في الوقت الذي تشهد مصر تهديدا لأمنها المائي بسبب سد النهضة الإثيوبي، وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين العديد من الدول الإفريقية ومصر بعض التوتر، وبينما تتجه أنظار العالم إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا حيث تعقد القمة الإفريقية ال29 بمشاركة 24 رئيسًا إفريقيًّا، فضّل الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن يطير إلى المجر لحضور مؤتمر "فلجراد فيش" وكلف المهندس إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجىة برئاسة وفد مصر بدلًا منه. محلب في إثيوبيا تحت شعار "تسخير العائد الديموجرافي من خلال الاستثمار في الشباب"، انطلقت القمة الإفريقية في دورتها ال29 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الثلاثاء الماضي، بحضور 24 رئيس دولة، وملك واحد، و9 رؤساء حكومات، و9 نواب رؤساء، وأمير واحد، مع تغيب الرئيس السيسي عن القمة للمرة الثانية إذ لم يحضر القمة السابقة في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، وتفويض رئيس الوزراء شريف إسماعيل، لرئاسة وفد مصر في القمة، والذي اعتذر بدوره عن المشاركة بحجة متابعة آثار زيادة أسعار المحروقات التى أعلنتها الحكومة قبل أيام، وتكليف المهندس إبراهيم محلب، برئاسة وفد مصر. جدول أعمال القمة كان مكدسا بالقضايا التي تهم القارة الإفريقية عامة ومصر على وجه التحديد، حيث تمت مناقشة عده قضايا هامة سياسية واقتصادية وأمنية، أبزرها مكافحة الإرهاب، ومناقشة قضايا السلم والأمن الإفريقي، كما استعرضت القمة التقارير الخاصة بنتائج الأوضاع في ليبيا لتطرح القمة توصياتها من أجل تعزيز الأمن في تلك الدولة، وناقشت القمة أيضًا ملف جنوب السودان، الذي يعاني ويلات انفصاله عن السودان منذعام 2011، كما ناقشت القمة الأزمة الخليجية داعية إلى موقف إفريقي موحد. بالتزامن مع انعقاد القمة الإفريقية، توجه الرئيس السيسي إلى بودابست، حيث بدأ الأحد الماضي، زيارة رسمية إلى المجر لحضور قمة دول تجمع "الفيش جراد"، التي تضم المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا، وجاءت الزيارة تلبية لدعوة رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، حيث عقد الطرفان منتدى اقتصاديا "مصريا مجريا"، فضلًا عن عقد لقاءات مع عدد كبير من الشركات المجرية التي تعمل في مجالات الطاقة وتصنيع السيارات والمعدات الثقيلة والجرارات لبحث خططها الاستثمارية الجديدة في مصر. فقدان الأمل تغيب الرئيس السيسي عن القمة الإفريقية وعدم إنابته لوزير الخارجية سامح شكري، بل تفويض مستشاره محلب، بقيادة الوفد في القمة، أثار العديد من التساؤلات حول تراجع اهتمام القيادة المصرية بأزمات وقضايا القارة الإفريقية مقابل التوجه إلى الدول الأوروبية والغربية، وتلاشي الدول المصري في القرن الإفريقي خاصة مع تدهور العلاقات بين القاهرة وبعض دول القارة وعلى رأسها إثيوبيا والسودان. بعض المحللين قالوا إن الرئيس السيسي اختار 3 من أكثر الدول الأوروبية فشلًا وعنصرية للتقارب معها على حساب الدول الإفريقية التي تربطها علاقات وثيقة بمصر وتشترك في مستقبل واحد سواء في مجال الإرهاب أو الاستقرار الوطني، فيما أرجع البعض هذا التغيب إلى وجود شكاوى حقوقية عديدة تم تقديمها للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان ضد النظام المصري تتعلق بأحكام الإعدام، وهي الشكاوى التي قد تؤدي إلى مناقشة مسألة تجميد عضوية مصر بالاتحاد الإفريقي لعدم التزامها بميثاق الاتحاد لحقوق الإنسان. في المقابل، برر بعض السياسيين تغيب الرئيس عن القمة الإفريقية واختياره التوجه إلى المجر، بفقدان القيادة المصرية الأمل في الوصول إلى حلول جديدة في أزمة سد النهضة الذي بات إنشاؤه وتشغيله أمرًا واقعيًا، كما أن هذا التغيب رسالة غضب سياسية من مصر إلى بعض الدول الإفريقية، الأمر الذي دفع الرئيس إلى التوجه نحو الدول الأوروبية في محاولة لفتح قنوات اتصال جديدة وتعزيز العلاقات معها، لدعم الاقتصاد المصري والترويج لإقامة عدد من المشروعات، خاصة بعد صدور قانون الاستثمار، كما أن الزيارة جاءت بدعوة من رئيس الوزراء المجري لتحمل مؤشرات على قيمة مصر الكبيرة في المنطقة، خاصة أن مصر هى أول دولة من الشرق الأوسط تدعى لحضور هذه القمة، حيث سبقتها ألمانيا واليابان فقط، وأكد البعض أن دول "الفيش جراد" صارت قوة مؤثرة داخل الاتحاد الأوروبي. ورأى بعض الخبراء أن العلاقات المصرية المجرية اتجهت إلى مزيد من التعزيز والتعمق وتبادل للزيارات خلال السنوات الأخيرة، حيث زار الرئيس السيسي بوادبست عام 2015، وزار رئيس الوزراء المجري القاهرة العام الماضي، فضلًا عن عدة زيارات لوزير الخارجية المجري، وبرر البعض تفضيل القيادة المصرية للمجر على حساب إفريقيا بأن بودابست يجمعها تعاون اقتصادي كبير مع القاهرة، وزاد حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الربع الأول من العام الجاري ووصل إلى نحو 200 مليون دولار.