مثل فلسطيني شائع، يشير إلى أن استخدام نفس الطريقة لحل المشكلة، هو ضرب من الجنون، حيث لا يصح أن تستمر في طريق لا جدوى منه، سوى مضيعة وقتك، فما بالك لو كان أيضاً فيه مضيعة قضيّتك؟. قرار ترمب الأخير باعتبار القدس عاصمة للاحتلال، كأنه كان مجس نبض كبير، لقلوبنا أولاً كفلسطينيين وكعرب، تجاه قضيّتنا الوطنية ومقدساتنا، ولردة فعلنا كدول عربية وجامعة عربية ومجلس إسلامي ومجلس تعاون خليجي وإلخ من شركات الاتحادات العربية المحدودة، وللأسف يبدو أن رهان بينس "نائب رئيس ترمب" على قصر نفس العرب عموماً وأنها زوبعة فنجان ستمضي، وسيستمر القرار الأمريكي بالمضيّ، قد اقترب إلى النجاح، فبتنا نلاحظ تقاعساً تدريجياً تجاه قضية القدس، وإن لاقت بالبداية تشجيعاً عربياً على مستوى شعوب المنطقة كافة.
الإجماع الدولي تجاه حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإجماعه أيضاً على أن القدس عاصمة فلسطين، ما عدا الولاياتالمتحدة، ربما يُعطي شيئاً من الأمل تجاه إمكانية تحقيق وجود كيان فلسطيني حقيقي، ودولة مستقلة بعاصمة حرّة وسيادة كاملة، ولكن ما الذي يريده منا الأمريكان وخلفهم الاحتلال؟.
قيل على لسان ياسر عرفات عن مباحثات كامب ديفيد للسلام في تسعينيات القرن الماضي، بأنه عاش أصعب أسبوع في حياته، داخل الفندق الذي كان فيه، فالعدو يُريد القدس، وأبو عمار رافض، ومن هنا بدأت فكرة التخلص من ياسر عرفات لدى الاحتلال، حتى أن مبارك الرئيس المصري الأسبق، قال عن مباحثات كامب ديفيد بأن أبو عمار قال له على الهاتف: "قال عايزيني أتنازلهم عن القدس"، ورفض مبارك حينها دعم الموقف الأمريكي.
بعض المحللين قالوا بأن ترمب لم يجرؤ على اتخاذ خطوته هذه إلا بموافقة سعودية، وسكوت مصري، ولكن ما بات واضحاً لديّ، أن ترمب أقبل على هذه الخطوة بدعم سعودي، وليس موافقة بحسب، وكأن القدس كانت فوق ال450 مليار الجزية التي دفعها بن سلمان لترمب، في ظل عملية التغيير القادمة، أو ما يُعرف بصفقة القرن.
نعود لما يريده منا الأمريكان وخلفهم الاحتلال، أو بالأحرى ما تريده "إسرائيل" تحديداً، فأمريكا ليس لها مصلحة مباشرة بالقدس، ولكن مصلحة اسرائيل الحليف الأول للولايات المتحدة، التي تؤمن بعقيدة سياسة التوسّع، ولا تعتبر للشعب الفلسطيني وجود أو كينونة، فقالها نتنياهو مرّةً: "نتركهم يبنون دولتهم، من أجل أن يدمروا دولتنا؟".
بمعنى أن السياسة الصهيونية ليست قائمة على عملية تسوية أو حلّ، بقدر ما هي عملية احتلال مستمر، وإهدار لحقوق الشعب الفلسطيني، وهم ينظرون إلى القدس كعاصمة لهم ليس من الآن، ولكن من سنوات مبكّرة، ولكن الوضع الإقليمي اوالظروف السياسية التي تعيشها المنطقة بشكل عام، لم تكن تمكنهم من تحقيق ذلك، والآن أصبح كل شيئ ممكناً ضد العرب والمسلمين، فوضعنا السياسي كما نعلم جميعاً.
وهذا ما يتطلب منا نحن كفلسطينيين أولاً، أن نبحث مع بعضنا، برنامجاً نضالياً واحداً، يجمع بمكوّناته كل ألوان العمل الوطني الفلسطيني، وكل مقوماته، وصولاً لتحقيق الأهداف المرجوّة لنا جميعاً كفلسطينيين، وهي تحقيق الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، فنحن على ما يبدو وحدنا في هذه المعركة، كما كنا دائماً في معظم معاركنا، وأن لا طريق لنا إلا أن نتوحّد، وأن نستغل كل طاقات أبناء وفصائل الشعب الفلسطيني، بإتجاه هدف واحد، هدف وطني، لا هدف حزبي.
أن نعمل جميعاً من أجل فلسطين، لا من أجل حركة فلان وجبهة فلان، وأن نحمل فقط علم فلسطين، ونهتف للشهداء والقدس، لا للزعيم هذا والقائد ذاك، يجب أن يعود النفس الوحدوي من جديد، وفق رؤية، ووفق منهجية، ووفق عزيمة لا تكل ولا تمل، حتى نيل كل الحقوق الوطنية.
وصدق من قال: "هيك مزبطة، بدها هيك ختم" مثل فلسطيني أيضاً دعوني أختم به، وهو ما يعني بأن الحالة التي نعيشها جميعا كوطن عربي، هي ما جعلت نتنياهو يتجرأ على 28 دولة عربية، و380 مليون عربي، ومليار ونصف مسلم، دون أن يلتفت للوراء.