رغم وصف بعض المراقبين لمؤتمر الحوار السوري الذي جرى في منتجع سوتشي الروسي قبل يومين، بأنه لم يكن على قدر كبير من الأهمية، إلا أن من شأنه التأسيس لمجموعة من المعطيات، يمكن التعويل عليها في إيجاد حلول سلمية وسياسية للأزمة السورية. المؤتمر يعد اللبنة الحوارية الأولى بين شخصيات تمثل الحكومة السورية وأخرى تمثل المعارضة، حيث حضر الاجتماع أكثر من 1600 شخصية سورية، ومن المعروف أن التفاوض المباشر بين أطراف سورية تمثل الحكومة وأخرى تمثل المعارضة لم يبدأ بعد، بما في ذلك حول السلال الأربعة المختلفة التي تضمنتها مخرجات جنيف، والدفعة التي أتت من سوتشي، وظيفتها الوصول إلى التفاوض المباشرة لمناقشة كافة النقاط الخلافية بين النظام والمعارضة. وما نتج فعليًا عن المؤتمر، ما جاء في البيان الختامي الذي أقر النقاط ال12 لورقة المبعوث الأممي لسوريا، ستيفان دي ميستورا، والتي تتضمن المبادئ العامة الأساسية حول سوريا المستقبل، ورقة دي ميستورا المكونة من مجموعة أفكار عامة كانت معلقة منذ عام 2016 دون أن تحصل على توافق كامل من جهة الأطراف السورية، لكن الآن هناك موافقة عليها من قبل الحكومة السورية وجزء من المعارضة التي كان موجودة في سوتشي، بمعنى أن الورقة أنجزت بوصفها أول تفاهم على طريق الحل السياسي، والمسألة مهمة جدًا؛ لأن كل جولات جنيف حتى الآن لم تخرج بأي اتفاق. وأكدت مسودة البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، ضرورة أن تكون سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية قائمة على المواطنة المتساوية، مشددة على استقلال وحدتها شعبا وأرضا، واتفق المشاركون في المؤتمر، حسب نص الوثيقة، على التسوية السياسية للأزمة السورية بالاعتماد على 12 مبدأ، بينها "الاحترام والالتزام الكامل بسيادة دولة سوريا، واستقلالها، وسلامتها الإقليمية، ووحدتها أرضا وشعبا"، دون تنازل عن أي جزء من الأراضي السورية، بما فيها الجولان المحتل، والالتزام الكامل بالسيادة الوطنية للدولة السورية وعدم التدخل في شؤونها. ونصت الوثيقة على ضرورة أن "يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع، ويكون له الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي ضغط أو تدخل خارجي"، وشدد البيان على "بناء جيش وطني قوي موحد يقوم على الكفاءة ويمارس واجبته وفقا للدستور والمعايير الأعلى"، موضحا أن مهمته تتمثل في حماية الحدود الوطنية والسكان من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب. كما نصت الوثيقة على "بناء مؤسسات أمنية ومخابرات تحفظ الأمن الوطني وتخضع لسيادة القانون وتعمل وفقا للدستور والقانون وتحترم حقوق الإنسان"، واتفق المشاركون في المؤتمر على تشكيل لجنة دستورية من ممثلي الحكومة والمعارضة لإصلاح الدستور وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، بما يقود إلى النتيجة الثانية المهمة لمؤتمر سوتشي والمتعلقة بالجنة الدستورية، التي ليست لصياغة دستور جديد، بل لمناقشته، وستضم أطرافا من النظام والمعارضة، بما يسمح عمليًا بدفع عملية نقاش الدستور، ولا تأخذ اللجنة شكلا مشتركًا، فالعمل حتى الآن، هو من جهة المبعوث الدولي مع كل الأفرقاء السوريين على حدة، وخلال أيام ستبدأ لجنة من 150 شخصية سورية للمرة الأولى على هذا النطاق اجتماعًا لتنسيق رؤية سياسية مشتركة في نقاش دستور 2012. ولجنة الإصلاح الدستوري ستعمل بالمقام الأول على تعديل دستور أو إقرار مسودة دستور جديدة، بمعنى أن السقف سيكون مفتوح في العملية تدرجًا من التعديل وصولًا إلى إقرار دستور جديد، وهنا يرى مراقبون بأن الدبلوماسية الروسية والسورية، تمكنت في ختام مؤتمر سوتشي من الحفاظ على دور دمشق في مقاربة الملفات الداخلية الشائكة، خاصة ما يتعلق منها بالدستور، بعدما نجحت موسكوودمشق من انتزاع الوصاية الأممية على تعديل الدستور التي حاول دي ميستورا ووثيقة واشنطن تكريسها. من جهته، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن موسكو تأمل أن تساعد مقررات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، المبعوث الأممي لسوريا في تفعيل عملية جنيف، وكانت موسكو قد أعلنت في وقت سابق بأن سوتشي لن تكون بديلًا عن جنيف، وبالتالي توصياته ستكون بمثاية المسار الذي يحدد طريق مفاوضات جنيف. وحول غياب بعض أطراف المعارضة السورية عن اجتماع سوتشي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خلال مؤتمر صحفي "نحن نأسف لموقف المعارضين السوريين الذين قرروا لأسباب مختلفة وقبل كل شيء بسبب ضغوط القوى الخارجية، الامتناع عن المشاركة في المؤتمر". وكان أحمد طعمة، رئيس وفد المعارضة السورية، قال إن الوفد المعارض قاطع مؤتمر السلام السوري الذي ترعاه روسيا في منتجع سوتشي الثلاثاء الماضي؛ بسبب عدم تحقيق موسكو وعودا قطعتها فيما يتعلق بإنهاء قصف المدنيين وإزالة أعلام النظام السوري من لافتات المؤتمر وشعاره. وفي المقابل، قال وزير الخارجية الروسي: "مجموعة من المعارضين المتمركزين في إسطنبول وصلوا إلى سوتشي، لكن لأسباب لا علاقة لها بالتسوية، وأستطيع أن أقول أسباب مصطنعة، رفضت المشاركة في المؤتمر وعادت إلى إسطنبول".