لا يمكن إنكار حالة الصفو والهدوء التي تعيشها مصر رغم اقتراب أقوي ماراثون انتخابي علي مستوي "الرؤوس الكبيرة"، فلا حس ولا ضجيج ولا صراع ولا معارك ولا مؤتمرات ولا اتهامات ولا توقعات ولا مفاجآت ولا شيء تماماً يوحي بأن في بلادنا السعيدة حدثاً سياسياً هاماً وخطيراً اسمه.. "الانتخابات الرئاسية". لست ميالاً لأنصار المعسكر التعيس الذين اعتادوا حياة الظلمات والسواد فلا يرون الأشياء البيضاء والمُبهجة، وقد تغاضي هؤلاء المرتعشون المُغرضون عمداً عن نعمة راحة البال التي يرفل فيها المصريون مقابل المسئوليات الجسام علي عاتق النظام الحاكم لرفع "صداع" الانتخابات عن كاهل المواطنين، وهو ما يضطر كل مسئول إلي مواصلة الليل بالنهار للانتهاء من تعليق اللافتات وعقد التربيطات وتوجيه التليفزيونات وتوزيع المنشورات علي الموظفين وتوفير الاتوبيسات وجمع الأصوات واستيراد الحبر الفوسفوري وبث صوراً للبسطاء وهم يتراقصون أمام لجان الاقتراع تعبيراً عن فرحتهم بهذا الكرنفال الانتخابي أو ما نُحب دائماً وصفه وتدليله ب"العُرس الديمقراطي". ألا يكفي كل هذا الوقت والجهد من جانب المسئولين كي نحني لهم رؤوسنا وظهورنا محبة وثناء، وليس تقريعهم والتطاول عليهم وتجريحهم واتهامهم بإخراج مسرحية هزلية للانتخابات الرئاسية، والقول بإنها بعيدة تماماً عن الهدف المنشود من وراءها وهو مشاركة الشعب بكامل إرادته وحريته في اختيار الحاكم الذي يثق به ويريده وليس الحاكم الخائف منه والمفروض عليه.. هكذا يدّعي هؤلاء "الأشرار" الذين نسوا غافلين حقيقة راسخة في وجدان كل مصري وهي أن الشعب قد اختار قائده سلفاً، واستفتاه وبايعه وعاهده بالدم، ولا شيء قادر علي تعكير هذا الانسجام بين ثنائية الحاكم والمحكوم، حتي لو كره العابثون وتلاعب الأشرار.. "أي أشرار". سيعود من جديد هؤلاء الحاقدون ليتباكوا ويمزقون الثياب حسرة وحزناً علي المشهد الانتخابي الحالي، وسيلوك بعضهم علي لسانه كلمات مبهمة عما يسمونه حلم الديمقراطية الذي ولي، والمعارضة التي وُأدت في وضح النهار، والسلطة التي توحدت وتركزت في قبضة رجل واحد، وفي النهاية سيختتمون مرثية الكآبة والنواح تلك بأكاذيب عن الوطن الذي صار برداً وسلاماً علي الكبار وأصحاب الحظوة، فيما ينتظر المزيد من الشقاء والبؤس والفقر كل من وثقوا واطمأنوا وظنوا ذات يوم أنهم حقاً.. "نور عنينا". احذر أيها المواطن الشريف ممن يسعون لإفساد حياتك بدعوي إنك إنسان كامل وتستحق حياة أفضل.. تباً لوقاحتهم وهم يسردون متلازمة الاستبداد التي استحكمت حلقاتها، والكلمة الحرة التي صارت محجوبة، والمستقبل المُخيف الذي أثقلته الديون المتراكمة، وسماء الوطن الصافية التي بتنا نعجز عن رؤيتها لهامتنا المحنية في رحلة تأمين الطعام والشراب والدواء.. فهؤلاء اعتادوا تسميم حياتنا بالمنغصات ووضع العراقيل أمام قطار التنمية المنطلق بأقصي طاقته، غير مُدركين أن لا شيء سيوقفه أو يحد من سرعته طالما التزم الشعب بالاصطفاف خلف رئيسه وقائده الذي أقسم وتعهد لنا مرات كثيرة بأن.. "الخير لسه جاي قدام". لنفترض كما يزعم هؤلاء بأن الرئيس والعياذ بالله ترك منصبه المُقدس لآخر جاء عبر انتخابات نزيهة وبإرادة شعبية حرة، فما الذي سنجنيه نحن المواطنون الشرفاء من هذا التداول السلمي للسلطة؟ هل سنصبح "أد الدنيا" كما صرنا الآن؟ هل سننعم يوماً بهذه الأريحية وسط تلك الأمواج المضطربة التي تضرب دول المنطقة؟ ومن سيملك تلك القوة والجسارة لمواجهة هؤلاء الأشرار الحاقدون المتربصون بنا؟ وهل سيتمكن "الرئيس المزعوم" من تمهيد كل هذه الطرق ورصفها في فترة وجيزة؟ هل سيحارب الفاسدين بضراوة لئلا يصلوا لكرسي السلطة؟.. ما شأننا نحن يا سادة بالديمقراطية وحكم الشعب لنفسه والشفافية وسيادة القانون علي الحاكم والمحكوم دون تمييز، فهذه كلها تُرهات أمام راحة البال والطمأنينة والاستلقاء في استرخاء أمام شاشات الفضائيات لمشاهدة الإعلام الوطني المحايد الذي ينقل كل كبيرة وصغيرة بلا تزويق أو تلفيق أو تطبيل. نعم، هو عقل واحد ورأي واحد وقرار واحد ورجل واحد يحكمنا بسلطة مطلقة لا راد لقضائها.. فما الضير في ذلك؟. هو أعلم منا بشئوننا واحتياجاتنا والقادر وحده بين 100 مليون علي التنبؤ بما يصلح لنا وما يُفسد حياتنا، فكيف نخذله ونأتي بآخر غيره؟ ألا يعتبر هذا خيانة ونكراناً للجميل؟.. لا والله لن نخذله أو نخونه بل ستزيدنا هذه الانتخابات تمسكاً بالرئيس حتي لو اضطررنا إلي جمع ملايين التوقيعات لنطالبه وندعوه بأن يستمر ويبقي ويواصل العطاء.. و"يكمل الجميل عشان خاطر مصر". يا سادة.. لا تسمعوا لمن يقدسون الإحباطات والهزائم والمتغافلين عن الانتصارات الكبيرة التي تحققت، ونصيحتي لكم بأن "تسمعوا كلامه هو بس" وألا تعطوا آذانكم لأحد سواه، فلا حاضر ولا مستقبل إلا بوجود الرئيس في المقدمة قائداً وزعيما وموجهاً ونحن من خلفه تابعين مغمضي الأعين، ولا تصدقوا أفلاطون حين قال إن "الجزاء الذي يدفعه العامة لقاء عدم مبالاتهم بالشئون العامة هو أن يحكمهم الأشرار"، فالفيلسوف الحكيم كان وقتها قد طعن في السن وخرف، ولو كان حياً بيننا الآن وتمتع بهذا الهدوء وراحة البال رغم صخب الماراثون الانتخابي الحالي، لردد مثلنا في ذهول وسعادة: "أحلي انتخابات رئاسة دي ولا إيه….؟!".