استطاعت الولاياتالمتحدة جمع أطراف الأزمة الخليجية، الذي عجزت الوساطة الكويتية على لم شملهم، ويبدو أن القمة العربية المقبلة في طريقها إلى الفشل في توحيدهم أيضًا، لكن البيت الأبيض وبالتعاون مع الكيان الصهيوني استطاع جمعهم على طاولة واحدة، في محاولة لإنجاز صفقة القرن. واستضاف البيت الأبيض الثلاثاء الماضي، عددا من الدول الخليجية والأوروبية بحضور الكيان الصهيوني؛ لمناقشة أزمة غزة الإنسانية، حيث حضرت مصر، والسعودية، وقطر، والبحرين، وعمان، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وأيرلندا، وإيطاليا، واليابان، وهولندا، والنرويج، والسويد، وسويسرا، وبريطانيا، وقبرص، بالإضافة لمنظمات مثل الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، ومكتب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية إلى الأراضي الفلسطينية، ووكالة التنمية الأمريكية الدولية. ورغم حالات التطبيع العلنية لأطراف الأزمة الخليجية وبعض الدول العربية مع العدو الإسرائيلي في المجالات الاقتصادية والسياسية والإعلامية والسياحية والرياضية، إلا أن مسربي خبر الاجتماع من الجانب الأمريكي، حرصوا على القول بأن صيغة الاجتماع لم تسمح بإجراء محادثات مباشرة بين إسرائيل والدول العربية، والمفارقة، أن الاجتماع، الذي قدمت فيه واشنطن عدة مشروعات لإعادة إعمار القطاع، جاء قبل إعلانها الوشيك عن خطتها للسلام فى الشرق الأوسط والمعروفة باسم "صفقة القرن"، التي تلعب دول عربية دورا كبيرا في تمريرها، مثل السعودية؛ من خلال الضغط على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس؛ للقبول بها. الاجتماع العربي تحت سقف البيت الأبيض، تحت ذريعة بحث الوضع الإنساني في قطاع غزة، يعني بالضرورة قبول الأطراف الحاضرة بقرار أمريكا اعتبار القدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، بل تجاوزوه للبحث عن الوضع الإنساني في غزة، لتبدو الولاياتالمتحدة بعد كل جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، مازالت وسيطًا مقبولًا لدى بعض الأطراف العربية، وتجاهل الضغط على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للعدول عن قراره. ومن جانبها، قاطعت منظمة غوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» الاجتماع، الأمر الذي يؤكد النوايا الخبيثة للاجتماع؛ ففي الوقت الذي يزعم البيت الأبيض أنه يبحث الأزمة الإنسانية داخل القطاع، فإن الأونروا من أعرق المؤسسات الإنسانية المعنية بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي تمارس واشنطن ضغوطًا عليها، لم تكن حاضرة، كما أنها تسعى لتمويل طارئ من خلال مؤتمر روما، الذي سيعقد اليوم، حيث قال المفوض العام للأونروا، بيار كرينبول، إنه ليس لدى الوكالة من الأموال إلا ما يبقي المدارس، حيث يدرس أكثر من 500 ألف طفل فلسطيني، والمستشفيات تعمل حتى مايو المقبل، ولم تنجح حملة كبيرة للحصول على تمويل أطلقتها الوكالة إلا في جمع أموال محدودة. ويتزامن الاجتماع العربي داخل أروقة البيت الأبيض المغلقة، مع أخبار تتحدث عن قرب نضوج طبخة صفقة القرن، فبحسب ما أكّده ثلاثة مسؤولين أمريكيين كبار، نقلت عنهم صحيفة "نيويورك تايمز"، الإثنين الماضي، أن إدارة ترامب حالياً في إطار وضع اللمسات الأخيرة على "الصفقة"، وفيما لم يُعرف بعد عن الموعد الدقيق للإعلان عن خطة ترامب، اعتبر المسؤولون الثلاثة أن التحدي الأكبر الحالي بالنسبة للبيت الأبيض، يكمن في طريقته لتسويقها كي لا تُعلن ميتة. وحول أهداف اجتماع البيت الأبيض، كشفت القنصلية الأمريكية العامة في القدس، عبر بيان، أن جسيون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، قال، خلال الاجتماع، إن «جزءا أساسيا من تحقيق اتفاق سلام شامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك الضفة وغزة، هو حل الوضع فى القطاع»، وأضاف أن «حماس» غير مؤهلة لحكم غزة، وأوضح: "لا أعذار للتقاعس عن العمل، التقاعس لا يؤدى فقط إلى مزيد من المعاناة للفلسطينيين في غزة، بل يخلق المزيد من التحديات الأمنية للإسرائيليين والمصريين". التركيز على أمن مصر وإسرائيل من الخطر الحمساوي، كان واضحًا في الخطاب الأمريكي، حيث قال جرنيبلات إن "الأمر لن يكون سهلا، وكل ما نقوم به يجب أن يتم بطريقة تضمن ألا نضع أمن الإسرائيليين والمصريين فى خطر، وألا نعمل بطريقة تقوى حماس التي تتحمل مسؤولية معاناة غزة"، وتبدو النبرة الأمريكية الجديدة تجاه حماس بأنها تشكل خطرًا على الأمن المصري والإسرائيلي مرتفعة، الأمر الذي قد يرسم ملامح جديدة للمصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح والمضلعة بها مصر بشكل أساسي مع قرب إطلاق موعد لصفقة القرن، خاصة بعد التفجير الذي كان يريد استهداف موكب رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي حمد الله، في قطاع غزة، والذي أحدث شرخًا بين فتح وحماس. وتعليقًا على الاجتماع المبهم، قال البيت الأبيض، إنه استمرارا للاجتماع، الذي عقد الأسبوع الماضي، في العاصمة المصرية القاهرة، ولفت إلى أن نتائج اجتماع واشنطن سيتم نقلها إلى اجتماع سيعقد نهاية مارس الجاري، في العاصمة البلجيكية بروكسل، دون مزيد من التفاصيل، وكان جرينبلات، قال في مقال نشره بصحيفة "واشنطن بوست"، إن لقاء عقد في 8 من الشهر ذاته، بالقاهرة لإيجاد حلول حقيقية لمشاكل غزة، دون أن يشير إلى المشاركين بالاجتماع أو نتائجه.