إخفاقات متتالية؛ سياسية وأمنية واجتماعية، مني بها الرئيس الفرنسي الذي لم يكمل شهره الرابع في قصر الإليزيه، إيمانويل ماكرون، ويبدو أن الرئيس الشاب الذي صعد بسرعة الصاروخ مطيحًا برموز ثقيلة في الحياة السياسية الفرنسية سواء من اليمين المتطرف أو اليسار، سيسقط أيضًا سريعًا بعدما نال سخط وانتقاد العديد من الرموز السياسية وقاعدة عريضة من الشعب. انهيار تدريجي أظهر استطلاع حديث للرأي أن غالبية الناخبين الفرنسيين غير راضين عن أداء الرئيس، فوفقًا للاستطلاع الذي أجرته مؤسسة إيفوب لصالح صحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، فإن معدل عدم الرضا عن ماكرون وصل إلى 57%، ونسبة تأييد الزعيم الوسطي وصلت إلى 40 %، وأظهر أن الانخفاض التراكمي لشعبيته منذ مايو الماضي إلى اليوم، أكبر من الذي واجهه الرئيس السابق فرنسوا هولاند، خلال الفترة ذاتها من ولايته، حيث خسر ماكرون بين يوليو إلى أغسطس فقط ما يقرب من 14 نقطة مئوية من نقاط تأييده. استطلاع "إيفوب" لم يكن الدليل الوحيد على انهيار شعبية الرئيس الفرنسي الجديد؛ فمع انقضاء أول 100 يوم في ولاية ماكرون، وبالتحديد في 18 أغسطس الجاري، أظهرت قناة "France 2" أن 36 % فقط من المواطنين الفرنسيين يقيمون إيجابيًا نشاط الرئيس حاليًا، وقيمت القناة حينها نتيجة ماكرون بأنها الأسوأ من التي كانت عليها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، في الفترة المماثلة من ولايته الانتخابية، حيث حصد الأخير في تلك الفترة ما يقرب من 43 % من الفرنسيين غير راضين عن سياسته. وأحصت القناة الانحدار التدريجي في شعبية الرئيس الفرنسي الوسطي، حيث بلغت خلال الشهرين الأول والثاني من حكمه، 62 % في مايو، و64 % في يونيو الماضيين، لتحصد في يوليو 54 %، وفي أغسطس 40%. إخفاقات متتالية رأى العديد من المراقبين أن إخفاقات ماكرون السياسية والأمنية ربما تكون السبب الأهم والرئيسي في انهيار شعبيته، إضافة إلى وجه سلطوي غير معتاد أظهره ماكرون موخرًا من خلال بعض القرارات التي انفرد فيها بالأمر والنهي. وعانى ماكرون منذ انتخابه في 14 مايو الماضي، من عدة انتكاسات جعلت شعبيته التي صعدت بسرعة الصاروخ تنهار سريعًا أيضًا، فالناخب الفرنسي سرعان ما عبر عن عدم رضاه بأداء الرئيس الجديد، خاصة بعد استقالة الوزراء الثلاثة المنتمين إلى حزب "موديم"، وهم وزير العدل، فرانسوا بايرو، الذي كان حليفا لماكرون، ووزيرة الشؤون الأوروبية، ماريال دو سارنيه، ووزيرة الدفاع، سيلفي غولار، على خلفية تحقيق فتحته النيابة العامة بحقهم بشأن وظائف وهمية. حكومة ماكرون وانتكاساتها المتتالية لم تكن السبب الوحيد في سقوط شعبية الرئيس، بل كانت لقراراته الاجتماعية تأثير ربما يكون الأكبر في حشد الغضب داخل المجتمع الفرنسي، حيث اتخذ ماكرون عدة قرارات اجتماعية في يوليو الماضي، من بينها قرار خفض دعم الدولة للمساعدة التي تقدمها فى مجال السكن، وقرار تغيير قانون العمل عبر اللجوء إلى مراسيم حكومية دون الرجوع إلى نقاش برلماني أو حوار مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين، كما أصدر الرئيس قرارًا بتأجيل إلغاء الضريبة على السكن، كما قرر تخفيض الإنفاق الحكومى بحوالى 13 مليار يورو، لتتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي القاضية بأن تكون نسبة العجز 3% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما وصفه العديد من السياسيين بأنه محاولة لممارسة المزيد من الضغط على الطبقات المتوسطة والفقيرة، الأمر الذي زاد من سرعة سقوط أسهمه في المجتمع الفرنسي. كما وضع ماكرون نفسه في مواجهة مع الجيش، حيث عمل على تخفيض ميزانية وزارة الدفاع، الأمر الذي اعترض عليه رئيس أركان الجيش الجنرال، بيير دو فيلييه، ودفعه في النهاية إلى تقديم استقالته، الأمر الذي أثار توترًا في الصفوف العسكرية للجيش، إضافة محاولات تنصيب زوجته في أماكن سيادية، حيث منح الرئيس زوجته بريجيت ماكرون، البالغة من العمر 64 عامًا، لقب "السيدة الأولى" لأول مرة فى تاريخ فرنسا، ليقرر بعدها بشكل مفاجئ منحها صلاحيات ومهام إدارية داخل الدولة، بجانب منحها مخصصات مالية مخالفة للقانون، ما يتعارض كليًا مع قرار البرلمان الفرنسي، الذي يجرم توظيف الأقارب فى مناصب رسمية ويفرض عقوبات صارمة حال مخالفة ذلك، حيث أثار قرار ماكرون حينها سخط العديد من رموز النخبة الفرنسية ورؤساء الأحزاب، ودشن سياسيون فرنسيون عريضة حملت توقيعات ما يزيد على 170 ألفًا لرفض الصلاحيات الممنوحة للسيدة الأولى في الإليزيه.