يومًا تلو الآخر، تتباين آراء الشارع التونسي تجاه التحالف المعلن بين حركة نداء تونس العلمانية وحركة النهضة الإسلامية، فبين من ينتقد الأمر ويؤكد صعوبة تنفيذه على وقع اختلاف الأيدلوجيات، وبين من يحبذها ويناصرها من منطلق التعايش والاستقرار. وعاد الحديث مجددًا عن التحالف بين النهضة والنداء بعد الإعلان مباشرة عن تشكيل هيئة عليا دائمة للتعاون بين الحزبين وكتلتيهما في البرلمان، بهدف التنسيق بين الموقعين على وثيقة قرطاج ومحاربة الفساد، ورغم أن الإعلان عن انضمام الحزبين في ائتلاف حكومي واحد منذ عام 2014 بعد الانتخابات البرلمانية مباشرة، إلا أنه في الفترة الأخيرة بدا واضحًا تطور العلاقة إلى حد وصل إلى ظهور انتقادت وجدل داخل هياكل حزبي نداء تونس وحركة النهضة. وصدر بيان مشترك بين حركتي نداء تونس والنهضة، الأربعاء، أعلن من خلاله الحزبان عن «إرساء هيئة عليا دائمة بين الحزبين والكتلتين تعقد جلساتها مرة كل شهر»، وأوضح نص البيان أن الهدف من (الهيئة) دعم التنسيق بين الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج والمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، وأيضا تجديد التزام بدعم جهود محاربة الفساد، وحضر الاجتماع، الذي نتج عنه البيان المشترك، حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحركة نداء تونس، وراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة. وداخل نداء تونس، عبر بعض رؤساء الجهوية وما يعرفون بالمنسقين المحليين لفروع الحركة في الجهات الداخلية عن رفضهم للتحالف وسياسة التقارب بين الحزبين، وتنديدهم بإنشاء هيئة للتنسيق، ودعوا في بيان مشترك، أعضاء الهيئة التسييرية الموسعة لحركة نداء تونس إلى اجتماع لرفض سياسات القيادات، مؤكدين أنه يجب أن يخصص لتدارس ما آلت إليه الأوضاع، واتخاذ القرارات اللازمة، التي من شأنها أن تعيد للحزب اعتباره ومكانته الطبيعية، متهمين قيادة الحزب ومجموعة مصغرة بالانفراد بالتسيير والالتفاف على القانون الداخلي، وأن الاجتماع يدخل في مسار الانزلاق بالحزب نحو المجهول، والانحراف والعبث بالخط الفكري والسياسي للحزب الذي وضعه مؤسسه. وفي وقت يرى أعضاء الحزب المحتجون أن ما ورد في البيان انحراف وعبث بالخط الفكري والسياسي للحركة ويكرس الاصطفاف وراء النهضة والتذيل لها، يؤكد المؤيدون لهذا التوجه أن الأمر يشمل دعم الاستقرار السياسي، مؤكدين أن تطوير مستوى التنسيق والعمل على المستوى الحزبي والبرلماني يخدم صالح كلا الطرفين وسيساهم في إضفاء نجاح أكبر على عمل الحكومة بهيكلة التشاور وإحكام التنسيق وتوحيد المواقف في مؤسسة دائمة. وتعتبر حركة النهضة الإسلامية أحد أفرع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، ورغم أنها أعلنت انشقاقها أكثر من مرة عن التنظيم الدولي، لكن يؤكد مراقبون أنها لا تعدوا مناورات سياسية بسبب التطورات الإقليمية التي تميزت في الفترة الأخيرة بتصعيد دبلوماسي بين دول عربية وقطر أحد أكبر الداعمين للإسلام السياسي في المنطقة. واعتبر الأمين العام لحركة مشروع تونس، محسن مرزوق، أن حركة النهضة تختفي وراء حزب نداء تونس لأنها «ترفض القطع مع الحركات الإخوانية»، وقال في تصريح لإذاعة موزاييك أنه «من الضروري أن تغير بعض الأحزاب توجه سياساتها الاستراتيجية في ظل تتالي الأحداث الإقليمية»، في إشارة إلى ما يحدث بين دول الخليج العربي، مشددًا على أن «الولاء للوطن يتطلب قطع العلاقات مع الإخوان المسلمين». ويتجاوز تحالف حركة النهضة التي تسيطر على غالبية المقاعد ب69 عضواً، و«نداء تونس» ب58 عضواً، الأغلبية المطلقة (109 أصوات)، حيث بإمكانهما تمرير القوانين الأساسية والاتفاقيات والمعاهدات بأغلبية مريحة، مما يزيد من مخاوف قوى المعارضة البرلمانية التي يسكنها هاجس تجاوز الحزبين لاختلافاتها لفائدة القرارات والبرامج المقبلة من الحكومة، وعلى أثر ذلك، انتقدت أطراف سياسية إشارة البيان المشترك الصادر عن حركتي النهضة ونداء تونس، وتصوير الاجتماع والهيئة الجديدة على أنها هدفها «التنسيق بين الموقعين على اتفاق قرطاج»، في إشارة إلى أن الأمر يتعلق أكثر بتنفيذ مصالح الكتلتين في البرلمان والسلطة. وقال الأمين العام للحزب الجمهوري في تونس، عصام الشابي، إن "النهضة والنداء" ليسا وصيين على موقعي وثيقة قرطاج، ويمكنهما الحديث عن أي مسألة إلا الخوض في موضوع الأحزاب الموقعة على الاتفاق، الذي على أساسه تشكلت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد.