كتب – وسام حسين وجمال عبد المجيد 36 عامًا مضت بعد أن قادت الصدفة البحتة المسؤولين بمحافظة سوهاج للتوصل لأكبر المعابد الأُثرية المصرية، وهو معبد خاص بالملك رمسيس الثاني، أسفل قطعة أرض كان يجرى حفرها لإنشاء معهد أزهري بجوار مدافن مدينة أخميم القديمة، لتتعثر الجهود فيما بعد للتوغل في المعبد وانتشال كنوزه خاصة تمثال الملك والذي يعد من أكبر تماثيل الآثار المصرية بوزن قُدر بنحو 600 طن تقريبًا، ويظل المعبد حبيس المدافن وممنوعًا من الخروج بأمر محبي الموتى تارة، وتعنت بعض أصحاب المصالح من النواب السابقين تارة أخرى، لتستمر أعمال الدفن بالمنطقة بحجة قرب تلك المقابر منهم وعدم الرغبة في الدفن بمناطق بعيدة بالصحراء. الدراسات الأولية من خبراء الآثار أوضحت حينما تم التوصل لأجزاء من تمثال الملك رمسيس، والذي ظهر جزء صغير منه عام 1981، أن المعبد الدفين من المرجح أن يكون أكبر دار عبادة في العالم خاصة بهذا الملك، نظرًا للأجزاء الضخمة التي ظهرت من الكتف فقط للتمثال، وكذا العثور على تمثال آخر للملكة "ميرت آمون" بطول 11.5 متر ووزنه حوالي 30 طنًّا، إلا أن الجزء الأكبر من المعبد ما زال مدفونًا أسفل مقابر أخميم، وفي انتظار شارة البدء في الكشف الأثري بعد نقل المقابر والسيطرة على تعنت الأهالي. حيث كانت سلسلة من الاحتجاجات قد ضربت أخميم بسبب قرار المحافظ في عام 2010 توقف الدفن بالمقابر القديمة التي يقع أسفلها المعبد، وانتهت بمقتل شخص خلال الاشتباكات، واتجهت الغالبية العظمى من الأسر والعائلات للدفن في المقابر الجديدة بمنطقة الكوثر الصحراوية، وكانت الخطة تقضي بتوقف الدفن ثلاث سنوات متتالية قبل التنقيب وهدم المدافن احترامًا لمشاعر أهل أخميم وترك الفرصة لتحلل الموتى حتى يتم نقلهم بما لا يزعج مشاعر الناس، إلا أن الدفن عاد مرة أخرى في فبراير2011 إلى مقابر أخميم القديمة بدون طلب من الأهالي أو أي احتجاجات، بعد أن ذهب بعض وجهاء المدينة وبعض من أعضاء مجلس الشعب والحزب الوطني السابقين دون أن يعلم أحد إلى اللواء وضاح حمزاوي محافظ سوهاج حينها أثناء ثورة يناير، وأوحوا إليه بضرورة عودة الدفن في المقابر القديمة تلافيًا لأي اضطرابات وهو ما فُوجئ به الأهالي. وتجددت حالة الاستياء بين المواطنين خلال الأسابيع القليلة الماضية، بسبب تخبط المسؤولين بسوهاج بشأن إنشاء موقف سيارات بمنطقة الكوم الأثرية بديلاً للموقف الموجود بجوار مركز الشرطة، إذ تعد المنطقة الجديدة من اشهر المناطق الأثرية القريبة من المدافن القديمة التي يوجد أسفلها المعبد، وتساءل المواطنون: كيف يسعى البعض لنقل المدافن بعيدًا والتخطيط لذلك منذ عدة سنوات، ومحاولات الدولة سابقًا لنقل السكان المقدر عددهم ب 1200 أسرة على أقل تقدير لمدينة أخميم الجديدة، في حين ترُسي المحافظة وإدارة المواقف أحد أكبر المواقف للسيارات بتلك المنطقة بتكلفة تزيد عن 600 ألف جنيه، وقد تضيع هباءً في حالة نقل الموقف مرة أخرى؟ ناهيك عن كون المنطقة تابعة للآثار، وغير مسموح بإنشاءات بها، بحسب ذكر العديد من الأهالي، الذين أكدوا أيضًا أنه لا يمكن لأي منهم في منطقة الكوم والتي سينتقل لها الموقف الجديد عمل أية إنشاءات فى منازلهم أو إحلال أو حتى تجديد، لأنها منطقة أثرية، وبشكل عام فإن أي منزل يتم إنشاؤه بأخميم وفي أي منطقة يجب أن يحصل على موافقة مكتوبة من الآثار بعد توريد مبلغ عبر حساب بنكي لصالح هيئة الآثار، وزيارة مفتشين أثريين للموقع وتحديد أثريته من عدمه. ورغم ذلك تقرر نقل الموقف الجديد إلى حزام الآثار هناك وخلق واقع جديد يصعب تغييره، خاصة بعد إنفاق ملايين الجنيهات من المال العام على الموقف الجديد، حيث ترتفع الأرض بتلك المنطقة إلى 12 مترًا عن المستوى الطبيعي، وهو ما يشير إلى وجود مدينة أثرية أو معابد أسفلها. يقول جمال عبد الناصر، مدير عام الآثار بسوهاج، إن مقابر أخميم القديمة تعلو العديد من المعابد والاكتشافات الأثرية المهمة الدفينة، والتي لم تنكشف بعد، والدليل على ذلك هو تمثال رمسيس الثاني والذي تظهر أجزاء بسيطة منه والكائن أسفلها، إذ تبين من عمليات الحفائر أنه من الحجر الجيري، ويبلغ وزنه حوالي 600 طن، ما يجعله أكبر تمثال مرتقب على مستوى الاكتشافات الأثرية المصرية. وأوضح عبد الناصر ل "البديل" أن تمسك المواطنين بالدفن في مقابر أخميم القديمة بحجة قربها من المدينة هو أمر يضيع على الدولة اكتشافات هائلة تقود لكنوز دفينة، مضيفًا أنه لا يمكن البدء في البحث والتنقيب عن الآثار المتنوعة الموجودة أسفل تلك المقابر إلا إذا تم منع الدفن فيها تمامًا، مع نقل رفات الموتى المتواجدة بالمقابر حفاظًا على حرمة الموتى، وهو أمر في يد الأجهزة التنفيذية بالمحافظة ، لافتًا إلى أنه إذا ما تم منع الدفن في مقابر أخميم وتمت عمليات البحث والتنقيب عن الآثار، فإنه قد تصبح مدينة أخميم ضمن المزارات الأثرية العالمية، خاصة أنه بتتبع لما كتبه الرحالة والمؤرخون عن الآثار الموجودة بأخميم ثبت كلامهم، وذلك بعد الكشف عن تمثال ميرت آمون ابنة الملك رمسيس الثاني والقريبة جدًّا من المقابر، وهو ما يجعل وقف الدفن بمقابر أخميم والكشف عن آثارها ضرورة ملحة، حتى تصبح سوهاج على الخريطة السياحية العالمية. ونفى عبد الناصر ما تردد عن كون موقف السيارات الجديد بمنطقة الكوم على الحرم الأثري للمنطقة الأثرية هناك، مؤكدًا أن المنطقة التي سيقام عليها الموقف غير تابعة للآثار، وقد قامت لجنة بمعاينتها من الآثار، وتم ثبوت عدم دخولها في حدودنا، ومن ثم بدأت المحليات في تخصيصها لموقف الميكروباص. وكشف مصدر آخر بمنطقة آثار سوهاج – رفض ذكر اسمه بسبب تعليمات المسؤولين- أن مدينة أخميم بأكملها تخضع لقانون الآثار رقم 117 لسنة 1983م ، والذي يحظر القيام بأي أعمال إنشائية وحفر أساسات لمنشآت بدون ترخيص، وبدون إشراف من المجلس الأعلى للآثار، وهو ما يؤكد كلام الأهالي، مضيفًا أن ذلك القرار جاء على خلفية الحفر بمنطقة كانت مقلبًا للقمامة لتحويلها لمعهد أزهري، فظهرت أجزاء لأكتاف تمثال وتم إيقاف الحفر، وبعدها تم استخراج التمثال الذي تبين أنه يخص ميرت آمون ابنة الملك رمسيس الثاني، مشيرًا إلى أن الاكتشاف أكد أن المعبد بناه الملك رمسيس الثاني والذي يعتبر مقر إقامه له وتقربًا للإله "مين"، وأنه بعد إجراء فحوصات كثيرة تأكد أن المدينة بأكملها تعلو كنوز أثرية لحقب تاريخية شديدة الأهمية. في نفس السياق قال محمود إمام، رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة أخميم، إن محافظ سوهاج الدكتور أيمن عبد المنعم، شكل لجنة من حكماء، تضم العديد من الشخصيات الاجتماعية والتنفيذية، لإقناع الأهالي بعدم الدفن في المقابر القديمة، ولكنهم لم يلتزموا بالقرارات، رافضاً الإفصاح عن أسباب تمسكهم بالدفن هناك قائلا: "لدينا تعليمات بعدم الإدلاء لوسائل الإعلام عن أسباب استمرار الدفن هناك". وأضاف إمام أن المحافظة قامت بدورها في محاولة إنقاذ تلك المنطقة، حيث تم عمل مدافن جديدة كلفت الدولة حوالي 150 مليون جنيه بحي الكوثر لأهالي مركز ومدينة أخميم لدفن موتاهم فيها والانتهاء من الدفن بالمقابر القديمة، إلا أن الأهالي ما زالوا مستمرين في دفن الموتى بنفس المكان القديم. "البديل" بدورها حاولت الكشف عن حقيقة نقل موقف السيارات الجديد من أمام مركز الشرطة إلى المنطقة الأثرية بالكوم، وما قد يترتب عليه من تفاقم الأزمة وتعطيل الكشف الأثري المرتقب، إلا أن 5 من مسؤولي المحافظة التنفيذيون رفضوا توضيح الحقيقة كاملة. فعند الاتصال هاتفيًّا باللواء عمرو عزمي سكرتير عام المحافظة، وسؤاله عن مصير الموقف الجديد بتلك المنطقة الأثرية، أغلق الهاتف سريعًا في وجه مراسلنا بعد أن قال "هاشوف، الموضوع وارد". وعند سؤال وليد ممتاز، مدير إدارة المواقف الحالي، حول نقل الموقف بتلك المنطقة الجديدة والتي قد تكون ضمن الحزام الأثري ما يخالف قانون الآثار قال: "قرار نقل الموقف لم يتم في عهدي إطلاقًا، ولم أصدق على هذا القرار، وليس من اختصاصنا عمل المقايسات وتحديد المكان وعليكم سؤال طلعت الزيات مدير عام الشؤون المالية والإدارية بالمحافظة وعضو اللجنة العليا للمواقف". توجهنا لمكتب طلعت الزيات بديوان عام المحافظة، وقال: تم اتخاذ قرار نقل الموقف وإنشاء الجديد بناءً على تعليمات المحافظ الحالي منذ شهرين تقريبًا، وتم معاينة المكان والتأكد من صلاحيته من كافة الجهات. رافضًا توضيح مزيد من المعلومات. حاولنا مرة أخرى مع مدير إدارة المواقف السابق أحمد الكاشف، والذي كان يتولى المهمة قبل الرئيس الحالي للإدارة واكتفى بتعليقه بأن الموقف لم يتم أيضًا إتخاذ قرار نقله للمكان الجديد في عهده، ورفض الرد على موقعه ومدى ملاءمته من عدمه، ما يثير الشكوك حول اتخاذ قرارات عشوائية من المحافظ أو المحليات بموقع الإنشاء المرتقب. بينما قال سكرتير مساعد المحافظة كمال شلبي والذي سبق له رئاسة مدينة اخميم: "كلموا محمود إمام رئيس المدينة الحالي"، واكتفى بقوله: الناس بتدفن فى مقابر أخميم والكوثر كليهما مع بعض، والموضوع ما اتفتحش من جديد منذ الأزمة الماضية، رافضًا الإفصاح عن أسباب عودة البعض للدفن بالمنطقة القديمة رغم توقف عمليات الدفن سابقًا.