استعمار أجنبي بشكل آخر يأخذ الطابع الروحاني بإضفاء الشرعية الدينية المسيحية، الكنيسة الأرثوذكسية بالقدس تحكمها الرئاسة الروحانية اليونانية التي سيطرت عليها عبر (جمعية القبر المقدس) في حوالي عام 1534م، وتعتبرها إرثاً يونانيًّا بعيداً عن الطابع الوطني العربي لمسيحيي الشرق، فقد عكفت السلطات العثمانية آنذاك على تسليم زمام أمور الكنائس الأرثوذكسية إلى الرهبان اليونان لتمكنهم من السيطرة على كنائس هي بالأصل عربية، وعلى كنائس أرثوذكسية أخرى تقع ضمن مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية، ككنيسة أنطاكيا وسائر كنائس المشرق، وكنائس البلقان، لكن تلك الكنائس تحررت ممن استولوا عليها من الرهبان اليونان مع سقوط الدولة العثمانية وعادت لأهل بلدانها الوطنيين، ما عدا الأرثوذكسية المقدسية في القدس التي لا تزال تحت سيطرة الرهبان اليونان، في حين يحاول المسيحيون العرب التواصل بكل الطرق والوسائل مع الرئاسة الروحية في ظل إصرارها على المضي بسياسة التفريط بأوقاف الكنيسة وبيعها بأثمانً بخسة لشركات صهيونية ومؤسسات حكومية وغير حكومية تتبع للاحتلال، وتمتلك الكنيسة حوالي ربع القدس القديمة، إضافة إلى امتلاكها أراضٍ شاسعة، وأديرة، ومقابر، خارج البلدة القديمة في القدس، فضلاً عن عقارات في مدن فلسطينية كبرى. ووفقاً لسجلات الكنيسة كما ذكرها السيد مروان طوباسي في إحدى مقالاته إنها تمتلك نحو 18% من مساحة غربي القدس و17% من مساحة القسم الشرقي من المدينة، أي 35% من المساحة العامة للقدس بشطريها. وقامت رئاسة البطريركية المقدسة ببيع قسمٍ لا بأس به من أوقاف الكنيسة للإسرائيليين، إما عن طريق البيع أو الإيجار طويل الأمد لمدة 99 سنة، فقد باعت الكنيسة الأرثوذكسية مقبرتها، وأراضي دير مارسابا في بيت لحم، وباعت أيضاً أراضي جبل أبو غنيم في القدس، التي تحولت إلى مستوطنة صهيونية كبيرة، باسم (هارحوما)، وأجرت لأجل طويل أكبر مأوى لحجاج القدس من "المسكوب" أو أهل موسكو، والذي أقيم عليه اليوم معتقل(المسكوبية) سيء السمعة، وأراضي جبل أبي طور، كان آخرها ساحة عمر بن الخطاب في البلدة القديمة في القدس والتي على إثرها أُجبر المجمع المقدس في الكنيسة الأرثوذكسية على إقالة بطريرك الروم الأرثوذكس أرينيوس الأول بداية شهر أيار 2005، لضلوعه في قضية بيع ممتلكات تعود للكنيسة لمستثمرين يهود ناشطين في مجال الاستيطان، وهي القضية التي كشفت النقاب عنها صحيفة معاريف الإسرائيلية في تقريرها يوم الثامن عشر من آذار عام 2005. لكن الأمر لم ينته عند إقالة البطريرك الأرثوذكسي أرينيوس الأول بل استمر مسلسل التفريط بالممتلكات واستمر نضال المسيحين العرب في سبيل التحرر من التسلط الأجنبي على الكنسية مطالبين بتعريب الكنيسة وإعاتها إلى الحضن الوطني العربي كحل لحماية الممتلكات من الضياع، خصوصاً وأنَّ الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي هو صراع الأرض قبل الإنسان. ويبلغ العرب المسيحيون حوالي 90% من رعايا الكنيسة الأرثوذكسية، ورغم ذلك فهم مستبعدون من تولي منصب البطريرك، حيث يتم عادة اختيار البطريرك من قبل أعضاء المجلس المقدس في الكنيسة وجل أعضائه من رجال الدين اليونان الذين يسيطرون على مقدرات الكنيسة الأرثوذكسية خلافا لرغبة رعاياها العرب الذين يخوضون منذ نحو مائتي عام معركة لتعريب كنيستهم وتحريرها من أيدي رجال الدين اليونان. في الآونة الأخيرة طفت على السطح صفقة بيع جديدة على يد البطريرك ثيوفيلوس وسميت هذه الصفقة التي أجرتها بطريركية الروم الأرثوذكس مع شركات إسرائيلية بصفقة (رحابيا) نسبة إلى حي بالقدس، وموجبها بيع نحو 528 دونمًا من أملاك البطريركية في القدس لشركات إسرائيلية، مما أثار حفيظة المسيحين العرب وطالبوا بإقالة البطريرك لإيقاف مسلسل استنزاف الأراضي، حيث أصدر المجلس المحلي الأرثوذكسي في عكا بيانا حاد اللهجة أعلن فيه مقاطعته للبطريرك ثيوفيلوس الثالث وطالب فيه برحيله بسبب بيعه أراضي الكنيسة في مناطق مختلفة، ووفقا لنظام الأخوية للقبر المقدس المكون من 13 بندا، أعطت البطريرك السيطرة المطلقة على الكنيسة، ويحق له بيع وتأجير الأراضي، ويعتبر هذا النظام كل أملاك الكنيسة في القدس إرثا يونانيا، في حين يستمر العرب بالمطالب بتعريب الكنسية الأرثذوكسية للتخلص من الهيمنة اليونانية والتي ازادات بعد هزيمة عام 1967 وسقوط القدس بيد الاحتلال الاسرائيلي حيث تعامل مع بعض الأراضي على أنها أملاك غائبين أو بوضع اليد ناهيك عن الهيمنة العسكرية، لذلك لا نريد أن يأخذ طابع التفريط بالأراضي الطابع الديني خصوصاً وأنَّ المسيحيين والمسلمين في فلسطين شركاء بالوطن وشركاء في النضال من أجل التحرر الوطني. كاتب فلسطيتي