للمرة الأولى يتوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برسالته السنوية إلى الجمعية الاتحادية في قاعة "مانيج" للعروض وسط العاصمة موسكو وليس في قصر الكرملين كالمعتاد، مستهدفا عرض ما تم إنجازه خلال الفترة المنصرمة بإحصائيات وبيان ولوح لأول مرة باستخدام السلاح النووي في الدفاع عن "الحلفاء". ويرى بوتين أن ما أنجز من ملامح المرحلة المستقبلية لروسيا التي وصفها "بالدولة العظمى" قادر على حماية أمنها القومي ومصالحها في العالم، وقد تعمد بوتين، في خطابه السنوي أمام الجمعية الاتحادية، إظهار أسلحة روسيا الجديدة التي لم يرها العالم من قبل، مؤكدًا أن المجمع الصناعي العسكري الروسي لن يتوقف عند هذا الحد، والسبب وراء ذلك هو التهديد المستمر من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، واقتراب الناتو من الحدود الروسية. وقال بوتين: أخبرنا شركاءنا الأمريكيين والأوروبيين في الناتو أكثر من مرة أننا سنتخذ الخطوات اللازمة لتحييد أي تهديدات تمسنا وتتمثل بنشر الدرع الصاروخية الأمريكية، وأضاف: في العام 2004 قلت إن نمو القدرات العسكرية للدول الأخرى يعني حصول روسيا على أسلحة حديثة، وتابع: رغم كل المشكلات التي واجهناها في الاقتصاد وفي الدفاع والجيش، فإن روسيا بقيت دولة نووية عظمى، لكن أحدًا لم يرغب بالتحدث معنا حينها، أما الآن فاستمعوا إلينا. وكشف الرئيس الروسي عن تطوير روسيا منظومات أسلحة حديثة، ردًا على خروج الولاياتالمتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وأكد بوتين، أن عدم التزام واشنطن بالاتفاقيات الموقعة دفع روسيا إلى تطوير قدراتها العسكرية، مشيرًا إلى امتلاك موسكو أسلحةً جديدة تتفوق على كل الأنظمة الدفاعية الموجودة. ومن جهته أكد وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، أن منظومات الأسلحة الروسية الحديثة التي كشف عنها الرئيس بوتين خلال رسالته السنوية ستساهم في منع انجرار الروس نحو سباق تسلح يفرضه حلف الناتو. بوتين أشار إلى أن العقيدة العسكرية الروسية تنص على حق روسيا في استخدام السلاح النووي ردًا على استخدام أي من أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا أو "حلفائها"، سواء كان متوسطًا أو أيًا كانت قدرة تلك الأسلحة، أو في حال أي عدوان باستخدام الأسلحة التقليدية يمكن أن يهدد وجود الدولة الروسية، والرد سيكون فوريًا مع كل التداعيات الممكنة. وحول هذه النقطة، يرى مراقبون أن الحديث عن قرار في مجلس الأمن ومحاولات اتهام الدولة السورية باستخدام الكيماوي، الذي بدأ في الأسابيع الأخيرة، جعل روسياوسوريا وإيران تشعر بأن هناك نوعا من التهديد المبطن لتدخل أمريكي وقصف لسوريا ولجيشها ولإمكاناتها بذريعة الكيماوي، وذلك لمنع استكمال استعادة الحكومة السورية للغوطة الشرقية، وبالنظر لأن سوريا هي الحليفة الأولى في منطقة الشرق الأوسط لروسيا وحليفتها بالدعم العسكري أيضًا عبر مقاتلات السوخوي، ووجود قواعد عسكرية في سوريا، ورغم أن روسيا قد لا تدخل في صراع نووي مع واشنطن بسبب سوريا، فإن روسيا تدرك أن أي تعرض أمريكي لسوريا هو تعرض للاستراتيجية الروسية في المنطقة، وبعد خطاب بوتين يبدو أن هناك إشارة روسية حصلت سوريا بموجبها على غطاء نووي روسي ضد أي تحرك أمريكي محتمل. من زاوية أخرى، فإنه لا يمكن إغفال باقي حلفاء روسيا في المنطقة كإيران والصين ودول شانغهاي، خاصة أن هناك اتفاقا أمنيا فيما بين روسيا والأخيرة، وقد تضم قائمة تحالفات روسيا في المستقبل صربيا التي أعيد تنشيط الاتصالات معها من أجل إعادة انتزاعها من الهيمنة الغربية الأوروبية والأمريكية. في المقابل أبدت وزارة الدفاع الأمريكية عدم استغرابها من تصريحات الرئيس الروسي، وأكدت أن الولاياتالمتحدة مستعدة للدفاع عن نفسها، وأن على واشنطن التيقن دومًا من سلامة ترسانتها النووية وقدرتها على ردع الخصوم، واتهم البنتاجون روسيا بتعريض دول التحالف الدولي الذي تقوده للخطر في سوريا بسبب أدائها هناك. الخشية الأمريكية والإسرائيلية من تصريحات بوتين تكمن في فشل منظوماتهما العسكرية قبالة المنظومات العسكرية الروسية، فخلال الفترات الماضية لم تردع المنظومات الإسرائيلية المضادة للصواريخ إلا 15% من صواريخ المقاومة في غزة، والصاروخ اليمني الذي سقط في السعودية كان من الصعب إسقاطه رغم أنه قد أطلق عليه 5 صواريخ باتريوت. القنوات التلفزيونية الإسرائيلية أفردت حيزًا واسعًا لمناقشة خطاب بوتين، ورأت أنه في وضعية قوية جدًا، واعتبرت القناة الثانية العبرية أن بوتين وجه كلامه إلى نظيرة الأمريكي دونالد ترامب، وأن بوتين لا يبدو قلقًا ولا يدير حملة انتخابية بل ينظر إلى الأمام، أما القناة العاشرة العبرية فقد وضعت خطاب بوتين في إطار شحذ الهمم قبل الانتخابات معتبرة أن أبرز ما جاء فيه كان الحديث عن الصاروخ البالستي الذي يستطيع الوصول إلى أي مكان في الأرض. رسالة بوتين السنوية تزامنت مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية حيث تحدث فيها عن أولويات الدولة على الصعيد الداخلي تجاه المواطنين وأنه يجب أن يتمتعوا بفرص متساوية في العمل والتأمين الصحي، وأن الدولة ستضع استراتيجية تحقق الرفاهية والحياة الكريمة للجميع "فثروات البلاد كافية لذلك".