بنصف جسد وكرسي متحرك، برز الشهيد "إبراهيم أبو ثريا" كمثال يحتذى به ليس فقط على الساحة الفلسطينية بل على الساحة العربية والإسلامية بأكملها، هذا المواطن الغزاوي القعيد الذي طالما حمل راية فلسطين على كتفيه، لم يمنعه عجزه من الدفاع عن مقدسات بلاده والخروج من أجل التظاهر دعمًا للقدس وضد القرار الأمريكي البغيض، تصدى لرصاص الاحتلال الصهيوني حتى ارتقى شهيدًا بجسد غير مكتمل لكن بإصرار وعزيمة وتحدي الأبطال. تستمر الاحتجاجات الفلسطينية، بل وتتصاعد بشكل يفاجئ الاحتلال الصهيوني وحلفاءه من العرب الذين وضعوا كرامة دولهم وشعوبهم في قبضة التحالف الصهيوأمريكي، ليخرج "أبو ثريا" ويضرب مثلًا جديدًا في مقاومة العجز والاحتلال، وكيفية الدفاع عن المقدسات والمعتقدات والمبادئ. برز اسم إبراهيم أبو ثريا، أمس الجمعة، في انتفاضة "جمعة الغضب" التي سقط خلالها 4 شهداء و700 جريح، والتي أجمع أغلب المحللين العسكريين في وسائل إعلام العدو الصهيوني على أنها شهدت حراكًا مفاجئًا، عده الكثيرون الأقوى منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، فقد اندلعت المواجهات في أكثر من 150 نقطة اشتباك، في حين انحصرت المواجهات في الأسبوع الماضي في 30 نقطة فقط، كذلك فإن أعداد المتظاهرين تضاعفت من 2500 الأسبوع الماضي إلى 6 آلاف، إضافة إلى 3500 على الشريط الحدودي في غزة، و2500 في الضفة، إلى جانب العشرات في الداخل المحتل عام 1948. وتداول ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي، مقطعًا مصورًا لبعض التظاهرات التي اندلعت على الحدود الشرقية لمدينة غزة، في محيط موقع "ناحال عوز" العسكري، وفيه ظهر الشاب "أبو ثريا" يحمل العلم الفلسطيني ويهتف باسم القدس، الأمر الذي أثار انتباه العديد من الصحفيين هناك، وأجرى معه البعض منهم حوارا قصيرا حول أهمية وجوده في التظاهرة فقال: "أنا متواجد على الحدود لإيصال رسالة للجيش الإسرائيلي بأن الأرض أرضنا هنا، ولن نستسلم لقرار الرئيس الأمريكي وسنواصل الاحتجاج على الحدود"، وأضاف: "الشعب الفلسطيني شعب الجبارين ونتحدى الجيش الإسرائيلي". بهذه الكلمات أشعل "أبو ثريا" حماسة العديد من الشباب ليس الفلسطينيين فحسب بل حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، وأشاد الكثيرون ببطولته وتحول إلى أيقونة للانتفاضة الفلسطينية، ثم بعدها بساعات انتشر نبأ استشهاده، وقال المتحدث باسم وزارة الصحة بالقطاع أشرف القدرة، إن إبراهيم أبو ثريا استشهد بعد تعرضه لإصابة بالرأس من قناص بالجيش الإسرائيلي، على الحدود الشرقية لمدينة غزة، وأوضح شهود عيان أن الشهيد تلقى طلقًا ناريًا في رأسه بشكل مباشر، أثناء المواجهات على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة. من هنا تحول إلى أيقونة لانتفاضة القدس الجديدة، حيث يبلغ البطل "أبو ثريا" من العمر 29 عامًا، وكان قد سبق أن تحدى قوات الاحتلال الصهيوني خلال العدوان على قطاع غزة في نهاية عام 2008، حيث استهدف حينها الاحتلال مخيم البريج، ليصاب "أبو ثريا" في قدميه، ويتم بترهما في العام نفسه، ووفقًا لمقربين من "أبو ثريا" فإن الشهيد لم يكن يكترث لقدميه المبتورتين، بل كان يواصل الذهاب بشكل يومي للحدود الشرقية لحي الشجاعية شرق مدينة غزة، وكان دائمًا في الصفوف الأمامية للمظاهرات نصرة لمدينة القدس، كما سبق أن شارك في المسيرات التي تدعو لإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية. أكدت والدة الشاب "أبو ثريا"، أنه رغم فقده لقدميه فإن حماسه زاد، وثورته كانت حقيقية، وأوصلته لما كان يتمنى فحصل على شهادة رفعت رؤوسنا جميعًا، متسائلة عن الخطر الذي يشكله على جنود الاحتلال المدججين بالسلاح لكي يقدموا على قتله، فيما أكد الصحفيون الفلسطينيون الذين كانوا يتسابقون على التقاط الصور ل"أبو ثريا"، أن إرادته كانت حديدية وكانت رسالته دائمًا بأن الإعاقة التي أصيب بها بسبب الاحتلال لا يمكن أن تمنعه من الاستمرار في التعبير عن رفضه لهذا الاحتلال وممارساته. من جانبه تحدث الأب المكلوم نايف أبو ثريا، عن مسيرة كفاح ابنه، قائلًا: إبراهيم تمنى الشهادة من أجل فلسطين فنالها اليوم، لم يأبه رغم فقدان قدميه، من الرصاص الحي والغاز المسيّل للدموع الذي يطلقه الجيش الإسرائيلي على مئات من المتظاهرين قرب الحدود بين غزة وإسرائيل، فكل ما كان يبتغيه هو الشهادة في سبيل فلسطين وأن تظل عاصمتها القدس الشريف، وأضاف "لقد سبقتك قدماك إلى الجنة واليوم حققت ما كنت تحلم به يا إبرهيم، بعد طول انتظار، الشهادة من أجل فلسطينوالقدس"، وتابع: "قصة إبراهيم مع فلسطين كبيرة، والقدس كانت أكبر همّه، فلم يتوار أبدًا عن قضيته وكل ما يمس بلده، وما إن علم بقرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لم يهدأ، فخرج في المسيرات بشكلٍ سلمي"، ويستذكر الأب ابنه قائلًا: الشهيد كان يتمنى أن يتزوج، ويعيش حياةً كريمةً مثله مثل أي شاب، لكن إعاقته حالت دون ذلك، ولفت إلى أن وضعه المادي كان سيئًا، وكان يعمل في غسيل السيارات على إحدى مفترقات الطرق في مدينة غزة. "أبو ثريا" الذي لم يملك سوى نصف جسد وكرسي متحرك وراية فلسطين، ضرب مثالًا في القوة والإصرار والعزيمة، وضحى بكل ما يملك من أجل مبادئه وقضية بلاده، وهو ما دفع محللين للتعليق على معنى العجز الحقيقي، إذ على النقيض تمامًا، يملك القادة العرب والمسلمون النفوذ السياسي والأموال والقدرة على التحرك دبلوماسيًا وإتخاذ خطوات من شأنها هز كيان الاحتلال وحليفه الأمريكي، إلا أن أيا منهم لم يستغل إمكاناته هذه لإنقاذ القدس من المصير الغامض، وبينما يضحي القعيد بما تبقى له من جسده، يزور بعض الحكام العرب تل أبيب سرًا، ويهرول آخرون للتطبيع مع الاحتلال علنًا، ليصبح لقب "العاجز" بحاجة إلى تعريف جديد.