(1) ضرورة توحد القوى الوطنية بكل أطيافها، أصبحت فكرة مطروحة للمناقشة فى هذه الفترة نظرا للحاجة إليها، وكما يقال الحاجة أم الاختراع، و الهدف: عدم التفريط فى أرض الوطن وتوفير حياة كريمة آمنة للمواطن، هذه الدعوة فتحت باب الجدل حول مشاركة جماعة الإخوان المسلمين ضمن هذه القوى الوطنية، وهل سيتم دمجها فى المشهد الراهن أم استبعادها. من يميل إلى انضمام الإخوان يضع شرطا لذلك أن يشارك اعضاء الجماعة بصفتهم مواطنين مصريين وليسوا أعضاء فى التنظيم المنحل والمُجرم قانونا، وهنا يكون لهم ما للمصريين من حقوق وعليهم ما على المصريين من واجبات، ويطبق عليهم مفهوم المواطنة دون تمييز، ولكن هناك من يرى أنه حتى لو حدث ذلك ، فهؤلاء لاعهد لهم، و انتمائهم سيكون فى النهاية للتنظيم الدولى وليس لمصر، و لن يكونوا يوما ضمن نسيج الوطن ولن يقبلوا بمفهوم المواطنة … وكأنهم لا يحملون الجنسية المصرية أو مرضى جذام يجب عزلهم بعيدا عن المجتمع. (2) اتفاقية تيران وصنافير فتحت الباب أمام دعوات التجمع والتوحد والمصالحة، فقد استشعرت فئات كثيرة فى المجتمع المصرى بالخطر على بلدهم وعدم قدرتهم على إيقاف النظام، الذى يقبض بيد من حديد على كل السلطات، ويمارس القهر على معارضيه ولا يسمح بالمشاركة فى الرأى أو المراجعة فى القرار، بل يميل إلى الاستبداد والقوة الغاشمة. القوى الوطنية وجدت نفسها مبعثرة وغير منظمة ، وهو ما جعلها تفكر فى فتح صفحة جديد من العمل السياسى الوطنى، مع مراجعة شاملة لما حدث منذ ثورة يناير وحتى الآن مرورا ب 30 يونيو، لمعرفة الأخطاء التى وقعت فيها القوى الوطنية التى شاركت فى الثورتين، والاعتراف بالخطأ هو أول طريق التصويب، ثورة يناير تم اختطافها من جانب الإخوان وعلى مسمع ومرأى وموافقة من المجلس العسكري، و ثورة 30 يونيو اختطفها فلول نظام مبارك… وفى الحالتين وقف المشاركون الحقيقيون فى الثورتين شهود على ضياع أحلامهم التى دفع ثمنها مقدما شهداء الثورة الأبرار. (3) سنوات ما بعد ثورة يناير، جعلت الجميع يدرك أن المؤسسة العسكرية جزء أصيل فى معادلة الحكم فى مصر ولا يمكن تجاهلها، وأن الإخوان تنظيم سياسى منظم وقوى و له طموح وطمع فى السلطة، ويعتمد فى ذلك على تواجده فى الشارع ما بين أعضاء للجماعة وأنصار متعاطفين معه، ومن يريد حدوث حراك سياسى فى مصر لابد أن يتعامل مع هذه الوقائع. الجيش مؤسسة انتمائها للدولة المصرية ولها عقيدة واضحة وهو الحفاظ على كيان الدولة (من ينتقد الجيش لعدم تدخله فى اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير، يجب أن يدرك أن المؤسسة العسكرية المصرية تربت على عدم شق عصا الطاعة بالنسبة لقرارات القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو رئيس الجمهورية ولقد حدث ذلك من قبل فى كل الحروب التى خاضتها مصر وهو نفس ما حدث مع اتفاقية كامب ديفيد)، أما عقيدة الإخوان ، فهى تغليب مصلحة التنظيم الدولى والجماعة على مصلحة الأوطان ، ومازال من بينهم من يتحدث عن عودة مرسى للحكم، رغم علمهم أن قطاعات كبيرة من الشعب المصرى لم تكن راضية عن حكم الرئيس مرسى الذى كان منصاعا لأوامر جماعته، وأخلف وعوده مع شركاء الثورة ولم يحترم مطالب الشعب وهويته، وأنا كنت ومازلت على قناعة بأخطاء الإخوان الكارثية فى الحكم . (4) تعقيدات المشهد الحالى جزء كبير منها يعود إلى سلوك جماعة الإخوان بعد ثورة يناير، فلقد تراجعوا عن وعدهم بالمشاركة لا المغالبة وطمعوا فى الجمع بين السلطات، حصلوا على أغلبية فى مجلس الشعب والشورى ولكنهم لم يكتفوا بذلك وخاضوا الانتخابات الرئاسية رغم وعود سابقة بعدم المشاركة فيها، فجمعوا بين السلطة التشريعية والتنفيذية، وشعر المصريون بغصة من تصرفاتهم واستئثارهم بالحكم وثاروا عليهم. الحديث عن اللبن المسكوب غير مفيد الآن، أخطاء الإخوان وقعت فيها قوى وطنية أخرى بعد 30 يونيو، حين بحثت لها عن دور وبقعة ضوء، وغلبت مصالحها الذاتية على مصلحة الوطن ووقعت فى نفس الغواية… ومن ثم خرج الجميع من المشهد خاسرين نتيجة أطماعهم وتفكيرهم الأنانى. (5) المصريون فى مأزق، حتى المؤيدين للسيسى، الجميع يدرك، حتى وإن لم يعترفوا بذلك علانية، أن الواقع الحالى لا يمكن أن يصنع مستقبلا واعدا بل العكس، فنحن نصعد بالفعل نحو الهاوية رغم معاناة الصعود، والنظام الحاكم يطبق نظرية الأرض المحروقة ونسف الجسور، فمصر غارقة فى الدين المحلى والخارجى، أرضها منقوصة، وشعبها أصابه الوهن بسبب ما مر به خلال السنوات الست التى تلت ثورة يناير، بالإضافة إلى أنه يعانى من انقسام حاد وتفشى الكراهية والشك بين أفراده. الوصول لتوحيد القوى الوطنية والتيارات السياسية ليس سهلا، إعلام النظام سيصور الأمر على أنه تآمر، و السيسى سيحاول بكل الطرق أن يغلق الطريق أمام هذه المحاولة، نجاح الأمر معناه نهاية حكمه، وعلى الجميع أن يدرك أن الصعوبات كثيرة وهو ما يستدعى الاستعداد لها، فهى ستحتاج لطول النفس والمثابرة والصبر والتسامح. ولكن هل تستحق المحاولة كل هذا الجهد؟. نعم لأنها الفرصة الوحيدة أمام هذا الشعب ليثبت لنفسه وللعالم أنه قادر على تغليب مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، وأنه قادر على أن يطور أدواته وينظم صفوفه ليصبح جزءا أصيلا فى معادلة الحكم، المواطن يجب أن تكون له قيمة وكرامة وصوت، ليجبر أى رئيس على تحقيق أهداف ثورته: عيش ..حرية ..كرامة …عدالة اجتماعية ومساواة، أن حدث ذلك ستعود مصر إلى مكانتها التى تستحقها بفضل شعبها وليس حكامها، وحينها سينتظم العالم العربى كله على وقع خطواتها…وستكون قائد لا تابع …ولن تهزنا قناة الجزيرة ولن ننتظر رز الخليج. [email protected]