* لبنى : القانون الذي يعاقب النساء ب40 جلدة في لبس بنطلون يحكم على مغتصبي الأطفال بشهر سجن * الحكومة مسئولة عن إدخال الأطفال المدارس وليس إدخال النساء الجنة * الدولة التي تلاحق نساء الخرطوم لارتداء البنطلون بعض قبائلها لا تعرف الملابس بسبب الفقر * كيف يمكن لشخص اختيار نائبه في البرلمان ورئيس جمهوريته إذا لم يكن له الحق في اختيار ملابسه؟ * في أقسام شرطة النظام العام التي يتم العثور فيها على جثث متعفنة لا يمكن استبعاد اغتصاب النساء * أسر كاملة هجرت مدنها إلى مناطق أخرى بعد إدانة نسائهم تحت مادة “الأفعال الفاضحة”.. ولم تكن التهمة سوى ملابس حوار- نفيسة الصباغ: لبنى أحمد حسين هي الصحفية السودانية التي أثارت ضجة إعلامية بسبب اتهامها بارتكاب فعل فاضح لمجرد أنها ارتدت “بنطال”. لبنى هي نموذج لآلاف النساء اللاتي يحكم عليهن بالجلد لأسباب عدة سواء الزي أو غيره ويطاردهن لاحقا سوء السمعة، بغض النظر عن سبب الجلد، ومؤخرا طالبت “حملة نشطاء حقوق الإنسان من أجل إلغاء قانون النظام العام السوداني”، بإلغاء القانون الذي يمثل ظلما بينا للمرأة في السودان فقانون النظام العام لسنة 1996 يتعارض مع المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان والدستور الانتقالي لجمهورية السودان 2005 والذي يمنح ي سلطات واسعة للشرطة والقضاء في تقدير نصوص القانون مما يعرض الكثير من المواطنين السودانيين وخاصة النساء للانتهاكات دون الحق في استئناف الإحكام ومحاسبة التجاوزات.وحول قضيتها الشخصية مع القانون تحدثت لبنى ل:البديل” وفيما يلي نص الحوار: - أعلنت أكثر من مرة أن مشكلتك لا علاقة لها بالعقوبة التي تواجهينها لكنها خصومة مع القانون الذي حوكمت وفقا له كيف ذلك؟ المادة 152من القانون الجنائي السوداني غير دستورية بالمرة، فقبل اتفاقية السلام كانت القوانين تتسق مع النظام الذي أتى بها، لكن الأمور اختلفت بعد اتفاق السلام وبعد إقرار دستور جديد للبلاد توافقت عليه غالبية القوى السياسية بما فيها الحزب الحاكم. وهذا الدستور الجديد الذي أحترمه وأوافق عليه هو التشريع الأعلى الذي ينبغي أن يتم تعديل كل القوانين القائمة وفقا له. وهو ما لم يحدث كما أنه لا يتسق مع كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقع عليها السودان. فتلك الاتفاقيات تؤكد كلها على حرية الاختيار، هل يمكن أن يكون للإنسان حرية اختيار ممثليه في البرلمان أو المحليات أو الرئيس إذا لم يكن له الحق في اختيار ملابسه؟ بالطبع لا. المشكلة لا علاقة لها إطلاقا بالجلد لكن القانون بالأساس بسبب عنفه المعنوي والجسدي. فاسم المادة “أفعال فاضحة” تسم أي امرأة تعاقب وفقا لها. ثانيا تلك العقوبة التي تحط من الكرامة الإنسانية وهي لا علاقة لها بالدين بالنسبة للعقاب على الملابس. وقالوا في بعض تبريراتهم إنهم استمدوها من القانون الانجليزي وفي تبريرات أخرى من القانون الهندي، وفي هذا كذبوا. فالقانون الانجليزي كان به مادة تختص بالأفعال الفاضحة لكنها لم تختص بالملابس على الإطلاق. الزج بالملابس في القانون لم يبدأ إلا في بداية التسعينات. - هل يطبق هذا القانون على الجميع مسلمين وغير مسلمين وفي كل مناطق السودان؟ يطبق القانون في مناطق الشمال لكن على الجميع من الجنوبيين والشماليين مسلمين وغير مسلمين، وهنا أود التأكيد على أن القانون لا علاقة له بالإسلام وإلا فليأت أحدهم بنص قرآني أو حديث شريف سواء كان صحيحا أو ضعيفا أو حتى موضوعا ينص على إمكانية المرأة تجلد في بنطال. حينها أنا مستعدة للجلد 40ألف جلدة وليس 40 فقط. الإسلام الذي أعرفه لا يجلد النساء بسبب الملابس. كما أنهم يطبقون القانون أيضا على غير المسلمين، فمجموعة ال13 التي كانت معي كان نصفها تقريبا من غير المسلمين، كان بها 4 مسيحيات من جنوب السودان و2مسيحيات أثيوبيات والفتاة المسيحية النوبية، كما كان من بينهن 3 أقل من 18سنة أي أطفال. لكن يبدو أن شريعتهم تستثني المسيحيات وفقا للدولة التي يأتين منها فإذا كن أمريكيات أو فرنسيات لن يجرؤ أحد على المساس بهن، لكن الأثيوبيات يتم جلدهن لأن سفير دولتهن في السودان لا شأن كبير له. ولم يستثن القانون مسيحيات الجنوب أيضا. وإذا افترضنا جدلا أن القانون له علاقة بالإسلام كما يدعون فما دخل المسيحيات به؟ الأخطر هو أن الدستور الجديد أقر وجود مفوضية حقوق أخطر غير المسلمين وهي الجهة التي كان يفترض بها وفقا لاتفاق السلام أن تهتم بحقوق كل من يدينون بغير الإسلام أو الوثنيين، إلا أن تلك القوانين تطبق على الجميع. - لماذا رفضت العفو الذي عرضه الرئيس السوداني؟ لأن مشكلتي ليست في العقوبة مشكلتي هي كل النساء اللاتي عوقبن وسيعاقبن إذا لم يتم إلغائه هذا القانون المهين، سيستمر جلد النساء جيلا تلو الآخر، في مجتمع لا يتقبل من يحكم عليها وفق قانون يسمى “الأفعال الفاضحة”، فمجرد خروجها من قسم الشرطة يعمل خيال كل شخص وفق ما يراه في تفسير الأفعال الفاضحة التي أتت بها المرأة ولا يصدق أحد أنها كانت مجرد “بنطال”، وأعرف أسرا كثيرة رحلت من مدينة إلى أخرى بعد تعرض إحدى النساء بها للجلد وفق تلك المادة بسبب السمعة السيئة التي تلحق بهم بعد ذلك، فالمجتمع لا يصدق كما أن الشرطة لا تعطي المتهمة ورقة توضح فيها سبب عقابها، وإلا كانت المشكلة أصبحت أقل وطأة. كما أن الصحف التي تنشر أخبار تلك القضايا هي صحف الجريمة التي تكتفي بكتابة أن “س.م” مثلا تم جلدها 40 جلدة بتهمة ارتكاب أفعال فاضحة، فتنتهي سمعتها للأبد. رفضت العفو لأن مشكلتي مع القانون وليس العقوبة كما أن الأولى بالعفو في المجموعة التي قبض عليها معي في نفس القضية كانت تلك الفتاة التي بالت على نفسها قبل المثول أمام القاضي لأنها طفلة (16عاما)، ومسيحية نوبية، كانت هي الأولى مني بالعفو. رفضت العفو لأن ذلك القانون ينبغي أن ينتهي فتلك المادة من المواد التي يتبع الإدانة فيها حرمان من حقوق أخرى مثل الانتخاب والمنافسة على الوظائف العامة فهي من الجرائم التي تمس الشرق والأمانة. - هل صحيح أن د. حسن الترابي هو من وضع هذا القانون ثم عاد ليعارضه؟ بالفعل والجميع يعرف دور الترابي في وجود النظام الحالي كله، ويعرف الجملة الشهيرة التي قالها للبشير حين قال: “اذهب إلى القصر رئيسا، وأذهب إلى السجن حبيسا”، وبالفعل ذهب البشير إلى الرئاسة وقام بالقبض على كل القادة السياسيين والدينيين ومن بينهم الترابي. فالنظام القائم ليس عسكريا فقط، بل جاء بعد انقلاب عسكري مدعوم من الإسلاميين وعلى رأسهم الترابي. وحتى الانفصال بين الترابي والبشير في نهاية التسعينات كان د.حسن هو المسيطر خاصة فيما يتعلق بالقوانين. ما حدث بعد الانفصال هو أن الترابي غير رأيه وهنا لا أعيب عليه فالرجوع إلى الحق فضيلة. لكن أتساءل إذا كان هناك قانون تنصل منه واضعوه ويقولون فيه حاليا ما قال مالك في الخمر فلماذا يستمر النظام في التمسك به؟ وأحمد الله أن النظام الذي قادة الترابي والبشير في بدايته وجاء بدعوى “إعادة صياغة الإنسان السوداني”، لم ينجح في ذلك بل إن الشعب السوداني نفسه هو من تمكن من إعادة صياغة الترابي ونأمل أن يتغير البشير بدوره. - هل القضية قضية حقوق النساء فقط أم قضية حقوق الإنسان بشكل عام في السودان؟ قبل سفري من السودان بدأت قضية رفعها شرطي على عدد من أفراد شرطة النظام العام التي صنعتها حكومة البشير، حول عثوره على جثتين متعفنتين داخل القسم وكان سبب الكشف عنهما هو الرائحة. وقبل الحكم في القضية تم العثور في نفس القسم على جثة ثالثة. حينها فقط تحرك نائب مدير الشرطة في ذلك القسم ليعلن أن الرجل الثالث كان مريضا ثم نقله رجال الشرطة إلى القسم استعدادا لنقله إلى المستشفى لكنه مات في القسم، وكأن “على رؤوسنا قنابير”، لنصدق هذا الادعاء. إذا تم بالفعل تشكيل تلك المفوضية فعلى الأقل ستتمكن من منع ترك الجثث حتى التعفن هذا إذا لم تتمكن من منع القتل في أقسام الشرطة. هناك قوانين كثيرة في السودان لا تتفق مع الدستور وأنا هنا لا أطالب بحقوق جديدة بل أطالب بقوانين تتسق مع الدستور الذي أقره السودان وأقسمت الحكومة على صيانته وحمايته. وهنا يجب التأكيد على انه إذا كان رجال الشرطة يعثرون على جثث متعفنة في أقسام الشرطة فللجميع أن يتخيل ماذا يمكن أن يحدث للنساء، بالتأكيد الاغتصاب ليس أمرا مستبعدا. ولن تشكو واحدة منهن في مجتمع يدين المرأة التي جلدت بسبب ملابسها وتفقد وضعها الاجتماعي وحياتها لن يصدق أحد أنها تعرضت للاغتصاب ولذا يسكت الجميع. - هناك نوعان من الشرطة والقوانين وأيضا في السودان هل يمكن إلقاء الضوء عليهم؟ بالفعل هناك الشرطة العادية والقوانين والمحاكم العادية في السودان والتي كانت موجودة قبل نظام البشير، ومع وصول النظام للحكم جاء بشرطة النظام العام وقانون النظام العام ومحاكم النظام العام. حتى مبانيها وتدريباتها وكوادرها مختلفة عن الشرطة العادية وعن المحاكم العادية. فكثير من رجال الشرطة يرفضون الانضمام لشرطة النظام العام. أما بالنسبة للمحاكم في محاكم يسمونها “إجازية” تقر فقط الاتهام وتحكم بالعقاب وتتكون من شرطي وقاض فقط ولا تكفل للمتهمين حق الدفاع وتستمع فقط لشهود الاتهام. وفيما يتعلق بالقضايا المشابهة لقضيتي يكون الشرطي هو من قبض على المتهمة وهو شاهد الاتهام وهو من يمسك بها للجلد. والحكم الوحيد فيما يتعلق بتحديد ما إذا كانت المرأة ترتدي “ملابس مضايقة للشعور العام” هو ذلك الشرطي نفسه. كنت أجلس في مكان عام به أكثر من 400شخص ولم يضايق مظهرنا أحد سوى شعور الشرطي الذي قبض علينا أما المئات الذين كانوا معنا فلم يشعر أحد منهم بالضيق بسبب ملابسنا. أفراد شرطة النظام العام –التي يرفض كثير من رجال الشرطة الالتحاق بها- هم من يقيمون الشعور العام ويقومون بالتحريات ويمثلون هيئة الاتهام. أما بالنسبة للقانون “المضحك” الذي يسمى بقانون النظام العام فهو يعرف مكان الدعارة على أنه “أي مكان” يجتمع فيه نساء ورجال أو رجال ونساء و”يحتمل” أن يقومون فيه بممارسة الجنس، من هو هذا الشخص الذي لا يمكن أن “يحتمل” أن يمارس الجنس إلا إذا كان “رجل عاجز جنسيا؟” القانون يعتبر أن أي مكان هو بيت “محتمل” للدعارة، ويعاقب على فعل “محتمل”. نفس هذا القانون الغريب يعاقب من يغتصب امرأة أو طفل ب100 جلدة فقط، ومؤخرا هناك قضية شهيرة لمعلم قرآن كريم أدين للأسف الشديد باغتصاب أحد تلاميذه وحكم عليه بالحبس شهر واحد فقط. حتى القانون البريطاني الذي يدعون أنهم استمدوا تلك المادة منه كان يعاقب على الاغتصاب بالسجن 14عاما مع الأشغال الشاقة. - ما العدد التقريبي للنساء اللاتي يعتقلن وفق تلك المادة؟ خلال العشرين عاما الماضية هناك مئات الآلاف يتم القبض عليهم تحت نفس المادة 152 والتهمة هي “الملابس المخالفة للشعور العام”، وقد أعلن مدير عام الشرطة لصحيفة الشرق الأوسط أنه خلال عام 2008 فقط تم اقتياد 34ألف امرأة في ولاية الخرطوم وحدها إلى القسم بتهم تتعلق بالملابس وفي نفس تصريحاته أكد أن النسبة الأكبر من القضايا تمت معالجتها في مكانها، وللجميع أن يتخيل العدد الفعلي الذي جلد بسبب الملابس في السودان منذ إقرار هذا القانون. وللجميع أيضا تخيل نوعية المعالجات التي يمكن أن تحدث فإما الاتصال بشخص هام أو مسؤول أو “فتح الشنطة”. - مع تنوع الثقافات والعادات في مختلف مناطق السودان ما حجم صعوبات تطبيق مثل هذا القانون؟ يكفي أن نقول أن السودان لم يعرف الملابس حتى عهد الاستعمار لندرك صعوبة تطبيق تلك المادة وعبثيتها، فحتى 1930 كانت الفتيات غير المتزوجات في قطاع واسع من السودان ترتدين “الرحط” وهو عبارة عن سيور من الجلد تحيط بالخصر فقط. أما المتزوجات فكن يرتدين “القورباب” وهو قماش يوضع على الخاصرة وتغطي قطعة منه الصدر. وقبل هذا التاريخ كان القماش يستخدم كنوع من العملة في التبادل التجاري. وفي الربع الأول من القرن التاسع عشر بدأ مشروع “الجزيرة” لصناعة القطن ثم بدأت الملابس في الانتشار. وحتى يومنا هذا ليس من الغريب أو المثير للدهشة رؤية امرأة أو رجل عراة كما ولدتهم أمهاتهم، على بعد أمتار من المناطق الغنية بالنفط. وهم لا يفعلون ذلك باعتباره أحد حقوق الإنسان ولا شيء من هذا القبيل فإذا تحدثت من هؤلاء عن “حقوق الإنسان” سيعتبرونها نوعا من الصابون. السبب وراء عري هؤلاء هو الجهل والفقر. كذلك في شرق السودان حتى يومنا هذا هناك قبائل فقيرة ترتدي النساء في ثقافتها نقابا لا يكاد يظهر سوى سواد العين وتكشف عن صدرها وبطنها. هل كان واجب الدولة في بلد كهذا أن تلاحق من يرتدين البنطال أم تستثمر جهودها في توعية تلك القبائل وكسوتها وتنمية مجتمعاتها؟ - في النهاية ماذا تقولين للحكومة السودانية؟ في النهاية أود أن أبعث برسالة للنظام السوداني مفادها أن الدولة ليست مسؤوليتها ملابس النساء وإذا قررتم التمسك بتلك المسؤولية فكما أن لديكم وزيرا للزراعة والصناعة والدفاع عليكم تعيين وزير خياطة وتفصيل ليهتم بتلك الأمور. الدولة مسؤوليتها إدخال الأطفال المدارس وليس إدخال النساء الجنة. مواضيع ذات صلة 1. الصحفية السودانية رفيدة ياسين تحقق: قضية تسلل 50 ألف لاجئ سوداني إلى إسرائيل 2. البديل تحاور الإمام المصري الذي خطفته المخابرات الأمريكية..بعد القبض عليه في مظاهرات التوريث 3. الحركة الشعبية : سياسة حكومة الخرطوم ستؤدي إلى انهيار الدولة السودانية 4. رويترز: السودان ينفي ما ورد في ويكيليكس عن أموال البشير .. وأوكامبو يؤكد : هرب 9 مليارات دولار 5. باقان أموم ل”الأخبار السودانية”: التخويف من إسرائيل بعد انفصال الجنوب “دعاية رخيصة لابتزاز مصر”