للوهلة الأولى، تكشف المراجعة الجيوسياسية لوكلاء واشنطن السياسيين والعسكريين حول العالم عن أنهم مجموعات متناقضة وغير متماسكة، إذ يتمتع الفاشيون في العاصمة الأوكرانية "كييف"، ذوو الآراء المتطرفة بشأن العرق والدين بمكانة متساوية في واشنطن مع المسلحين الوهابيين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فرغم أن الجماعتين مُعارضتان، ولكن بدلا من ذلك تعمل كلاهما من أجل قضية مشتركة واحدة بالنيابة عن واشنطن. واشنطن، التي تبدو كما لو كانت تعارض تماما الفاشية والوهابية، فإنها لا تتردد في التعاون مع أي أحد لتنفيذ أجندتها، في حين أن أجندات الأمريكيين والأوكرانيين والمسلحين الوهابيين مختلفة ومتناقضة، ولكن المجموعات الثلاث مدفوعة بالمال، وتأثيرها في العالم يفوق أيدولوجياتها المزعومة. يخدم المسلحون الوهابيون في جنوب شرق آسيا مصالح واشنطن في أنحاء المنطقة، وينضم إليهم أكاديميون وصحفيون ليبراليون جدد، جميعهم يخدمون بشغف واشنطن ولندن وبروكسل والنوادي والشبكات الغربية التي يسعى إليها الليبراليون الجدد، ولكن هناك عضوا جديدا وغريبا انضم إلى قائمة خدمة المصالح الأمريكيةالغربية في هذا التحالف المتناقض، وهو الشيوعيون والاشتراكيون. المثال الأكثر شفافية يوجد في تايلاند ممثلا في حزب "الجبهة المتحدة من أجل الديمقراطية" ضد الديكتاتورية، ويقود الحزب أعضاء بارزون في الحزب الشيوعي السابق في تايلاند، بما في ذلك ونغ توجيراكارن وزوجته ثيدا ثافورنزيث، وأنشأ الحزب الملياردير ثاكسين شيناواترا، الذي شغل منصب رئيس وزراء تايلاند من عام 2001 حتى عام 2006، عندما تم طرده من السلطة خلال انقلاب عسكري سريع وغير دموي. ومنذ عام 2006، غرقت عائلة شيناواترا في حالة اضطراب سياسي حيث كانوا يحاولون الاستيلاء على السلطة، وتم احتجازهم مؤقتا. ويعيش شيناواترا حاليا في الخارج كمجرم مدان وفار، وهو يتمتع بدعم كبير من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويسمح له بالسفر وإدارة أعماله بانتظام. يذكر أن شيناواترا لديه قائمة طويلة من اتصالات الضغط في واشنطن بما فيها شركات مثل بيكر بوتس برئاسة جيمس بيكر، وشارك كل من بيكر وشيناواترا في شركة الأسهم الخاصة التي تعرف باسم مجموعة كارلايل في أواخر 1990 قبل أن يصعد شيناواترا إلى منصة السياسة التايلاندية. واليوم، يواصل شيناواترا تقويض الاستقرار السياسي في تايلاند بمساعدة شبكة واسعة ومتنامية من المنظمات غير الحكومية التي تمولها الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ومؤسسات خاصة مثل جمعية سوروس المفتوحة. وتتلقى قيادة الاتحاد بشكل منتظم توجيهات من شيناواترا، وتعرب عن مخاوفها إلى شيناواترا، وبينما يدعي الاتحاد أن الحركة مستقلة، لكن في واقع الأمر لا شيء أكثر من أن الملياردير يدعم الجهاز السياسي للحزب من الخارج. وبعبارات أكثر بساطة، فإن عودة شيناواترا، إلى الشارع من أجل الدفاع عن السلطة وتصدر المشهد السياسي في تايلاند سيكون انتصارا للإمبريالية، وليس إضرابا ضدها، فيما لا توجد علاقة بين الشيوعية التي يتبعها هذا الحزب بالشيوعية الحقيقية، تماما مثل عدم وجود علاقة بالإسلام الذي تتبعه القاعدة والوهابية بالإسلام الحقيقي، فكلتا المنظمتين تستخدمان الأيديولوجية والرمزية كدخان من أجل المصالح الفعلية التي تخدمها حقا وعلى حساب الأيديولوجيات نفسها التي تدعي أنها تمثلها. إن مواجهة شيء كبير ومدمر مثل الإمبريالية الحقيقية تتطلب تحليلا خطيرا يجب أن يتجاوز بكثير السطحية والتبسيط المفرط للرايات والشعارات والأيديولوجيات المفترضة؛ وإذا كانت واشنطن قادرة على خلق جحافل من الفاشيين والمسلحين الوهابيين الذين يخدمون قضيتها، فإنها بالتأكيد يمكنها خلق "الشيوعيين" وأي فصيل إيديولوجي آخر للعمل بالوكالة، وتعتقد أنه يمكنه أن يخدم مصالحها متى وحيثما لزم الأمر. المقال من المصدر: اضغط هنا