عشية الأزمة القطرية، وتحديداً قبيل وأثناء "قمم الرياض"، شرعت الإدارة الأميركية تحت قيادة دونالد ترامب في إعادة هيكلة وترتيب علاقات واشنطن بحلفائها في الشرق الأوسط على واقع تغير عوامل كثيرة أهمها تغير حاجة الولاياتالمتحدة الاستراتيجية في الشرق الأوسط المتعلقة بشكل كبير بالنفط، وبالتالي كانت معادلة الإدارة الغير مباشرة عبر وكلاء واشنطن في المنطقة هي الحل العملي الملائم للمتغيرات وكذلك المناسب لشخص وإدارة ترامب، رجل الأعمال السابق هو والعديد من رموز إدارته، مثل ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الذي شغل منصب رئيس عملاق النفط "شِّل" قبل أن يصبح المسئول حالياً عن إدارة السياسات الخارجية لواشنطن، والتي حتى الأن تقع بين الارتجال والتخبط. المثال الأوضح على الارتجال والتخبط هو سلوك واشنطن منذ بداية الأزمة القطرية، التي تماهت في أولها مع رؤية أبوظبيوالرياض والقاهرة فيما يخص الدوحة، ثم ما لبثت أن انحسرت إلى تحفظ ورسم سقف لتصعيد الأزمة، ثم التعاطي مع قطر بشكل منفرد بعيد عن الحلفاء الذين وجدوا أنفسهم رهن موقف أميركي إيجابي تجاه الدوحة تمثل في اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وأمنية، وكانوا قد عولوا في بداية الأزمة على موقف أميركي متشدد مستند في أساسه على شخص وإدارة ترامب وما حققوه له من "مكاسب" سياسية واقتصادية وإعلامية تلخصت في قمم الرياض و480 مليار دولار. إلا أنه على مستوى سياسي برجماتي، فإن العلاقة بين البيت الأبيض والمؤسسات الأميركية كانت أحدى محاورها السياسة الخارجية للرئيس الجديد، وما تبع ذلك من تجلي وانعكاس لرؤيته في الأزمة القطرية، وتبدل المواقف في أسابيع قليلة من السير وراء السعودية وأبوظبي ومصر، إلى تحجيم حصارهم وإجراءاتهم ضد قطر، ثم إعادة تأسيس للعلاقات الأميركية القطرية ليس على نفس النمط الحادث قبيل الأزمة القطرية وقمم الرياض، ولكن على نحو ممأسس ليس مرتبط ولا ضمانته شخص الرئيس الأميركي الحالي، ولكن المؤسسات الأميركية وبالأخص الكونجرس والبنتاجون؛ فالأخير على سبيل المثال لا الحصر وضع عصا في دواليب رؤى ترامب ومن قبله أوباما فيما يخص سوريا وغيرها من الملفات، وبالنسبة لقطر فإن مسألة بحجم قاعدة العُديد الاستراتيجية لا يمكن نقلها أو غلقها بقرار من رئيس الولاياتالمتحدة يهمش البنتاجون كما ارتأى حلفاء واشنطن في بداية الأزمة، وهو نموج يُقاس عليه سلوك باقي المؤسسات الأميركية تشريعية أو دبلوماسية أو أمنية تجاه ما ينتهجه ترامب وإدارته من سياسات خارجية تتميز حتى الأن بالتخبط والارتجال. على نفس المنوال، يركز الكونجرس الأميركي –ذو الأغلبية الجمهورية- هذه الأيام على مراقبة السياسة الخارجية لإدارة ترامب، في ظل مناخ عام من الشكوك والشبهات حول علاقات غامضة جمعته هو وعدد من رموز حملته وإدارته مع أطراف خارجية على رأسها روسيا، وهو الأمر الذي تنظر له المؤسسات الأميركية أن هذه الشبهات تفتح باب للتساؤل حول ما إذا كانت الولاياتالمتحدة قد أصبحت تحدد سياساتها الخارجية وربما الداخلية بناء على مصلحتها ومصلحة حلفائها، أم إن الأمر تطور إلى إمكانية تأثير أطراف خارجية حلفاء كانوا أو خصوم على قرارات واشنطن واستراتيجياتها في الداخل والخارج؛ سواء كان ذلك بطرق غامضة مثل شبهة تأثير روسيا على نتائج الانتخابات الأميركية، أو تأثير حلفاء واشنطن على القرار الخارجي للإدارة الأميركية والذي تجلى في بداية الأزمة القطرية، ناهيك عن تساؤل عام يدور في أروقة السياسة واتخاذ القرار في واشنطن وعلامات استفهام مفادها هل تحقق منهجية ترامب واختياراته الخاصة بالخارج مصلحة بلاده أم مصلحة الآخريين؟ في هذا السياق، تقدم الخبير والمحاضر الأمني والمختص بالشئون الأمنية، ماثيو ليفيت، بشهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأميركي، دارت في معظمها عن علاقة واشنطنبقطر سواء من حيث التقييم أو من حيث شكلها في المستقبل، وكذلك نقاط القوة ونقاط الضعف في العلاقة بين أكبر دولة في العالم وبين الإمارة الخليجية الصغيرة المشاكسه لجيرانها، والتي تستفاد واشنطن منها في مناحي كثيرة بما في ذلك ضلوع الدوحة بدور الوسيط بين واشنطن وبين أٌطر تعتبرها الأخيرة إرهابية وغير شرعية، مثل حركة طالبان، وما سبق ذلك من استخدام الولاياتالمتحدةلقطر في خلق توازن خليجي يمنع تمرد باقي دول مجلس التعاون على القرار الأميركي.. وفيما يلي نص ملخص للشهادة: تستضيف قطر، الحليف القديم للولايات المتحدة أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لطالما انتقدت واشنطن الحكومة القطرية بسبب سياساتها التساهلية لمكافحة الإرهاب، وخاصة أوجه القصور فيما يتعلق بالجهود الرامية لمكافحة تمويل الإرهاب. ومنذ مطلع يونيو، قطع تحالف ضمّ أربع دول عربية – السعودية والإمارات ومصر والبحرين – العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر بسبب ما وصفته هذه الدول قيام الدوحة "بتمويل المتطرفين وتبنيهم وإيوائهم". وقد تفاقمت أزمة قطر بسبب التصريحات المتضاربة الصادرة عن إدارة ترامب، وأصبحت تهدد بتقويض الشعور بالمهمة المشتركة لمكافحة الإرهاب التي شكلت الهدف المنشود من القمة الأخيرة في الرياض. ولا بدّ من إنهاء الأزمة الخليجية في الفترة اللاحقة، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي إيجاد سبل تحفظ ماء الوجه وتشكل طرق موضوعية وقابلة للتحقق، لكي تعالج قطر أوجه القصور الأكثر خطورة في موقفها من مكافحة الإرهاب والتطرف. ويجدر بالذكر إن بعض الاتهامات الموجهة مؤخراً إلى قطر مبالغاً فيها، أو مضخمة إلى حد كبير، أو ببساطة لا تستند إلى الحقيقة – على غرار قيام وسيلة إعلامية ممولة من الإمارات بإصدار فيلم وثائقي في السادس والعشرين من يوليو يدّعي تورّط قطر في هجمات 11 سبتمبر. غير أن عدداً كبيراً من المزاعم ضد قطر هي ادعاءات جوهرية وتركّز على قضايا طويلة الأمد كان يتعين على الدوحة معالجتها منذ فترة طويلة. وفي السنوات الأخيرة، استضافت قطر قادةً من حركة «حماس» وجماعة «الإخوان المسلمين» وحركة «طالبان»، كما وفرت منصة للقادة المتطرفين لنشر إيديولوجيتهم من خلال برامج على قناة "الجزيرة". وفي عام 2014، أفاد وكيل وزير الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في ذلك الحين ديفيد كوهين أن قطر موّلت «حماس» بصورة علنية لسنوات عديدة، ولا تزال تسهم في عدم الاستقرار الإقليمي. وأشار كوهين أيضاً إلى أن قطر دعمت جماعات متطرفة أخرى تعمل في سوريا. وخلص إلى القول "على أقل تقدير،إن ذلك يهدّد بتفاقم الوضع المتقلب بالفعل بطريقة خطرة وغير مقبولة". وفي حين أقرّ كوهين بأن الدوحة قد بذلت جهوداً سابقة لمعالجة تمويل الإرهاب، إلّا أنه دعا الحكومة القطرية إلى مواصلة العمل مع الولاياتالمتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب، وعلى وجه الخصوص، التعامل مع الالتماس المستمر للتبرعات التي تموّل المتمردين المتطرفين تحت ستار العمل الإنساني. ووفقاً لكوهين، أصبحت هذه الظاهرة تحظى باهتمام متزايد. وخلال الأسبوعين الماضيين، على الرغم من قيام قطر بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن مكافحة تمويل الإرهاب مع الولاياتالمتحدة وتعديلها أيضاً قانونها لمكافحة الإرهاب من عام 2004، إلا أنه لا تزال هناك العديد من التدابير التي يجب على الحكومة القطرية أن تتخذها على محمل الجد والمتعلقة بمكافحة الإرهاب. ويسمح القانون القطري الجديد بإصدار قائمة تصنيف وطنية، غير أنها نُشرت من دون ملحق بالأشخاص أو الكيانات التي يجب إدراجهم [على قائمة الإرهاب] بموجب تلك السلطة. يجب على قطر ملء تلك القائمة بطريقة شفافة، بدءاً بالأفراد الذين سبق وأن صنّفتهم وزارة الخزانة الأمريكية والأمم المتحدة كإرهابيين وما زالوا أحراراً طليقين ويمكن أن يستمروا في تمويل تنظيم «القاعدة» والجماعات المتطرفة الأخرى وتقديم الدعم المادي لهم. على قطر مواصلة اتخاذ الخطوات المناسبة لتحميل هؤلاء الأفراد مسؤولية [ارتكاب أعمال إرهابية]، فضلاً عن فرض وتنفيذ تشريع شامل يمنع النشاط الإرهابي داخل حدودها وخارجها.