تجسد مشهد الولادة الجديدة للمعارضة التركية، أمس الأحد، عندما اقتربت مسيرة من أجل العدالة التي نظمها حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة وضمت ما يقرب من مليوني شخص مناهضين لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. المسيرة بدأت قبل حوالي 3 أسابيع وقطعت مسافة أكثر من 450 كيلو مترا من أنقرة إلى اسطنبول ورفعت شعار "دفاعا عن ديمقراطية البلاد"، وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليجدار أوغلو، إن المعارضة "ستهدم جدران الخوف"، في إشارة إلى الهدوء الذي ضرب الشارع السياسي التركي بعد محاولة الانقلاب في يوليو من العام الماضي، والتي اعتقل على إثرها الآلاف وعزل مئات آلاف الموظفين من مناصبهم الحكومية بما فيها الجيش والشرطة والقضاء. حاول الرئيس التركي بكل الطرق أن يوقف المسيرة والمظاهرات وذلك عبر تخوين المشاركين بها، واصفًا إياهم بالمساندين للإرهابين، وهددهم بالاعتقال والملاحقة القضائية، وذلك بعد شهور قليلة من تجديد فرض حالة الطوارئ، وتمريره للاستفتاء على التعديلات الدستورية التي عززت من صلاحياته الرئاسية، ويبدو أن أردوغان فشل بكل هذه الأسلحة في أن يؤثر على المسيرة وقوتها وما أحدثته من تداعيات كان أبرزها على الإطلاق ولادة جديدة للمعارضة التركية. بعد أكثر من 3 أعوام من مظاهرات المعارضة الحاشدة في منطقة تقسيم باسطنبول التي استمرت شهورا على خلفية قضية فساد كبرى، بدأت المعارضة التركية في الظهور بشكل جديد وذلك بعد انتهاج أردوغان سياسات مختلفة أنتجت هذا الغضب الكبير. وتعتبر هذه الاحتجاجات التي شهدتها اسطنبول، الثالثة التي تخرج فيها المعارضة بأعداد كبيرة، وكانت الأولى احتجاجات متنزه جيزي بتقسيم في المدينة نفسها عام 2013، والثانية في أبريل الماضي بسبب الاستفتاء الذي أيد فيه الناخبون بهامش ضئيل الصلاحيات الجديدة لأردوغان. المعارضة التركية أكدت أن تحركها جاء على خلفية اشتداد القبضة الأمنية في الآونة الأخيرة وتكميم أفواه المعارضين، وإفساح المجال لسياسات أكثر سلطوية من شأنها تعزيز حكم أردوغان وحزبه للجلوس على كرسي الحكم أطول فترة ممكنة مع التحكم في القضاء والشرطة والجيش، وعمل أردوغان على تخوين كافة المعارضين وهو أمر استخدمه في فترة سابقة إزاء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي واعتقل على إثره عددا من النواب الأكراد. ويستخدم أردوغان سياسات شيطنة المعارضة وإرهابها مع حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، الذي يقول إنه يواجه حملة قمع من جانب السلطة خلال الفترة الراهنة، لاسيما بعد اعتقال قياداته والتلويح بإدراجه على قوائم الإرهاب. وكانت قضية بربر أوغلو، أحد نواب حزب الشعب الجمهوري، الذي قضت المحكمة بسجنه 25 عامًا بتهمة الكشف عن أسرار الدولة، الشرارة المسببة للأزمة بين المعارضة وأردوغان، حيث نشر عام 2015 صورًا وفيديو تظهر الاستخبارات التركية وهي تسعى إلى نقل أسلحة عبر الحدود إلى سوريا، ورفض الحزب المعارض الحكم واعتبره مسيسا وهو الأمر على إثره رفعت المسيرات شعار من أجل العدالة في إشارة إلى أن سلطات الرئيس التركي الجديدة تمكنه من السيطرة على القضاء لإصدار أحكام عرفية من شأنها أن تهدد نزاهة المؤسسة القضائية. وصلت المسيرة المناهضة للرئيس أردوغان، أمس، إلى مدينة إسطنبول، وقال قائد المسيرة قليجدار أوغلو، البالغ من العمر 68 عاما أمام التجمع الحاشد، إن البلاد تعيش تحت حكم ديكتاتوري، وتعهد بمواصلة تحدي الحملة التي شنتها السلطات عقب محاولة انقلاب فاشلة العام الماضي، وأضاف: "لا يظن أحد أن هذه المسيرة هي الأخيرة.. يجب أن يعلم الجميع أن اليوم التاسع من يوليو يشكل مرحلة جديدة ويشهد ولادة جديدة" ورد الحشد عليه بالهتاف "حقوق.. قانون.. عدالة"، قبل أن يدعو الحكومة إلى رفع حالة الطوارئ التي فرضتها بعد محاولة الانقلاب والإفراج عن عشرات الصحفيين وإعادة الاستقلال للمحاكم التركية. كانت حملة أمنية موسعة أعقبت محاولة الانقلاب على أردوغان، قد اعتقلت السلطات نحو 50 ألف شخص وأوقفت عن العمل نحو 150 ألفا منهم مدرسون وقضاة وجنود، لينفجر الغضب الشعبي أخيرا عبر هذه المظاهرة المليونية. وقال قليجدار أوغلو: "العهد الذي نعيش فيه هو عهد الديكتاتورية"، وتقول جماعات حقوقية إن تركيا تتحول إلى دولة سلطوية منذ سنوات، وهي عملية تسارعت وتيرتها منذ محاولة الانقلاب، فيما انتقد أردوغان، زعيم حزب الشعب الجمهوري عندما بدأ مسيرته قائلا إن العدالة تطلب في البرلمان وليس في الشارع، وشبه المحتجين بمن نفذوا محاولة الانقلاب قائلا إنهم قد يواجهون اتهامات.