عادت الحرب الكلامية بين تركياوألمانيا للاشتعال مجددا مع اقتراب الانتخابات الألمانية وتدخل أنقرة المعتاد في شؤون الدول الأخرى، في الوقت الذي ترفض فيه أي تعليق على شؤونها الداخلية، فيبدو أن الهدوء خلال الأيام القليلة الماضية بين الطرفين، تلاشى، وثمة مؤشرات على دخول بعض الدول خط الأزمة بين البلدين لصالح برلين، ما يوحي باتجاه العلاقات التركية الأوروبية في مجملها إلى التعقيد أكثر فأكثر. الانتخابات الألمانية.. فتيل أزمة جديد مع اقتراب الانتخابات الألمانية العامة المقرر إجراؤها في 24 أغسطس الجاري، دخلت العلاقات التركية الألمانية فصلا جديدا من فصول التوتر بين الطرفين؛ على خلفية اعتياد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التدخل في شؤون الغير بشكل لاذع، حيث وصف زعماء الحزب الحاكم في ألمانيا ب"أعداء تركيا"، قائلا إن أحزاب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والديمقراطي الاجتماعي، والخضر، كلهم أعداء لتركيا، داعيًا نحو مليون شخص من أصول تركية يعيشون في ألمانيا يحق لهم التصويت في الانتخابات إلى عدم التصويت لهذه الأحزاب الثلاثة، مضيفا: إنهم يستحقون رفض الناخبين الألمان ذوي الأصول التركية لهم في الانتخابات الألمانية الوشيكة. ودعا الأتراك هناك إلى المساندة الضرورية للأحزاب السياسية التي لا تناصب تركيا العداء، قائلا: لا يهم ما إذا كانوا الحزب الأول أو الثاني، فهذا بطريقة أو بأخرى نضال كرامة لأبناء شعبي الذين يعيشون في تركيا، في إشارة ضمنية إلى إمكانية دعم الناخبين لأحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار في ألمانيا، مضيفًا: أعتقد أنهم سيلقنون تلك الأحزاب في صناديق الاقتراع درسًا قويًا. المثير في تصريحات أردوغان الأخيرة، أنه رفض الاعتراف بأنها تدخل في الشؤون الألمانية وتحريض من القيادة التركية لمواطنيها المجنسين هناك ضد الحزب الحاكم في برلين، لكن في الوقت نفسه، انتقد السلطات الألمانية بشكل لاذع وغير مسبوق عندما منعت بعض حلفائه من تنظيم مسيرات الحشد المؤيدة له في شوارع المدن الألمانية قبل الاستفتاء الدستوري الأخير الذي أجرته أنقرة في أبريل الماضي، الذي مهد الطريق أمامه لتحويل النظام التركي من برلماني إلى رئاسي وانتقال جميع الصلاحيات إلى الرئيس، ووصف أردوغان حينها فض ألمانيا للحشود المؤيدة له بأنها "تصرفات على الطراز النازي". تصريحات أردوغان أغضبت ألمانيا كثيرًا، حيث تعتبر تدخلا سافرا في شؤون البلاد الداخلية ومستقبل الدولة، الأمر الذي انتقده وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابرييل، واصفا تصريحات أرودغان ب"تدخل غير مسبوق ضد سيادة ألمانيا"، فيما كتب المتحدث باسم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ستيفن سيبرت، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر: "نتوقع من الدول الأجنبية عدم التدخل في شؤوننا الداخلية"، وذهب مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مارتن شولتز، إلى أبعد من ذلك، قائلا إن أردوغان فقد كل شعور بالتناسب، فيما اتهم الرئيس المشارك للجمعية التركية في ألمانيا، أتيلا كارابوركلو، الرئيس التركي بالسعي إلى تقسيم المجتمع الألماني، ويهدف لإلحاق الضرر بالديمقراطية الألمانية. على الجانب الآخر، دافع بشدة، نائب رئيس الوزراء التركي، والناطق الرسمي باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، عن تصريحات أردوغان قائلًا: إنها موجهة فقط إلى الناخبين من أصل تركي في ألمانيا.. وعبّر عن رأيه بوضوح وانفتاح، لكن انظروا إلى الردود غير المحترمة والمتعجرفة والخارجة عن حدود اللياقة، مضيفًا: أريد أن أندد بردود الفعل هذه وأسلوب التخاطب غير المحترم، واتهم ألمانيا بالتدخل في الاستفتاء التركي الذي جرى في 16 أبريل الماضي، حول توسيع صلاحيات أردوغان، مؤكدا أن موقف الحكومة الألمانية كان واضحًا في دعم المعارضة، في حين، استنكر دعم برلين حزب العمال الكردستاني، المجموعة الإرهابية، حسبما يرى. وطالب الرئيس التركي وزير الخارجية الألماني "بالتزام حدوده"، قائلا "غابرييل لا يلتزم حدوده، من أنت لتخاطب رئيس تركيا بهذه الطريقة؟ التزم حدودك إنه يحاول إعطاءنا درسًا، منذ متى تتعاطى السياسة؟ وكم تبلغ من العمر؟"، وأضاف أردوغان "بالتأكيد المسؤولون الألمان شعروا بعدم الارتياح وأخذوا يطلقون التصريحات يمينًا ويسارًا". وتأتي التوترات الأخيرة بعد أسابيع قليلة من أنباء عن وساطة لذوبان الجليد بين الطرفين، ظهرت مؤشراتها في سماح أنقرة لنواب من برلين بزيارة قاعدة "قونية" التابعة للحلف الأطلسي في تركيا، كانت الأخيرة قد سبق أن رفضتها، حيث أعلنت الخارجية الألمانية مطلع أغسطس الجاري أن وفدًا من النواب الألمان سيزور في سبتمبر المقبل قاعدة "قونية" التي يتمركز فيها جنود ألمان، بعد أن كانت السلطات التركية منعت الزيارة الشهر الماضي بسبب التوتر بين البلدين، وهو ما أرجعه بعض المراقبين إلى وساطة أوروبية أزالت بعض التوترات بين الطرفين. النمسا.. على خط الأزمة وفي سياق متصل، دخلت النمسا على خط الأزمة بين ألمانياوتركيا، حيث انتقد وزير الخارجية النمساوي، زباستيان كورتس، بشدة تدخل الرئيس التركي في المعركة الانتخابية الألمانية والشؤون الداخلية بدول الاتحاد الأوروبي، قائلا: التدخل المستمر لأردوغان في شؤون داخلية لدول أخرى، أرفضه تمامًا، وأضاف أنه يحاول استغلال المجتمعات من أصل تركي، لاسيما في ألمانياوالنمسا كأداة، لافتًا إلى أنه يستقطب وينقل النزاعات من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأكد الوزير النمساوي أنه إذا كان أردوغان أو وزراؤه يخططون لتصرف مشابه في الانتخابات العامة المقبلة في النمسا في شهر أكتوبر المقبل، "فإنني أود التأكيد أننا لن نقبل هذا التدخل مطلقًا".