ما إن هبطت طائرة الرئاسة الأمريكية على مدرج الملك خالد في السعودية حتى بدأت تتغير معها ملامح رمال شبه الجزيرة العربية وخارطة التحالفات الإقليمية، كان أولها إقلاع الطائرة من المطار نفسه إلى مدرج بن غورين في تل الربيع المحتلة، ومن ثم توجُه الرئيس الأمريكي إلى مركز الثقل السياسي العربي والإسلامي سابقا فلسطين، وكأنه ينذر بمرحلة تكسير العظم، بعدما تجاهل في أكثر من مناسبة مبدأ حل الدولتين، خلافا لسلفه أوباما الذي اتخذ مسار سياسة الاحتواء، ويدل ذلك على أنَّ ترامب عزم على تغيير السياسة الخارجية من الجذور، بعدما مكث قرابة 100 يوم يحاول القضاء على إرث اوباما داخليا. في قمة الرياض، الحليف التقليدي للولايات المتحدة في الجزيرة العربية قطر كان جالسا، وخلال القمة اتهم ترامب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإرهاب على مسامع حاكمها، وجدد تهديداته ضد إيران وجماعات الإسلام السياسي، وأكد على حرصه على مكافحة الإرهاب، في إشارة منه إلى أنَّ الخارطة السياسة الجديدة ستكون مواجهة الإرهاب بدلا من حل الصراع (الفلسطيني الإسرائيلي). بعد يومين من القمة ومغادرة ترامب، أثيرت خلافات إعلامية بين عدد من دول مجلس التعاون الخليجي وقطر وهي الإمارات والسعودية والبحرين، وكانت الأزمة نتيجة لتصريحات نُسبت لأمير قطر تميم بن حمد وشملت انتقادات لدول خليجية ومصر، وإشارة إلى إيران كقوة إقليمية لا يمكن الاستغناء عنها، ورغم النفي القطري للتصريحات استمرت المواجهات الكلامية، ووصلت في النهاية إلى قطع كل من السعودية، ومصر، والبحرين، والإمارات، وليبيا، واليمن، العلاقات الدبلوماسية مع قطر، من أجل تجفيف آبار التمويل المالي للإرهاب في العالم على حد قول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لكن.. ماذا عن فلسطين.. هل قطع الإرهاب أوصال قضيتها، وأصبحت "إسرائيل" شريكا في محاربة الإرهاب؟. كان للمقاومة الفلسطينية (الفدائية) في فترة السبعينات عمليات داخل أوروبا تستهدف من خلالها منشآت صهيونية وتضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل تبادل أسرى أو إلغاء قرار ما، أو أخذ حق من الحقوق المسلوبة، واستمر هذا الوضع إلى أن احتوت إسرائيل منظمة التحرير والحركات الوطنية في اتفاق أوسلو، بل وبعد أوسلو استمرت عملية المقاومة داخل الكيان الصهيوني، وأخذت طابعا اسلاميًّا تحريريًّا تحت عنوان اللاءات الثلاث (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل)، إلى أن احتوت قطر بإيعاز من أمريكا الإسلام السياسي وقيدته بتمويلها، ما إن ظهر الإرهاب والتطرف والتصق بالدين الإسلامي، فالإرهاب الآن يضرب مناطق الوطن العربي ويعود الفضل في تناميه لثورات الربيع العربي التى أيدتها قطر، كيف لا وفلسطين التي كانت القضية المركزية والثقل السياسي للوطن العربي ومن كان يريد أن يصنف على الخارطة السياسية كان لابد له أن يزاحم بمكان على الحدود مع إسرائيل، وهذا ما جعل مصر تتحكم بالوطن العربي قرابة النصف قرن، واليوم بعدما اتجه العالم لمحاربة الإرهاب أصبحت محمية خليجية فقط وهذا هو أيضا ما جعل سوريا تتخذ مسلك الممانعة الحصين، إلى أن سقطت على يد الطفل (حمزة الخطيب). فكيف لقطر الدولة ذات المساحة المحدودة والقوى العسكرية الضئيلة، أن تصبح لاعبا أساسيًّا (على الخارطة) في الوطن العربي، ولماذا كانت الإمارات والسعودية دوما على نقيض من السياسيات القطرية الخارجية؟ هل هو تنافس على التبعية الغربية وانتظار انقلاب الموازين؟ اليوم انقلبت كل الظروف بل وهيئت كل المناخات أيضا لتكوين علاقة صداقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على نقيض خطى قطر بل وأصبح من الممكن أن تكون علاقة في العلن بحجة محاربة الإرهاب، ولا تغني الحدود السياسية القريبة من إسرائيل اليوم شيئا بعدما تشكل التحالف بقيادة الضيف الأمريكي وصديقه الغائب الحاضر إسرائيل، لمواجهة إيرانوقطر وتركيا و"الإرهاب" وحماس وحزب الله بأيد عربية وبوصاية أمريكية وبمشاركة عدو الأمس وصديق اليوم. أما الخطيئة الكبرى التى ستدفع ثمنها حركات وجماعات الإسلام السياسي (الإسلاموي) التى تعاملت مع قطر على أنها جمعية خيرية، فسوف تمحق بدورها التاريخ الوطني والنضالي، بعدما اتهمت بلسان عربي أنها إرهابية.