كتب- لوري بلوتكين بوجارت يصادف الأسبوع القادم، وتحديداً يوم أغسطس، الذكرى السابعة والعشرين لاقتحام قوات صدام حسين حدود العراق الجنوبية واضعةً نصب أعينها هدف ضم جارتها الصغيرة الحجم، الكويت، إلى أراضيها. وفي غضون يومين فقط، كانت قواته قد استولت على الكويت بكاملها. وخلال الاحتلال الذي استمر سبعة أشهر، قام الجنود العراقيون بتعذيب وقتل مئات المدنيين، وأخذوا آلاف الرهائن، وتم نهب البلاد. وعندما أُجْبِر العراقيون على الانسحاب من قبل التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة، قاموا بإشعال النار فى 700 بئر نفط كويتي، مما أدى إلى تدمير اقتصادي وبيئي هائل. ولا يزال الغزو والاحتلال العراقييْن للفترة 1990-1991 يشكلان عنصراً أساسياً من الوعي الوطني الكويتي. فقد أظهرت هذه التجربة أكثر من أي حدث آخر في تاريخ البلاد الحديث الضعف الهائل في كونها دولة صغيرة غنية بالموارد ومحاطة بجيران أكبر وأكثر قوة في منطقة متقلبة. كما رسمت طريقة تفكير عائلة آل صباح الحاكمة في الكويت، والنخب السياسية الأخرى، وعامة الشعب حيال الأمن الإقليمي. وتحدّد هذه التجربة التاريخية إطار مقاربة الكويت تجاه أزمة الخليج الحالية التي تؤلّب ثلاث دول خليجية هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدةوالبحرين، بالإضافة إلى مصر، على دولة خليجية رابعة صغيرة هي قطر. وتتركز منهجية الكويت الأهم تجاه الخلاف مع قطر في الاضطلاع بدور الوسيط بحذر ولكن أيضاً بفاعلية. وحظيت الكويت بتأييد دولي كبير لدورها، الأمر الذي وفر بدوره المزيد من الأمن للبلاد خلال هذه الفترة المتوترة. ويُعتبر أمير الكويت الذي يقود جهود الوساطة، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أحد الشخصيات الحكيمة والمتمرسة في المنطقة. فقد أمضى عقود كدبلوماسي ووسيط، من بينها قبل بضع سنوات فقط حول نفس القضايا الأساسية مع معظم الجهات الفاعلة نفسها كما في الأزمة الحالية. وفي حين تعود تقاليد الوساطة لعقود مضت، فتركز الإمارة الخليجية على مبدأ الاستقرار أيضاً، والعلاقات الصحية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وسلامة النظام الإقليمي. وفي خطب رئيسية رسميو منذ بداية الأزمة، أعرب أمير البلاد ضيق وحسرته و"تأثره البالغ" بالتطورات "غير المسبوقة" في العلاقات بين دول المجلس، ودعا إلى وحدة وتماسك الموقف الخليجي و "رأب الصدع بالحوار. وترى الكويت أن المظلة الأمنية التي يوفرها «مجلس التعاون الخليجي» والولاياتالمتحدة إلى الدول الأعضاء أساسية لاستمرار هذه الدول وسلامتها. وكان هذا «المجلس» الإقليمي نفسه مبادرة من قبل أمير الكويت السابق، الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح. وكما قال حمد الثُنيان، باحث يحمل شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية في "جامعة ميريلاند"، "إن «مجلس التعاون الخليجي» هو هيئة مهمة جداً بالنسبة للكويت". ويفترض بهذه الإمارة الصغيرة أيضاً المضي قدماً بحذر لإقامة توازن بين الحفاظ على نهجها السياسي المستقل وبين سيادتها، مع الحفاظ في الوقت نفسه على تحالفها الأمني مع السعودية – مركز الثقل السياسي في شبه الجزيرة العربية. وهناك قلقاً في الكويت حول ما إذا كانت البلدان التي وقفت على الحياد في الأزمة الخليجية، كما فعلت الكويت وعُمان، ستكون التالية التي ستخضع للضغوط من أجل إحداث تعديلات كبيرة على سياستها. ولطالما كانت الكويت طرفاً محايداً في السياسة الإقليمية ولا تمثل التهديد نفسه للبلدان المُقاطِعة كقطر. ومع ذلك، تمتعت الكويت دوماً بحياة سياسية أكثر حيوية ومجتمع مدني أكثر قوة من معظم دول مجلس التعاون المجاورة لها. وكان ذلك أمراً يثير التحسس لدى جيرانها في بعض الأحيان، وخاصة السعودية، التي سعت للحفاظ على بيئة أكثر تقييداً داخل المملكة. جماعة الإخوان المسلمين في الكويت تشكل مثالاً على الموائمة التي تنتهجها الكويت في مختلف الأزمات وأيضاًفي سياق الأزمة الراهنة. حيث أن حركة "حدس"؛ الفرع السياسي للإخوان في الكويت، تعمل كجماعة قانونية تنافس على مقاعد البرلمان الكويتي. في المقابل أعلنت الدول المقاطعة أن جماعة الإخوان المسلمين هي منظمة إرهابية (مع قيام البحرين بالتسامح مع أنشطة تجمعات الإخوان الاجتماعية والسياسية المحلية طالما ظلت متخلية عن روابط الجماعة الخارجية). ولدى الكويت أيضاً تاريخ طويل من التسامح مع الصحافة المتنوعة مع حريات ليس لها مثيل في دول مجلس التعاون وتعتبر مناقشة السياسات الداخلية والخارجية في الكويت أمراً طبيعياً، ومرة أخرى خلافاً لأماكن أخرى في الخليج. ومن المهم ملاحظة الطبيعة النسبية التي تطبع هذه الحريات. ففي السنوات الأخيرة، اتخذت الكويت أيضاً تدابير قاسية ضد أشكال التعبير السياسي والاحتجاجات تخطت في بعض الأحيان خطوطاً حمراء ملتبسة. ما يحدث مع قطر يحمل تداعيات تؤثر على الكويت أيضاً من وجهة نظر القيادة السياسية الكويتية ونخبتها بشكل عام. أحد الناشطين الكويتيين قال لي لو عملت الدول المقاطعة على إجبار قطر على تغيير قيادتها، أو تفرض بالقوة على القيادة الحالية في الدوحة إعادة توجيه سياستها الخارجية بالكامل، فإن ذلك سيشكل تهديداً للاستقلال السياسي الكويتي أيضاً. بالتوازي مع هذه الأزمة، تتصاعد التوترات في الكويت لأسباب لا علاقة لها بأزمة قطر. وهناك قلق متزايد بشأن أنشطة الميليشيات المسلحة الشيعية المرتبطة بإيران، التي تشمل قوات الحشد الشعبي و حزب الله، عبر الحدود في العراق التي يمكن أن تشكل تهديداً للكويت. وقد ازداد التوتر الطائفي داخل البلاد بعد صدور حكم قضائي نهائي في 16 يوليو ضد مواطنين شيعة ومواطن إيراني ]خلية العبدلي[ بتهمة "التخابر" مع إيران و حزب الله والتخطيط للقيام ب "أعمال عدائية" ضد الكويت وحيازة كميات كبيرة من الأسلحة. وتقوم الكويت بطرد دبلوماسيين إيرانيين من البلاد. وهذه الظروف الحساسة بالنسبة للكويت، كما وصف ذلك الناشط الكويتي، "تجعل التحالف الاستراتيجي مع السعودية أكثر أهمية". منهج الكويت إزاء الأزمة الخليجية أدى لألتفاف وطني كبير يبدو من خلاله أن الأمير يحظى بتأييد واسع بين مواطنيه بسبب دوره الإيجابي في هذه الأزمة: حمد الثيان يقول لي: "يمكنني القول بسهولة إن الغالبية الساحقة تؤيد الجهود المستمرة التي يبذلها الأمير(..) معظم الكويتيين فخورون بمعالجة الأمير للأزمة ومتحدون خلفه بصورة لم نراها في السنوات الأخيرة". وهو ما يتشارك مع عبد الله الخنيني، باحث مساعد في "معهد الرأي للدراسات والبحوث الاستراتيجية" في الكويت: "نحن جميعاً نثمن هوية ومبغى أميرنا الذي يمثل وساطة الكويتيين". وحتى يبدو أن هناك نزعة قومية تستعيد نشاطها في الكويت مرتبطة بتأييد الكثيرين لموقف دولة قطر الصغيرة. فقد قالت الدكتورة الكاظمي: "إن الأزمات السياسية المفاجئة التي تهدد الإمدادات الغذائية تثير ذكريات راسخة في أذهان الكويتيين الذين عاشوا خلال الحرب العراقية". وفي وقتٍ تحظّر فيه السعودية والإمارات أي انتقادات لسياستهما تجاه قطر، يشعر الكثير من الكويتيين بالامتنان إزاء المساحة الأوسع نطاقاً للجدال السياسي في بلدهم. وفي هذا الإطار، يقول الخنيني: "إن قدرتنا على مشاركة رأينا حول هذه القضية عبر وسائل الإعلام، ومتابعة المناقشات الرامية لمعالجة القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجعلني أدرك قيمة دستورنا". ولقد برزت مؤشرات على إقدام الدول الرئيسية التي قاطعت قطر على ممارسة ضغوط على الكويت لتحذو حذوها. ويتمثل التحدي الذي يواجهه أمير الكويت في إيجاد حل للأزمة يعالج أسباب امتعاض الدول المجاورة من دون خلق تصوّر بأن قطر تفقد استقلاليتها في خضم العملية. ويدعم شركاء الكويت الأمريكيون دور الأمير، كما اتضح عندما اتخذ وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من الكويت قاعدة لإجراء "دبلوماسيته المكوكية" في الخليج في يوليو. وسيكون من الحكمة أن تواصل واشنطن العمل مع الكويتيين للمساعدة في تعزيز موقفهم وحمايتهم من العواقب السلبية لدورهم المتوازن.