كتب : سايمون هندرسون التفوق الظاهري للبحرين على أقرانها من الدول الخليجية التي تهرول في اتجاه تطبيع علاقاتها مع إسرائيل لا يأتي بطبيعة الحال من حجم تأثير المنامة في السياسة الإقليمية، ناهيك عن كونه تفوق ظاهري، ولكن لاستمراء واعتماد العواصم الخليجية الأخرى وبالتحديد الرياضوأبوظبي استخدام المنامة كبالون اختبار لتطوير وإعلان العلاقات مع تل أبيب على مختلف المستويات في الداخل والخارج. هنا لا تقف الأطروحة السابقة عند المناسبات أو الأحداث والفعاليات التي أضلع مسئولو المنامة في مختلف المحافل على التقارب مع تل أبيب حتى في توقيت حساس على مستوى الداخل البحريني، الذي يرزح منذ أكثر من 7 سنوات تحت وطأة القمع الأمني التعسفي والظالم بحق مئات الآلاف من مواطني البحرين، تنوعت مفاعليها بين الاحتجاز الغير قانوني إلى الإعدامات الميدانية وهدم المنازل، لتتقارب الصورة بين كل من النظام البحريني وكيان الاحتلال في تعاملهم مع الحقوق الشرعية لكل من الشعبين الفلسطيني والبحريني، وبنفس الإجراءات تقريباً. وعلى مستوى إقليمي ودولي متعلق بردات فعل حول قرار ترامب باعتماد القدس عاصمة للكيان الصهيوني. وتتأرجح دوافع البحرين ودورها الوظيفي في تمييع التطبيع على مستوى رسمي وشعبي وسط شعوب الخليج، مروراً بدوافع إسرائيل المرحبة بالتقارب، واستقبالها بحفاوة لوفد بحريني أوائل الشهر الجاري في عز أزمة القدس الأخيرة، وصولاً إلى استخدام كل من أبو ظبي والرياض للمنامة في رسم واختبار محددات وسقف العلاقات مع إسرائيل وتجذير هذا على مستويات شعبية، لتلافي الانتقاد الإسرائيلي بعدم أهمية إعلان علاقات رسمية مع بقاء عداوة راسخة في الأوساط الشعبية، تأثراً بتجربة معاهدات السلام مع مصر والأردن ومساراتها اللاحقة التي لم تؤمن ما تريده تل أبيب من اندماج طبيعي في المنطقة يؤمن لها مستقبل متوازن، واعتبار ما تقدم عليه المنامة بوابة –وإن كانت محدودة وصغيرة- لمثل هذه علاقات. في هذا السياق وتفنيداً له، يرصد الباحث والمحلل السياسي المتخصص في شئون المنطقة ودول الخليج، مدير برامج الطاقة وسياسات الخليج في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، مجريات الفعاليات التطبيعية بين المنامة وتل أبيب في السنوات الماضية، رابطاً إياها بالمناخ العام الراهن في الخليج والمهرول نحو التطبيع مع إسرائيل، ومدى تفاعل أروقة السياسة واتخاذ القرار في تل أبيب مع مثل هكذا خطوات يعتبرها البعض هناك تأسيساً جديداً لبقاء واندماج إسرائيل في المنطقة بضمان كل من السعودية والإمارات. وفيما يلي نص مقال هندرسون المنشور في صحيفة فورين بوليسي الأميركية: يبدو أن البحرين سبقت على السعودية والإمارات في تأسيس علاقات رسمية مع إسرائيل. ففي 9 ديسمبر الماضي وصل إلى إسرائيل وفد مؤلف من 23 شخصاً من هذه المملكة الخليجية الصغيرة في زيارة دامت أربعة أيام وشملت القدس أيضاً. وهذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها هذا الوفد من جمعية "هذه هي البحرين" إلى إسرائيل بغية التفاخر بالتسامح الذي تدعيه البحرين تجاه كافة الأديان، والغاية منها دعم التزام الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتعزيز الحرية الدينية والتعايش في جميع أنحاء العالم، رغم أنه لا يبدو أن الوفد يتمتع بصفة رسمية. وبالرغم من غياب علاقات رسمية بين البحرين وإسرائيل، يبدو أن الملك حمد مقتنع بالتمييز بين التواصل الديني والاتصالات الدبلوماسية المفتوحة، وهو تمييز مشكوك فيه مع أنه ربما مثير للإعجاب في سياق الشرق الأوسط. ولعل القراء الذين يتابعون الأخبار الدولية لاحظوا أن موعد زيارة الوفد إلى القدس صادف في أسبوع حافل. فاعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل في 6 ديسمبر أثار موجةً من السخط الرسمي في العالم العربي، بينما صرحت وزارة الخارجية البحرينية بأن هذا القرار "يهدد عملية السلام في الشرق الأوسط ويعيق كافة المبادرات والمفاوضات للتوصل إلى الحل النهائي المأمول". وحتى إذا افترضنا أن الاستخدام غير الموفق للعبارة غير المشجعة "الحل النهائي" كان خطأ غير مقصود، فإن ذلك يوحي بأن وزارة الخارجية لم تكن على علم بالأمر، مع أن مصادر داخلية كشفت أن الملك حمد نفسه منح الإذن لهذه الزيارة. ومع ذلك، تأتي هذه الزيارة أيضاً في وقت تعمل فيه الدول الخليجية على تعزيز علاقاتها الأمنية والاستخبارية مع إسرائيل بسبب المصلحة المشتركة في التصدي لما تعتبره تلك الدول تهديداً إيرانياً. والواقع أن رد فعل الرياضوأبوظبي على زيارة الوفد يستحق المراقبة لمعرفة ما إذا كانت البحرين تسير في طليعة العملية أم أنها مجرد تحاول تخطي قدراتها. وقد أقدم السعوديون والإماراتيون علناً أيضاً على الانفتاح على الإسرائيليين خلال السنوات الأخيرة، وإن كان ذلك مبدئياً إلى حد كبير. فالسعودية جعلت أي علاقة مفتوحة مع إسرائيل مشروطةً باتفاقية سلام مع الفلسطينيين. ولكن مرونتها بهذا الشأن تنمو بشكل كبير، فيصبح رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل صفةً جديدة لنفسه بعد تقاعده حيث أصبح المتحاور العلني مع المسئولين الإسرائيليين السابقين، وهذه هواية تحتاج إلى موافقة من الرياض. وقد أفادت بعض التقارير أيضاً – بشكل مؤذ بالتأكيد وربما على نحو غير صحيح – أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد زار إسرائيل، مع أن تغير الزمن والأوضاع يدل على أنه لا يمكن دحض هذه الفكرة باعتبارها منافية للمنطق. أما الإمارات فتستضيف من جهتها بعثةً دبلوماسيةً إسرائيليةً معتمَدة لدى "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة" التي مقرها في أبوظبي. ولكن إذا كان المسئولون الإماراتيون قد زاروا إسرائيل، فقد قاموا بذلك سراً. وقد سلطت الأضواء على زيارة الوفد البحريني في9ديسمبر حين التقطت عدسة محطة "القناة الثانية" في التلفزيون الإسرائيلي أفراد وفد "هذه هي البحرين" عندما كانوا يتجولون بين المحلات التجارية في الحي المسيحي من البلدة القديمة الذي يعتبر جزءاً من القدسالشرقية. وكان الوفد يتجول بقيادة رئيسة الجمعية بتيسي ماثيسون الاسكتلندية الأصل التي أصبحت حالياً مواطنة بحرينية. أما أفراد الوفد الآخرين فكانوا يرتدون بمعظمهم زياً دينياً تابعاً لديانة معينة، ومن ضمنهم إمام شيعي يعتبره ناشطو المعارضة موالياً للحكومة. ويشار إلى أن الوفد التقى أيضاً بوزير الاتصالات أيوب قرا، وهو الوزير الدرزي الوحيد في حكومة بنيامين نتنياهو. بيد أن اللافت كان افتقار الوفد إلى شخص من الجالية اليهودية الصغيرة في البحرين، التي تقدر عادةً بأقل من أربعين شخصاً وغالباً ما يستخدمها الملك حمد كمثال عن تسامح بلاده. فالبحرين تتميز عن الدول الخليجية العربية الأخرى بمعبد يهودي أعيد بناؤه بعد تدميره عام 1947 خلال أعمال شغب. اللافت أن غياب مكون يهودي عن وفد البحرين مثير للفضول – وليس معروفاً ما إذا كانت الجالية اليهودية البحرينية على علم بخطة الزيارة إلى إسرائيل. ويشار إلى أن أشهر أعضاء هذه الطائفة هي هدى نونو التي شغلت منصب سفير البحرين في واشنطن لمدة خمس سنوات حتى عام 2013، وتحتفظ بعلاقات مع الجماعات اليهودية (وليس الإسرائيلية). كما أن وفداً من اللجنة اليهودية الأمريكية يزور البحرين سنوياً، وكانت آخر زيارة له في أكتوبر، عندما التقى بوزير الداخلية. غير أن اليهود الأمريكيين كانوا يشاركون على ما يبدو في التخطيط لهذه الزيارة، وأبرزهم الحاخام مارفين هاير من "مركز سايمون فيزنتال" في لوس أنجلوس، الذي ألقى دعاء بركة خلال حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كانون الثاني/يناير. وقد استضاف الحاخام هاير نجل الملك حمد الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة البالغ من العمر الثلاثين عاماً خلال حفل أقيم في "متحف التسامح" في لوس أنجلوس في سبتمبر. وألقى الشيخ ناصر كلمةً في ذلك الاحتفال، الذي كان جديراً بالملاحظة حيث أنه تضمن، ليس فقط عزف النشيدين الوطنيين البحريني والأمريكي من قبل فرقة الشرطة البحرينية، بل أيضاً غناءً مؤثراً بالعبرية للنشيد الوطني الإسرائيلي "هاتيكفا". وعكس ما يعتقد البعض بأن قرا يمثل مؤشراً موثوقاً لمدى تعمق العلاقات الخليجية-الإسرائيلية بسبب قربه من نتنياهو، إلا أن دوره يتقزم بجوار باقي المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية الإسرائيلية المعنية بالأمر نفسه، والتي قد يتنازع مسئوليها حول أهمية وجدوى وفاعلية وسرية هذه العلاقات أو إعلانها من باب تحقيق منجز للساسة الإسرائيليين وهو ما قد يتحقق في المستقبل القريب. فملك البحرين حمد لا يعتبر عادةً النظير السياسي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أو صديقه الإماراتي الحميم ولي العهد الأمير محمد بن زايد، غير أن الزيارة إلى القدس تشير إلى أن علاقة إسرائيل مع دول الخليج لا يمكن أن تبقى سريةً إلى الأبد.