كتب: ربيع السعدني – هاني أحمد قبل 66 يومًا حذر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في كلمة له أمام مؤتمر لعرض نتائج إزالة التعديات على أراضي الدولة، من وجود جُزر طرح نهر النيل يوجد على أراضيها تعديات كثيرة، ومن ثم غير مسموح البقاء فيها، وقال حرفيًّا: «فيه جزر موجوده في النيل وطبقًا للقانون المفروض ميبقاش حد موجود عليها». وطالب السيسي بتحويلها إلى محمية طبيعية أو إزالة البناء عليها قائلًا: «يا إما محميات يا إما مش مسموح لحد يكون موجود عليها، منها مثلًا جزيرة في وسط النيل مساحتها أكتر من ألف و250 فدانًا، مش هاذكر اسمها وابتدت العشوائيات تبقي جواها وناس تبني ووضع يد ويبني عليها، وأكتر من 50 ألف بيت هناك بيصرفوا في النيل اللي بنشرب منه وتقولي بعد كده اعملي محطات صرف ومحطات معالجة». وعقب كلمة السيسي في مطلع شهر يونيو أصدر المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا صادمًا باستبعاد 17 جزيرة من تطبيق قرار رئيس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998 الخاص باعتبارها محميات طبيعية، حيث تعد جزيرة الوراق أحد أشهر هذه الجزر، القرار تضمن إعلان تلك الجزر مناطق إدارة بيئية، على أن يكون دور وزارة البيئة وأجهزتها معاونة الجهات المختصة في وضع الضوابط والشروط البيئية للأنشطة الواقعة عليها، وذلك يوم 15 من الشهر ذاته. عُلم ويُنفذ لم تكذّب الأجهزة الأمنية خبرًا، حتى فوجئ أهالي الجزيرة صباح أمس، البالغ عددهم نحو 60 ألف مواطن يقيمون على نحو ألف و600 فدان في قلب النيل، بحملة أمنية مفاجئة لتنفيذ قرارات إزالة المباني المخالفة تنفيذًا لتعليمات رئيس الجمهورية بشأن مواجهة المتعدين على أراض الدولة بكل حزم. تصاعدت حدة الاشتباكات بين قوات الشرطة وأهالي الجزيرة الذين رفضوا قرارات الإزالة، وأسفرت عن مصرع مواطن لم يتعدى الثلاثين بعد، يُدعى سيد حسن الجيزاوي، الشهير ب«سيد الطفشان» نتيجة إصابته بطلقات خرطوش في الوجه والظهر والبطن، ووقوع 19 مصابًا في صفوف الاهالي لرفضهم قرارات الإزالة المفاجئة. جزيرة وراق العرب واحدة من أكبر الجزر المصرية التي تقع في قلب نهر النيل من بين 391 جزيرة نيلية، و على الورق تعتبر محمية طبيعية طبقًا لقرار وزاري صادر عن رئيس مجلس الوزراء برقم 1969 لسنة 1998، لكنها في حقيقة الأمر لا تخل من الصدامات خلافات المتكررة بينها وبين الدولة حينًا، وبين الأهالي والمستثمرين في كثير من الأحيان، ويحاول كل طرف إثبات أحقيته بملكيتها ما بين سندات ملكية وحُجج وأحكام قضائية. بداية النزاع كانت عام 2002 حين رفع سكان الجزيرة دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة تفيد بملكيتهم للأراضي وحصلوا على حكم محكمة بأحقيتهم في الأرض، وأكد الأهالي آنذاك أنهم يمتلكون مستندات ملكية وعقود مسجلة بالشهر العقاري تثبت هذه الملكية الخاصة من أيام المحاكم المختلطة، تؤكد أن الجزيرة خاصة بهم، وأن الدولة لا تمتلك منها سوى 60 فدانًا فقط «30 فدانًا ملك وزارة الأوقاف أجرتها للفلاحين و30 أخرى أملاك دولة، استأجرها الأهالي بحق الانتفاع». من جديد تصاعدت حدة الخلافات بين الحكومة والأهالي منتصف عام 2010 في عهد حكومة المهندس أحمد نظيف؛ لرغبة الدولة في تطويرها عن طريق أحد المستثمرين، وأصدر رئيس الحكومة وقتها قرارًا بترسيم وتوقيع الحدود الإدارية النهائية لخمس محافظات، من بينها جزيرة الوراق ورفض الأهالي الخروج إلَّا «على جثتهم»، واستمروا في الجزيرة حتى الآن. محور روض الفرج غالبية سكان الجزيرة يعملون في الصيد لوقوعهم في قلب النيل، ويمتهنون الزراعة ويعيشون على الكفاف، ولا يعرفون مظاهر المعيشة الحديثة، ويشربون المياه عبر طلمبات حديدية قديمة، ويصرفون مخلفاتهم في طرنشات لم يتم تجديدها منذ سنوات طويلة، ومعدية خشبية متهالكة تقلهم إلى أماكن عملهم خارج الجزيرة، والحكومة ترفض توصيل خدمات الحياة الضرورية لهم من مرافق مياه وكهرباء وغاز وصرف صحي، وعقب أحداث ثورة 25 يناير 2011 ترددت أنباء في صفوف أهالي الجزيرة عن محاولات رجال أعمال بارزين لإخلاء الجزيرة من السكان لإقامة منتجع سياحي استثماري، لكن بسبب عدم استقرار الدولة والانفلات الأمني الذي أعقب الثورة تم إلغاء المشروع بشكل مؤقت، حتى قررت الحكومة خلال العام الماضي إنشاء محور روض الفرج. كانت تلك بداية المواجهات المباشرة بين قوات الشرطة وسكان الجزيرة، وتعرضت منازل المواطنين للهدم أثناء تنفيذ المشروع، فاحتجوا وطالبوا بالتعويض العادل لأصحاب المنازل التي هدمت جراء المحور الذي يمر داخل الجزيرة. مركز للمال والأعمال في المقابل رفضت الحكومة كل ذلك، وتمسكت بحق الدولة في الجزر النيلية، وردت عليهم بأن جزيرة الوراق ليست ملكًا للأهالي وأنهم حصلوا عليها بوضع اليد وأنهم بصدد إعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية الذي تم إعداده عام 2010، على أن تكون جزيرة الوراق هي البداية لتتحول إلى مركز كبير للمال والأعمال. وتهدف خطة الحكومة إلى تحويل جزء من الجزيرة إلى مركز للمال والأعمال، وتقنين أوضاع المقيمين على الجزيرة بشكل يحفظ للدولة حقها في أرضها، بالإضافة إلى بناء بعض التجمعات السكنية للمواطنين المتواجدين منذ سنوات، وتوصيل المرافق كافة الأساسية الضرورية للحياة من صرف صحي ومياه وغاز وكهرباء. مخطط تطوير الجزر النيلية ليست تلك هي المرة الأولى التي تتم فيها محاولات إخلاء جزيرة الوراق، حيث سبق وتكررت تلك المحاولات أكثر من مرة تنفيذًا لمخطط إخلاء الجزر النيلية على امتداد النيل، حيث حاول نظام مبارك في عام 2010 إخلاء الجزيرة، لكن تم تأجيل المشروع بسبب تحذيرات أمنية وغضب الأهالي. وعقب كلمة السيسي كشفت تقارير صحفية عن تكليف وزارة الإسكان وهيئة التخطيط العمراني بإعادة إحياء المخطط مرة أخري بناء علي تعليمات مؤسسة الرئاسة، وأن تكون جزيرة الوراق الخطوة الأولى لتنفيذ المخطط. وأكد رئيس الهيئة العامة للمساحة، التابعة لوزارة الموارد المائية والري، أنه من المقرر تنفيذ أعمال الرفع المساحي في 81 جزيرة في النيل، بإجمالي مساحة تصل إلى 35 ألف فدانًا من بينها جزيرة الوراق في نفس السياق قال محمود الصعيدي، نائب أوسيم والوراق: هناك إشاعات تترد منذ شهر رمضان الماضي بأن هناك مشروعًا اقتصاديًّا لصالح بعض المستثمرين، لذلك لابد أن يكون هناك تهجير لجميع الأهالي وهذا غير صحيح، مشيرًا إلى أن ما حدث في الوراق كان تنفيذًا لبعض قرارات المباني المخالفة، كما يحدث في جميع المحافظات، وأضاف الصعيدي أن هناك تعاملًا خاطئًا من الطرفين؛ خاصة من جانب الجهات الرسمية، حيث لم تخبر الأهالي أو نواب الدائرة كتمهيد لتنفيذ قرار الإزالة.