كلما اعتقد العدو الصهيوني أن بإمكانه قمع الشعب الفلسطيني وإخضاعه وفرض الاستسلام عليه، يحصد الخيبة والفشل والإخفاق، وكلما اقترف من الجرائم والمجازر وزج المناضلين في السجون والمعتقلات حالماً أنه بهذا يخمد صوت الشعب الفلسطيني ويفرض العبودية عليه يجد نفسه أمام حالة من العجز، وأمام إرادة الشعب يخرج من صفوفه مقاومون أشد عزيمة وأقوى إصرارا على منازلته وملاحقة جنوده ومستوطنيه وإلحاق الهزيمة بنظرياته الأمنية. كلما اعتقد العدو الصهيوني وأسياده في الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائه من بعض حكام أقطارنا العربية المندمجين في المشروع الاستعماري الغربي والمشروع الصهيوني، أنهم باتوا أمام جيل فلسطيني جديد (فلسطينيون جدد) يسالمون العدو ويتعايشون مع الاحتلال، وأن يكون بينهم وبين تاريخ شعبهم النضالي جدار لا يتسرب من ثقوبه أي معرفة بالعدو وتاريخه، ولا بمعارك ونضالات آبائهم وأجدادهم، ولا أسماء الشهداء الأبرار الذي صنعوا مجد شعبهم، يجد نفسه أمام جيل جديد يردد مع الشاعر الراحل الكبير إبراهيم طوقان نشيده للوطن (موطني موطني.. الشباب لن يكل، همه أن يستقل أو يبيد، نستقي من الردى، ولن نكون كالعبيد كالعبيد، لا نريد، لا نريد). كلما اعتمد العدو الغاصب على تعاون وتنسيق أمني مع أجهزة أمن سلطة على مدار ربع قرن من عمرها لإخماد المقاومة وملاحقة المناضلين وتهديدهم وإيقافهم في سجون السلطة، يجد نفسه ومخططاته ومشاريعه تتهاوى، فكل ما تستطيع فعله هذه الأجهزة أن تدل على سيارة محترقة تقف على قارعة الطريق، أو على مكالمة جرى التنصت عليها فيتابع أصحابها، أو على مخبر رخيص لديه معلومة عن مكان تواجد مقاوم، وكل هذه المهام تجعل من أجهزة أمن السلطة مجرد مخبرين صغار وعملاء وأتباع، فهم ليسوا مؤهلين بالأساس لمعرفة معنى أمن الوطن والمواطن ولا مفهوم الأمن الوطني وما يتأسس عليه من مهام. عدو صهيوني غاصب مضى على وجوده (70) سنة يملك الجيوش والطائرات والصواريخ والمدفعية وأجهزة أمنية واستخباراتية، شن حروباً، احتل أراضٍ، يجري تزويده على الدوام بأحدث الأسلحة وأكثرها بطشاً وفتكاً، يرتعد اليوم من الشهيد المقعد أبو ثريا الذي تسلق عامود كهرباء ليرفع علم فلسطين، والذي زحف على الأرض رافعاً بيد إشارة النصر وباليد الأخرى حجراً يرشق بها العدو، يجن جنونه من صبية في مقتبل العمر مثل عهد التميمي التي أضحت أيقونة يتردد اسمها في أنحاء العالم وهي ترفع قبضتها في وجه الغزاة وتقول لهم اخرجوا من بلادي، عدو استنفر كل طاقاته وأجهزته لملاحقة الفتى الفلسطيني الباسل والمقاوم الشهيد أحمد جرار، ليتمكن من معرفة مكان وجوده بعدما رصد مخبرين ومندسين وعملاء يعرفهم شعبنا حق المعرفة، فخرج يقاومهم حتى استشهد. هو شهيد ابن شهيد مقاوم مقدام، هيأ نفسه لتكون مقاومة العدو خيار حياته، ورث عن والده بندقية، وأخذ من والدته قميصاً اشترته له ليعود إليها مخضباً بدماء ابنها الزكية، وكل ما يملكه زجاجات ماء وقليل من الطعام ومصحف وبندقية. وعندها يكون السؤال الكبير من الذي انتصر في هذه المواجهة المقاومون أو وزير حرب العدو وقادة جيوشه ورؤساء أجهزته الأمنية بعد 70 عاماً على وجود كيانهم الغاصب. ها هو العدو يتخبط ف أيزنكوت رئيس أركان جيش الاحتلال يجول على المواقع داعياً للتأهب والحذر من تصعيد أعمال المقاومة، خشية إمكانية تقليد هجوم واحد لهجمات مختلفة من عدة أشخاص على حد توصيف العدو. ليس في الأمر تقليد فالمقاوم الشهيد نموذجاً يحتذى، والفعل الكفاحي مدرسة نضالية لشعب ما استكان يوماً، والجيل الجديد من أبناء الشعب الفلسطيني يمتشق الحجر والسكين والبندقية وكل ما يمكن الوقوع بيده لمقاومة الاحتلال. الشعب أقوى إرادة من الغاصب المحتل، نضاله من جيل إلى جيل، وهو أمر لم يفهمه العدو بعد، ولم تستوعبه سلطة لا همَّ لها إلا المفاوضات، جيل لا يعوّل على برامج سلام مزعوم، ولا على قرارات مخادعة لمؤسسات فلسطينية أكل الدهر عليها وشرب، عاجزة ومشلولة، ولن ينتج عنها سوى المزيد من المهانة والإذلال. شعبنا على طريق امتلاك زمام أموره بيده، وعندها يضع الجميع أمام المسؤولية التاريخية وأمام الامتحان الوطني الكبير، ليجيب كل فصيل وكل هيئة ومؤسسة واتحاد عما إذا كان انتماؤه لمؤسسات تؤمن مصالح ضيقة لها، أم لشعب يضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار. ومهما يكن من أمر فالحقيقة الساطعة أن شعب فلسطين شعب حي لن يموت، يواصل كفاحه المجيد بصبر وصمود وأمام مقاومة لن تخمد ولن تتوقف إلا بزوال الكيان الغاصب وهو زائل لا محالة. أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة