أجواء سياسية متوترة تخيم على الأراضي الفلسطينية منذ إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وهو القرار الذي جاء، فيما يبدو، ليكشف النقاب ويزيح الأقنعة عن الوجوه الحقيقية لبعض القيادات السياسية الفلسطينية وحقيقة انتماءاتهم السياسية، الأمر الذي دفع بملف المصالحة إلى حافة الهاوية بعد أن تضاعفت الملاسنات والاتهامات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس. ملاسنات جديدة بدأت الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد لله، أمس الثلاثاء، فصلًا جديدًا من فصول التوتر مع حركة حماس، وذلك بعدما اتهمتها الحكومة بسرقة أموال الشعب ومضاعفة معاناته، وقالت في بيان صادر عن مجلس الوزراء، إنه "في الوقت الذي تتحمّل فيه إسرائيل المسؤولية عن معاناة شعبنا في قطاع غزة نتيجة حصارها الظالم للعام الحادي عشر على التوالي، فإن من حق شعبنا أن يعلم أن حركة حماس ما زالت تمارس فرض الإتاوات تحت مسميات مختلفة من الرسوم والضرائب لصالح خزينتها، وتثقل على كاهل المواطنين". وأضافت الحكومة: حماس لا تزال تستحوذ على كافة إيرادات قطاع غزة، وترفض تحويلها للخزينة العامة، وترفض في الوقت نفسه تمكين الحكومة من تحصيل الضرائب والرسوم، والذي كان مقررًا البدء به في العاشر من الشهر الجاري، في الوقت الذي تطالب فيه الحكومة بدفع رواتب من قامت بتعيينهم بعد انقلابها كشرط لتمكين الحكومة من الجباية، كما أنها ترفض تمكين الحكومة من أداء مهامها تمكينًا شاملاً في كافة المجالات كما في الضفة الغربية، إلّا أن الحكومة واصلت أداء مهامها بكل مسؤولية وطنية، فما زالت تتحمل إنفاق حوالي 100 مليون دولار شهريًاً على قطاع غزة، حيث أعادت 50 ميجا وات من الكهرباء المغذية لقطاع غزة، وما زالت تتحمّل كافة تكاليف الخدمات الصحية بما يشمل الأدوية والأطعمة والمستلزمات الطبية وتحمّل فاتورة الوقود المتعلقة بالمستشفيات والمراكز الصحية. في ذات الإطار، استنكرت حكومة الوفاق الوطني، ما أسمته "الأكاذيب والافتراءات" التي تروجها حركة حماس تجاه الحكومة، واستخدامها لكلمة "العقوبات"، في إشارة إلى تصويب الأوضاع التي قامت بها الحكومة في قطاع غزة "بهدف تشويه الحقائق وتضليل المواطنين وحرف الأنظار عن التعطيل المتعمد الذي يستهدف عمل الحكومة واستكمال عملية المصالحة، كما تهدف إلى مواصلة ابتزاز الحكومة وسرقة أموال الشعب الفلسطيني، غير آبهة بمعاناة أهلنا في قطاع غزة". حماس تطالب بحل الحكومة رد حركة حماس جاء سريعًا وصادمًا، حيث طالبت بحل الحكومة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، لممارسة مهامها تجاه قطاع غزة والضفة الغربية، وقالت الحركة في بيان لها: ما ورد في بيان حكومة الحمد الله من مواقف ومصطلحات توتيرية غير مسؤولة، تهدف إلى التضليل وتسميم الأجواء وقلب الحقائق والعودة بملف المصالحة إلى مربع الصفر للتغطية على فشلها في القيام بمهامها وواجباتها تجاه أبناء قطاع غزة، وأضافت "مواقف الحكومة الفلسطينية تؤكد صواب موقف حماس من ضرورة رحيل هذه الحكومة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تلبي طموحات الشعب الفلسطيني وتواجه متطلبات المرحلة". وتابعت حماس في بيانها، أن "المطلوب من الحكومة القيام بواجباتها وتحمل مسؤولياتها كاملة تجاه الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة على حد سواء، وإنهاء العقوبات المفروضة على القطاع"، وأكدت الحركة أنها قدمت كل ما يلزم من استحقاقات المصالحة ومتطلباتها وتعاطت بإيجابية عالية ومسؤولية وطنية لتحقيق هذا الهدف، داعيةً للالتفات لمصالح الشعب الفلسطيني في ظل الظروف التي يعيشها. انهيار الثقة الملاسنات الأخيرة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس توحي بانهيار ملف المصالحة الفلسطينية وعودة الاتفاق الذي تم توقيعه بين حركتي فتح وحماس في أكتوبر الماضي إلى نقطة الصفر، فمنذ توقيع الحركتين على اتفاق المصالحة في القاهرة برعاية مصرية، لم تقدم أي منهما أي خطوة جدية على طريق إتمام هذا الاتفاق، إذ ظلت حركة فتح تطالب بنزع سلاح حماس الذي تعتبره الأخيرة مسألة غير قابلة للنقاش ولا يمكن بأي حال من الأحوال وضعها على طاولة المفاوضات، فيما اتهمت حماس مرارًا حركة فتح بعدم الاضطلاع بمسؤولياتها في قطاع غزة، كما اتهمت السلطة الفلسطينية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني من وراء الستار والخروج بمواقف مترهلة خاصة بعد الإجراءات الإسرائيلية التصعيدية في العديد من الملفات وعلى رأسها الاستيطان والأسرى وتهويد الأراضي الفلسطينية. ظهرت أجواء انهيار الثقة بين الطرفين جلية قبل أيام من انعقاد اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي انعقد في رام الله في الفترة ما بين 14-15 يناير الجاري، فقد وجهت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ضربةً للاجتماع بإعلانهما مقاطعته، وبررت "حماس" هذه الخطوة بأن الظروف التي ينعقد فيها الاجتماع لن تمكنها من القيام بمراجعة سياسية شاملة ومسؤولة، مشترطة أن ينعقد الاجتماع خارج الأراضي المحتلة لتتمكن كل القوى والفصائل الفلسطينية من المشاركة، وأن يسبق الاجتماع المركزي اجتماع تحضيري تُناقش فيه القضايا التي سيتطرق لها الاجتماع المركزي. عقب انتهاء الاجتماع الذي تخللته كلمة للرئيس محمود عباس، انتقدت حركة حماس كلمة عباس، التي جاءت دون مستوى الأحداث، وقال الناطق باسم حركة حماس، فوزي برهوم، إن خطاب عباس "لا يلبي طموحات شعبنا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه وانتهاكاته المتواصلة وقرارات ترامب الخطيرة، ولا يرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجه قضيتنا"، فيما أكدت أن الاختبار الحقيقي لما صدر عن المجلس المركزي من قرارات هو الالتزام بتنفيذها فعليًا على الأرض ووضع الآليات اللازمة لذلك.