من سوريا بأنه تم التوصل إلى اتفاق مع جماعة جيش الإسلام لسحب مقاتليه من دوما، آخر معاقل المعارضة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وقالت مصادر تابعة للحكومية السورية وأخرى معارضة بالأمس، إن الاتفاق يقضي بخروج مسلحي جيش الإسلام من دوما إلى جرابلس وتسوية أوضاع المتبقين وعودة كل مؤسسات الدولة بالكامل إلى مدينة دوما. ولم يرد أي تعليق رسمي من قبل جماعة جيش الإسلام، ويرى متابعون أنه لا مناص من قبوله الاتفاق، إلا إذا قرر الانتحار، وأن مشكلة جيش الإسلام لا تكمن في الاتفاق من حيث الانسحاب من دوما وتسليم سلاحه، بل في المنطقة التي سينسحب إليها، فإدلب التي تشكل مرتعًا للفصائل المسلحة المهزومة في العديد من الجغرافية السورية، لا يمكن أن تشكل حاضنة لجيش الإسلام، خاصة أن الأخير ليس على وفاق مع التنظيمات المسلحة المتواجدة فيها، كجبهة النصرة وفيلق الرحمن. ويبدو أن المشكلة المكانية، حلت، فالأخبار تفيد ببدء تنفيذ اتفاق رحيل مسلحي جيش الإسلام من مدينة دوما في ريف دمشق، إلى جرابلس في ريف حلب شمال غربي البلاد، وهناك مؤشرات عديدة تفيد بأن الاتفاق دخل حيز التنفيذ، فبالأمس كانت هناك حافلات تستعد لنقل أول دفعة من المسلحين إلى جرابلس، كما تم التطرق إلى تفاصيل مثل المتعلقة ب"ملف المخطوفين"، حيث يوجد آلاف المخطوفين المؤيديون للدولة السورية في سجون دوما إلى الآن منذ سبع سنوات ومن جميع المحافظات. من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية التوصل إلى الاتفاق مبدئي بشان خروج مسلحي جيش الإسلام من الغوطة الشرقية، وأضاف مدير مركز المصالحة الروسي، أنه يتوجب على المسلحين تسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة وخرائط الألغام والأنفاق أثناء خروجهم من دوما، ونزع الألغام الموجودة في المباني والتخلص من المتاريس والحواجز التي أقاموها على الطرق في المنطقة. وبينما يتوجه مسلحو جيش الإسلام إلى جرابلس في ريف حلب، أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة للدولة السورية في بيان لها بالأمس، سيطرتها الكاملة على بلدات الغوطة الشرقية بعد خروج فيلق الرحمن إلى إدلب، وبعد البيان العسكري، تم رفع العلم السوري وسط الغوطة الشرقية في عين ترما، وبعد دخول القوات السورية وسيطرتها على الغوطة، تسعى دمشق لتأمين مستلزمات عاجلة إلى حين إعادة بناء ما دمر من بنى تحتية، خاصة أن بعض الأسر في بلدات عدة في الغوطة لم تخرج من ديارها رغم حجم الدمار والنقص الكبير في الغذاء. الانتصار الأخير للجيش في الغوطة سيمنح الدولة السورية جرعة إضافية من القوة، بعد جرعة حلب وحمص والبوكمال؛ فللغوطة أهمية استراتيجية وميدانية؛ تكمن في تأمين المحيط الحيوي للعاصمة دمشق، حيث أصبح هناك حزام كامل من الأمن والاستقرار للعاصمة، ما يمثل عاملا مهما على الصعيد العسكري والمدني، خاصة أن 5 ملايين مدني في دمشق كانوا تحت مقصلة الفصائل المسلحة، التي كانت تمطرهم بالآلاف القذائف والصواريخ. النقطة الأهم من الناحية الاستراتيجية، أن الغوطة كانت دائمًا محطة ارتكاز في الصراع الدائر بسوريا، نظرًا للاستنفار الدولي والإقليمي حول الغوطة، لدرجة أن مجلس الأمن حاول وقف عمليات الجيش السوري فيها تحت ذرائع استخدام الأسلحة الكيماوية، وتمكن الحكومة من السيطرة عليها سيمنحها المزيد من أوراق القوة في المفاوضات المقبلة مع أطراف من المعارضة، وأقرب المحطات ستكون في جنيف وأستانة. بلا شك أن الغوطة رجحت كفة الدولة وحلفائها في حسم المعركة الدولية على سوريا، بين محور روسي سوري إيراني وتركي بدرجة أقل، مقابل محور أمريكي إسرائيلي سعودي قطري، وليست من باب الصدفة بأن الأخبار التي بدأت تتوالى من المحور الأمريكي بهزيمة مشروعهم في سوريا تتزامن مع تحرير الغوطة. ورغم من تضارب الأنباء حول انسحاب أمريكي وشيك من سوريا، أكده الرئيس دونالد ترامب، وعتمت عليه الخارجية الأمريكية، إلا أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وضع النقاط على الحروف؛ حيث قال في مقابلة له مع مجلة "تايم" الأمريكية قبل يومين، بأن "بشار باق في السلطة"، ما يؤكد إقراره بخسارة مشروعه في سوريا، كما أن تمنياته بأن يحافظ الجيش الأمريكي على تواجده في سوريا على المدى المتوسط، تشير بطريقة أو بأخرى أنه لا رغبة للولايات المتحدة البقاء في سوريا، والجدل الأمريكي في بقاء قواتها من عدمه موجود بالفعل داخل أروقة السياسية الأمريكية.