من الملاحظ أنه كلما احتدم موضوع القدس في التحركات الأمريكية لاستئناف المفاوضات بين سلطة أوسلو وحكومة نتنياهو سابقا، أو يشتعل الصراع الفلسطيني الصهيوني عليها كما هو الحال عليه الآن، يطل علينا يوسف زيدان برأسه وبآرائه التي تصب لصالح الموقف الصهيوني باعتبار القدس عاصمة أبدية لكيانه في فلسطين، مع التشكيك بقدسيتها وعائديتها للفلسطينيين والعرب والمسلمين. ما هو دافع يوسف زيدان إلى ذلك ولماذا؟ في تسريب صوتي لحوار جرى بين زيدان والسيسي قبل فترة حول المسجد الأقصى ومضمون هذا الحوار أنه لابد من إنهاء هذا الصراع من خلال تجفيف المطالب الفلسطينية والعربية بالقدس والأراضي المحتلة، وبلسانه اعترف يوسف زيدان قبل أكثر من عامين بأنه يتولى الحفر تحت جدران التاريخ وخصوصاً تاريخ الصراع العربي الصهيوني بناءً على اتفاق مع عبد الفتاح السيسي وخدمة لمشروع تعميم التطبيع مع العدو الصهيوني، ولأن جوهر الصراع هو القدس والمسجد الأقصى فإن إنكار وجود هذا المسجد في فلسطين والتشكيك بقدسيته، كما قال زيدان نفسه، يقودنا إلى السلام، أي السلام بين اللصوص والضحايا وعلى حسابهم، معلنا عن نفسه مقاول هدم الحقائق التاريخية والجغرافية، وتدمير ثوابت عقيدية وروحية. وحول تحقير زيدان للقائد صلاح الدين جاء في التسريب الصوتي أنه قال للسيسي أن المشكلة هي العقبات التي تحول دون التطبيع الكامل وأن الحل هو التشكيك في معتقدات الناس الراسخة، وجاء في التسريب الصوتي له مع السيسي أنه اتضح "ان إحنا إتلعب بينا وباليهود وأنا ما أقدرش أقول للناس كده فجأة عندنا سنة كاملة فيها أربع وعشرين محاضرة عشان أمشي وحدة وحدة مع الناس". إذن هو يعتبر العرب والصهاينة الأوربيين الخزر فريقا واحدا أو عائلة واحدة وتدخل بينهم الغرباء وتلاعبوا بهم للإيقاع بينهم؟! وبعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لكيان العدو أعاد يوسف زيدان تكرار ترهاته حول القدس في طبعة جديدة منخرطاً في الحملة الأمريكية الصهيونية لتأكيد يهودية القدس ونزع قدسيتها الإسلامية، التي تلهب مشاعر المسلمين في العالم وتؤجج نضال الفلسطينيين ضد العدو. من تلك الترهات أن أكثر من ثلثي الصهاينة في فلسطينالمحتلة هم ملحدون، ولا يناقض هذا فقط واقع أن مجتمع المستوطنين في فلسطينالمحتلة متجه للتطرف الديني الفاشي كما يقول سياسيون وصحافيين منهم، بل وأيضاً أن زيدان يناقض نفسه حين يستطرد أن فكرة المخلص أو "المسايا" أساسية لديهم ومازالت مسيطرة عليهم، هنا نسأل هذا الزيدان ألم تأتِ فكرة المسيح المخلص من التوراة؟، وكيف تسيطر عليهم وهم في أكثريتهم ملحدون؟! إلا إذا كان إلحادهم من طبيعة خاصة تبيح لهم الإلحاد والإيمان بخرافات وترهات ما أنزل الله بها من سلطان في الوقت نفسه! ومن ترهاته أيضا، أو جهله المقصود، قوله بأن الهاجاناه تشكلت لمحاربة الإنكليز في فلسطين؟!، هنا يحاول هذا الزيدان الإيحاء بأن صهاينة عصابات الهاجاناه هم من أبناء فلسطين وأنهم أصحاب حق بها! ولم يأتوا من أوربا مع الإحتلال البريطاني لها لتنفيذ وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود الأوربيين للخلاص منهم في فلسطين، كما يحاول نسف حقيقة ان الهاجاناه هذه لم تتشكل إلا برعاية ودعم وتسليح الإحتلال البريطاني لها، وأن هذه العصابات ارتكبت المذابح بحق الشعب الفلسطيني. ومن ترهاته أنه يعتبر أن مقاومة الفلسطينيين ليست رد فعل طبيعي ومشروع على احتلال وطنهم وتشريدهم ، بل نتيجة ثقافة الكراهية التي ينشرها المتطرفون والمنحرفون من العرب والعبرانيين!. وهنا نسأل هذا الزيدان، الذي يعتبر نفسه مثقفاً موسوعيا، هل قرأ كتاب البريطاني اليهودي من أصل مجري آرثر كوستلر الذي أكد بان الصهاينة في فلسطينالمحتلة لا علاقة لهم بالعبرانيين القدامى وبالتالي لاعلاقة لهم بفلسطين، وهل قرأ كتاب اليهودي من أصل ألماني شلومو ساند الذي نسف مقولة الأصل الواحد لليهود في العالم في كتابه "اختلاق شعب إسرائيل". ثم هل رأيت أيها الزيدان شعباً محتل وطنه ومغتَصَبة حقوقه يُحِب مستعمر وطنه ومُغتصِب حقوقه، وإلّا عليك أيها الفطحل أن تدلنا على هذا الشعب البلا كرامة والبلا شرف. ومن الطبيعي امام كل هذه الترهات التي أدلى بها يوسف زيدان أن يكون الصهاينة أول المرحبين والسعداء بها، وهذا ما تضمنه بيان السفارة الإسرائيلية في القاهرة شكرته فيه، وقالت على صفحتها الرسمية: "أسعدنا سماع أقوال الكاتب والمؤرخ يوسف زيدان …." وأضافت: "ولا شك أن الرسالة التي يحملها تفسير الكاتب زيدان بضرورة نبذ ثقافة الكراهية بين الطرفين، هي رسالة مهمة في نظرنا ..". وفِي ضوء مواقفه ودوره في الترويج للاستسلام ليس من الغريب والمدهش أن يرى هذا الزيدان في شكر سفارة العدو له " إشارة وإبداء النية للسير في طريق السلام "؟! فعن أي سلام يتحدث زيدان، سلام بلا القدس؟! أم سلام يهودية الكيان الصهيوني؟! أم سلام الاحتفاظ بالمستوطنات التي ابتلعت أكثر من نصف الضفة؟! أم عن سلام رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين؟! أم سلام الهيمنة الصهيونية على المنطقة؟! فهل هذا سلام أم استسلام يا زيدان؟. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو ما أكده زيدان في معرض دفاعه عن توجهاته الانهزامية حول صحة التسريب الصوتي بينه وبين السيسي حين قال في بيان الدفاع عن نفسه بأن "هذا البيان مرفوع للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي قال ناطقاً باسم مصر، نحن نريد السلام في المنطقة ونريد البناء لا الهدم"!. هنا صدق يوسف زيدان ومَن يحركه ويحميه ويقدم له المنابر كي يروج لثقافة الإستسلام في المنطقة، فهو وهؤلاء صادقون في دعم البناء الذي يقوم عليه كيان العدوان والاغتصاب في فلسطين من خرافات وترهات، وبالتالي هدم حقائق ووقائع تقلع عيون كل مشكك ومستسلم بأن الصهاينة غزاة ضمن الهجمة الغربية الاستعمارية للمنطقة وأن فلسطين عربية بدلالة النضال والمقاومة الفلسطينية المستمرة منذ مئة عام، والتي ستستمر مئة عام أخرى إلى أن يحرر هذا الشعب وطنه ويستعيد حقوقه، ولن يكون مصير الخونة والانهزاميين والمستسلمين إلا في مزبلة التاريخ.