لا تزال لبنان ساحة صراع ومواجهة سياسية بين السعودية وإيران، فيبدو أن المملكة مصره على زعزعة استقرار الجمهورية اللبنانية بكافة الطرق والوسائل الممكنة، فالأخيرة لم تدخر جهدًا في ضرب استقرار بيروت، واهمة أنها بذلك يمكنها قص الأجنحة الإيرانية في الشرق الأوسط، وبعد أن فشلت في تحقيق هدفها بالطريقة السياسية، تظهر المؤشرات الحالية أنها تتجه إلى الناحية الاقتصادية؛ لتنفيذ ما فشلت فيه خلال الأشهر الأخيرة الماضية. مصارف لبنان.. هدف جديد بدأت الحرب السعودية على لبنان سياسية، لكنها سريعًا ما تحولت إلى الناحية الاقتصادية، ويبدو أن الأيام القادمة ستكون الحرب بين الرياضوبيروت على أشدها، وستكون كافة الخيارات مطروحه وعلنية، حيث استغل وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، انعقاد منتدي الحوار المتوسطي الذي عقد في الفترة ما بين 30 نوفمبر إلى 2 ديسمبر الجاري، في العاصمة الإيطالية روما، لينقل صراع بلاده الإقليمي مع إيران إلى روما، ويتحول المنتدى إلى منصه لإطلاق الهجمات السياسية والاتهامات ضد إيران، حيث قال "الجبير": إنه من السهل رؤية التأثير السلبي لإيران في كل المنطقة. نفي لبناني اتهامات وزير الخارجية السعودي الجزافية أثارت غضب المسؤولين في لبنان، الذين سعوا إلى نفي هذه الاتهامات سريعًا، حيث أكد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أن القطاع المصرفي اللبناني يحظى بالشرعية الدولية فيما يخص التعاطي المصرفي والمالي، فيما رد رئيس جمعية مصارف لبنان السابق، فرانسوا باسيل، قائلًا: المصارف المحلية ملتزمة بالقوانين الدولية، خاصةً تلك المتعلقة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، علمًاً بأن الاقتصاد اللبناني "مدولر"، وأكد أن "رمي الاتهامات شمالًا ويمينًا غير مقبول". محاولات سابقة اتهامات "الجبير" التي وجهها بشكل غير مسبوق للقطاع المصرفي اللبناني ما هي إلا محاولة بائسة جديدة لممارسة الضغوط على الدولة اللبنانية، فبعد أن فشلت المملكة في إسقاط لبنان سياسيًّا من خلال استدعاء رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وإجباره على تقديم استقالته من على أراضيها، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، في محاولة لإحداث فراغ حكومي وسياسي في الجمهورية، تسقط على أثره الحكومة والدولة، وتتزعزع قوتها، وفشلت مجددًا في أهدافها، بعد أن حاولت بتخطيط مع الاحتلال الإسرائيلي اغتيال وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، من خلال عميل صهيوني اعترف بجريمته مؤخرًا، اتجهت الرياض إلى الاقتصاد اللبناني وتهديده؛ بغية هز استقراره، ومن ثم استقرار الجمهورية بأكملها. عقوبات اقتصادية واهنة هذه لم تكن المرة الأولى التي تهدد فيها المملكة لبنان اقتصاديًّا، حيث كشفت مصادر سياسية قبل أيام عن نية المملكة الاتجاه نحو فرض عقوبات على الجمهورية، على غرار ما فعلته مع جارتها القطرية، وقد يصل الأمر إلى فرض قرارات المقاطعة والعقوبات اللبنانية على دول الخليج الأخرى وبقوة، وهو ما سبق أن حذر منه رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في سياق بيان الاستقالة الذي ألقاه من الرياض مطلع الشهر الماضي، حيث حذر من "عقوبات عربية محتملة ومن خطر يحدق بمعايش مئات الآلاف من اللبنانيين الذين يعيشون في منطقة الخليج"، الأمر الذي دفع إلى البحث في مدى تأثر الاقتصاد اللبناني حال سحب الودائع الخليجية من المصارف اللبنانية؛ لتظهر مدى ضعف هذا التأثير على الاقتصاد اللبناني. حيث أكد اقتصاديون لبنانيون أن سحب الودائع الخليجية لن يكون له تأثير قوي على القطاع المصرفي اللبناني بالشكل الذي تتوقعه المملكة، خاصة أن مجموع المبالغ الخليجية في المصارف اللبنانية لا يتجاوز ال2.5% من مجموع الودائع التي تبلغ قرابة 160 مليار دولار، وهو ما أكده أيضًا الخبير الاقتصادي اللبناني، غازي وزني، قائلًا إنه ليس هناك خوف من تطوّر الأمور إلى عقوبات سعودية على المصارف اللبنانية، معتبرًا أن هذه العقوبات ذات طابع سياسي بامتياز، ولن يكون لها تأثيرات سلبية على القطاع الاقتصادي. هبة الجيش اللبناني لم يكن الحديث عن عقوبات اقتصادية وتهديد المصارف اللبنانية ورقة الضغط الأولى بيد المملكة، فقد سبق أن ضغطت الرياض على الحكومة اللبنانية بإعلانها وقف المساعدات التي كانت مقررة لتسليح الجيش اللبناني وقدرها ثلاثة مليارات دولار، وتلك التي كانت مقررة لقوى الأمن الداخلي "الشرطة" بمليار دولار، وذلك في فبراير عام 2016، وقد بررت المملكة قرارها حينها ب"اتخاذ لبنان مواقف مناهضة للسعودية ومتقاربة مع إيران في ظل مصادرة حزب الله لإرادة الدولة اللبنانية"، وفق زعمها، لكن بعد أقل من عام من وقف الهبة العسكرية السعودية للبنان، أدركت المملكة مدى وهن هذه الخطوة وعدم فعاليتها على الناحية الاقتصادية والعسكرية اللبنانية، الأمر الذي دفعها إلى التراجع عن هذه الخطوة الصبيانية.