يمر النموذج الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي بأكبر التغيرات عمقا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي قبل خمسة وعشرين عاما، حيث قال رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، خلال الاجتماع الذي عقد في أنقرة 30 يونيو الماضي، إن المجر تقف بجانب أصدقائها، وتساند تركيا في حربها الحالية مع الاتحاد. ثمة تحول كبير يجري حاليا ليس فقط في المجر، لكن أيضا في جميع أنحاء البلقان بأكملها، ويشمل التحول تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، وروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، وتظهر خطوط عريضة جديدة للجغرافيا السياسية في منطقة البلقان، وتفتح خطوطا عريضة داخل الاتحاد الأوروبي ودوله البراجماتية الأكثر حرصا على التنمية الاقتصادية. وزار رئيس الوزراء الهنغاري، تركيا؛ لدعم الأعمال التجارية والاقتصادية بين البلدين، وحضر معه نحو نصف حكومته وحوالي 70 من رجال الأعمال؛ لبحث المزيد من الجهود في التعاون الاقتصادي الثنائي، كما التقى أوربان بالرئيس التركي، ورئيس الوزراء. مركز الطاقة لجنوب شرق أوروبا وكانت المسألة الأهم في اجتماع رئيس الوزراء الهنغاري في أنقرة، احتمال استيراد الغاز الروسي من خلال خطوط أنابيب الغاز التركي التابعة لشركة غازبروم ستريم التركية. مشروع قانون العقوبات الأمريكي الجديد على روسيا يستهدف الشركات الأوروبية التي تستخدمها موسكو لنقل الغاز، ولذلك تسرع روسيا في بناء خط أنابيب غاز عبر تركيا، ليصل إلى الحدود البلغارية وربما اليونانية. كما أن العقوبات الأخيرة التي تفرضها الولاياتالمتحدة، التي تستهدف إيران وكوريا الشمالية أيضا، تعاقب الشركات الألمانية والنمساوية التي تستثمر في خطوط أنابيب الغاز شمال الاتحاد الأوروبي. تسلسل الأحداث في بداية شهر يوليو، أعلن رئيس الوزراء البلغاري المنتخب حديثا، بويكو بوريسوف، أنه يعتزم التوقيع على اتفاقية لنقل الغاز من خط الأنابيب التركي الروسي، كما وقع اتفاقا مع جارته صربيا، التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، ومن المحتمل أن يصبح أحد أسباب قوة علاقته بروسيا، وبموجب الاتفاق الجديد ستحصل صربيا في النهاية على 10 مليارات متر مكعب من غاز غازبروم التركي. حين تولى الكسندر فوتشيتش، منصب الرئيس الصربي في 29 يونيو الماضي، أصبحت آنا برنابيتش، رئيسة للوزراء، وأكدت للبرلمان أنها تسعى لسياسة خارجية ومتوازنة، وأن حكومتها تسعى لإقامة علاقات طيبة مع روسيا والصين، وعارض وزير الدفاع الجديد لصربيا، الكسندر فولين، واشنطن بشدة، ومعروف بولائه لروسيا، حيث التقى ببوتين قبل تعيينه، وأكد على توثيق العلاقات بين البلدين. وبعد اتفاق الحكومة الهنغارية على استيراد الغاز عبر الأنابيب التركية في 5 يوليو الماضي، أكد أردوغان في مؤتمر النفط العالمي الذي عقد يومي 9 و11 يوليو في اسطنبول، أن تركيا تهدف لأن تصبح مركزا للطاقة يصل الشرق والغرب والشمال والجنوب. باختصار، ما يحدث الآن، عملية إعادة تنظيم رئيسية جديدة تجمع بين دول البلقان وروسياوتركيا، ففي ديسمبر 2014 بعد أن ضغطت لجنة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، بدعم من واشنطن، على الحكومة البلغارية لإلغاء الاتفاق مع شركة غاز غازبروم، أعلن الرئيس الروسي بوتين أن خط أنابيب الغاز الجنوبي لم يعد ذو فائدة، وفي الوقت نفسه، بدأت روسيا مفاوضات مع تركيا بشأن البديل التركي. وفي الأشهر الأخيرة، إذ أصبحت سياسات بروكسل مرهقة، تحولت بلدان أوروبا الشرقية، وخاصة المجر والجمهورية التشيكية وبلغاريا، نحو الشرق الأوسط وأوراسيا، خاصة روسيا والصين. وفي فبراير 2017 خلال زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى بودابست، وقعت المجر عقدا بقيمة 17 مليار دولار مع مجموعة روساتوم، وهي شركة الطاقة النووية الحكومية الروسية لبناء مفاعلين في محطة باكس للطاقة النووية، المحطة النووية الوحيدة في البلاد. تمتلك روسيا أيضا حصة 51٪ في شركة مشروع تشيكي، تحالف الطاقة النووية، جنبا إلى جنب مع التشيك سكودا جس التي تساهم في إنشاء عدة محطات تشيكية نووية، وتعتبر خطة الطاقة الوطنية التشيكية الأخيرة للكهرباء النووية وسيلة آمنة لتحقيق أهداف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي كما تفعل المجر. كما اختارت الحكومة التركية روساتوم الروسية لبناء أول محطة للطاقة النووية، وهي محطة أكويو النووية، تحتوي على أربعة مفاعلات بالقرب من البحر المتوسط في جنوبي تركيا عبر قبرص، ويجري بناء الوحدة الأولى التي تبلغ تكلفتها 20 بليون دولار من قبل تعاون روسي تركي مع مجموعة البناء التركية، سينجيز كاليون، وسيبدأ تشغيلها رسميا في عام 2023. أهمية صفقات الغاز الطبيعي والكهرباء النووية بين روسيا والمجر وجمهورية التشيك وصربيا وبلغاريا وتركيا تخلق رعبا لواشنطن، وتحول منطقة البلطيق من منطقة يائسة، كما يعتقد الاتحاد الأوروبي إلى منطقة مهمة. تعمل العديد من دول البلقان بشكل واضح على تطوير علاقاتها الاقتصادية مع روسياوتركيا، وهذا يؤكد حقيقة وجود بديل للاتحاد الأوروبي، كما أن فكرة ظهور الولاياتالمتحدة القوة العظمى الوحيدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت كذبة. المصدر