بين دبلوماسية التوسل والمظلومية… وامتلاك عوامل القوة لتحقيق الأهداف الوطنية وصنع الانتصار * حتى نجعل من المخاطر فرص حقيقية للنهوض، ومن التحديات طريق إعداد وفعل مقاومة، ومن الحفاظ على عروبة فلسطين هدف لا يعلوه هدف، واعتبار لا يتقدم عليه أي اعتبار، لا بد من إعلاء راية المقاومة والإقلاع نهائياً عن نهج المفاوضات العقيم. * الطريق واضح، ودرب النصر مفتوح على مصراعيه رغم المصاعب والتحديات، وهو مسار نضال شعب في سبيل حريته وتحرر وامتلاك السيادة والكرامة والمكانة اللائقة تحت الشمس التعويل على الأممالمتحدة وما يسمى المجتمع الدولي لتحل محل الشعوب في تحرير أوطانها المغتصبة ونيل حقوقها مضيعة للوقت وهراء في أحسن الأحوال، ولا يسفر إلا عن منح العدو الغاصب الفرصة لتحقيق المزيد من مخططاته ومشاريعه وفرض الأمر الواقع، وهو حقيقة مشهودة وواقع ملموس، فهذا هو الحال القائم اليوم في كل ما يتعلق بقضية فلسطين. كما أن ضرب قوانين الصراع مع العدو الصهيوني وتجاهل طبيعته ومشروعه الاستعماري الاستيطاني، وبالتالي سبل مقاومته، هو رضوخ لإرادة الغاصب، سواء كان ذلك بقصد أو غير قصد. لم تكن المفاوضات يوماً فعل مقاومة للغزاة والمحتلين الغاصبين، ولم يكن التوجه للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحقيق العدل وإعادة الأوطان المغتصبة لأصحابها درب الخلاص والانعتاق من نير الاغتصاب والاحتلال لأي شعب تعرض وطنه لمحنة الاستعمار. ليس في كل ما قدمناه أي جديد، فالغزاة والمستعمرون أنفسهم لا يخفون حقيقتهم، ولا أهدافهم، وتجارب الشعوب المناضلة لتحرير أوطانها دللت على هذا، والثورة الفلسطينية نفسها أكدت على هذه المفاهيم منذ انطلاقتها منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، بل إنها عزت ما تعرضت له قضية فلسطين وما تعرض له الشعب الفلسطيني من نكبات، تتحمل جانباً من المسؤولية عنه الأممالمتحدة ذاتها وتواطئ الدول الاستعمارية الكبرى ومن يدور في فلكهم، ويتبعهم ويرضخ لمشيئتهم، فاعتبرت وعد بلفور وقرار التقسيم وكل المشاريع التي انتقصت من حق الشعب الفلسطيني في كامل وطنه باطلة ومرفوضة، وانسحب هذا على الاعتراف بالكيان الصهيوني. وأكدت طبقاً لإدراكها قوانين الصراع مع الغزاة الغاصبين، وما أسفر عنه الاغتصاب من قيام الكيان الصهيوني وتشريد الشعب الفلسطيني، أنه ما من حل أمام الشعب الفلسطيني سوى امتلاك زمام المبادرة وعوامل القوة وانتهاج خط الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد. لقد عرفت البشرية في تاريخها نموذجان للصراع مع المستعمرين، المقاومة العنيفة، وهو ما اتبعته شعوب عديدة قاومت المستعمر بالثورة المسلحة، والمقاومة اللاعنفية التي تأسست على بعد (فلسفي) لكنها لم تتجاوز مسائل الإستراتيجية والتكتيك في إدارة الصراع، بل أنها أكدت على أن مقاومتها اللاعنفية لا تتجنب الصراع بل تقتحمه بلا هوادة لاستعادة حقوقها وتحقيق أهدافها. والتجارب التاريخية علمتنا أن انتهاج خط معين في الصراع تحكمه طبيعة العدو وبالتالي قوانين الصراع معه فليس من هناك من تجربة يمكن استنساخها بعيداً عن التحليل العميق لخصوصية الصراع وجوهره. في ساحتنا الفلسطينية انبرى فريق فلسطيني متنفذاً ومهيمناً، ويحظى بدعم ومساندة واعتراف وتمويل، بات يتحكم بمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن اختطفها، ووظف مؤسساتها لغير الأهداف التي حملتها منذ تأسيسها، تلك الأهداف التي كرسها الميثاق الوطني الذي جرى تمزيقه. لا يعرف هذا الفريق طريقاً سوى الخروج من الصراع والتوجه للحل السلمي، ولا يعرف نهجاً وخياراً سوى خيار المفاوضات، استهله بالتنازلات عن فلسطين المغتصبة عام 1948، والمساومة على الضفة الغربية التي وضع مصيرها على لائحة ما يسمى قضايا الفترة الانتقالية للوصول للحل النهائي طبقاً لاتفاق أوسلو المشؤوم وما ترتب عليه من التزامات أمنية واقتصادية وما ألحقه بواقع قضيتنا الوطنية من كوارث، وبوحدة شعبنا من التمزيق، وبحقوقه من هدر وضياع. وبعد ربع قرن من الزمن على هذا الاتفاق التفريطي المشؤوم الذي وظفه العدو الصهيوني لفرض الخضوع والاستسلام على شعبنا، وداس على كل قضايا ما يسمى الفترة الانتقالية واحدة تلو الأخرى، فالضفة الغربية بمنطوقه هي (يهودا والسامرة) والقدس عاصمته الأبدية، وعودة اللاجئين إلى أراضيهم وديارهم أمر محال، ومشروع التهويد والاستيطان قائم على قدم وساق، ليكمل بعد ذلك ما يسمى راعي عملية السلام (الإدارة الأميركية) عبر رئيسها الجديد ترامب عملية التصفية النهائية من خلال مشروعه (صفقة القرن)، لقد أدخلت السياسة الأميركية الغاشمة ومشروع العدو الصهيوني، مشروع التهويد والاستيطان والتوغل والإخضاع قضية فلسطين في مرحلة جديدة ويتعرض مصير الشعب الفلسطيني ومجمل قضيته الوطنية وحقوقه لأخطر مراحل التصفية. وبدلاً من الوقوف بوعي ومسؤولية وطنية أمام هذه المخاطر الحقيقية بقي الإصرار من ذات الفريق المتنفذ والمستسلم على ولوج الدرب نفسه والتعويل على الحلول والمفاوضات والتمسك بها وانعدام كل خيار وصولاً لخيار دبلوماسية التوسل والمظلومية وتكرار المقولة الممجوجة في المحافل الدولية، سلطة بدون سلطة، واحتلال بدون تكاليف، وسلطة تعمل عند الاحتلال، وهذا ما أكد عليه في خطابه الأخير في مجلس الأمن مؤكداً الالتزام بأوسلو مستخفاً بكل ما عولت عليه فصائل م.ت.ف في اجتماع مجلسها المركزي مؤخراً حول تعليق (الاعتراف بالعدو) وحول اعتبار الفترة الانتقالية التي نص عليها في اتفاق أوسلو منتهية، إلخ القرارات بما يعني أن هذا الفريق لا يقيم أي وزن أو اعتبار لشركائه في المنظمة، ولا أي استخلاص لمسيرته التسووية متجاهلاً أن هناك تطورات كبيرة ومتغيرات هائلة ذات شأن، تتجلى في محور المقاومة الصاعد، وما يحمله من نموذج يحتذى ودروس تاريخية كبرى تجعل من المخاطر فرص حقيقية للنهوض، ومن التحديات طريق إعداد وفعل مقاومة، ومن الحفاظ على عروبة فلسطين هدف لا يعلوه هدف، واعتبار لا يتقدم عليه أي اعتبار. وعندما نتحدث عن نماذج المقاومة، نستحضر تاريخاً مشرفاً لشعبنا الذي قاوم الغزاة والاحتلال البريطاني في آن، وهو لا يملك الإمكانات العسكرية، لكنه سجل صفحات مشرقة في تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني دفاعاً عن وطنه وأرضه وحقوقه وسيادته وصنع المعجزات، لم يفشل، ولم ينهزم، لكن تكالبت عليه أمم الأرض وحكام عرب خانوه وخانوا نضاله وكفاحه المجيد وتواطؤا مع الأعداء. في هذه المرحلة هناك محور المقاومة بكل أطرافه وما يكتبه من صفحات مجيدة، هناك في اليمن الشقيق الجريح، كل هذا الكبرياء والعنفوان الوطني والصمود والشموخ في مواجهة آلة تحالف عدواني أميركي –عربي صهيوني، يدافع عن اليمن وحريته وسيادته ويرفع الصوت منتصراً لفلسطين وللمقاومة في فلسطين. هناك الصمود الإيراني في وجه الحصار والضغوطات والتهديدات، والصمود السوري كنموذج يحتذى ، ودرس مستفاد، وهناك المقاومة في لبنان الشقيق، بقيادة حزب الله، الذي يسجل كل يوم وفي كل مرحلة وأمام كل حدث وتطور نموذجاً في الردع والصمود والاستعداد للمنازلة. لسنا هنا للتطرق لانجازات حزب الله الهائلة وقدراته المتراكمة، وهو الذي ساهم بشكل أساسي في قوة لبنان حتى بات العدو يحسب ألف حساب قبل أن يرتكب أي مغامرة أو حماقة، ولكن نتوقف عند كيفية تعامل سماحة الإمام السيد حسن نصر الله في ملف النفط والغاز المثار مؤخراً في لبنان بعد تهديد العدو الصهيوني وادعاءه أن البلوك رقم 9 في مياه البحر عائدة له. يقول في خطابه في ذكرى الشهداء الثلاثة مؤخراً للدولة اللبنانية أن علينا أن نتعامل مع هذا الملف من موقع قوة، نحن أقوياء ولسنا ضعفاء، وإذا كان اللبنانيون يعتبرون أنفسهم ضعافاً فهذا أول الوهن ونكون قد خسرنا المعركة، ويستطرد في القول (إذا كنا موحدين وبما نملك من قدرات وطاقات فنحن أقوياء، نفاوض كأقوياء، نتابع الملف كأقوياء، (وإسرائيل) التي تهددكم تستطيعون تهديدها، والأميركي إذا قال لكم يجب أن تتجاوبوا معي كي أرد (إسرائيل) فقولوا له يجب أن تعمل بمطالبنا كي نرد حزب الله عن (إسرائيل)، اليوم يستطيع لبنان وأي لبناني أن يقول إذا أردتم أن تمنعونا سوف نمنعكم، وإذا قصفتمونا سوف نقصفكم، وإذا ضربتونا سوف نضربكم، وهذا ليس مجرد خطابات من الزمن العربي الرديء وليس تهديداً في الهواء). وبعد.. الطريق واضح، ودرب النصر مفتوح على مصراعيه رغم المصاعب والتحديات، ودبلوماسية التوسل والمظلومية ذل وهوان، وامتلاك عوامل القوة لتحقيق الأهداف الوطنية وصنع الانتصار هو مسار نضال شعب في سبيل حريته وتحرره وامتلاك السيادة والكرامة والمكانة اللائقة تحت الشمس. أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة