يحاول الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، ترتيب أوراقه السياسية الداخلية سريعًا، تحضريًا؛ لتشكيل الحكومة واستعدادًا للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في يونيو المقبل، حيث أعلن أمس الاثنين، اختيار اليميني الوسطي وعمدة بلدية لوهافر، إدوارد فيليب؛ ليتولى رئاسة الحكومة، وجرت في قصر ماتينيون، المقر الرسمي لرئيس الوزراء الفرنسي. وأكد فيليب أنه وافق على تولي المنصب نظرًا للوضع الفريد في البلاد، قائلا: "فكرت بأن الوضع الذي نشهده فريد بما يكفي من أجل أن نجرب شيئًا لم يكن أبدًا مجربًا مع شخصيات من اليمين والوسط اليسار داخل حكومة واحدة". لماذا اتجه ماكرون لليمين الفرنسي؟ اختيار فيليب لم يكن مفاجئًا، حيث برز اسمه في الأيام الأخيرة كأحد المرشحين الأوفر حظًا لرئاسة الحكومة الفرنسية، تنفيذًا لوعد ماكرون بأن تجمع الحكومة الجديدة بين جميع الأطياف السياسية، فيما أرجعه بعض السياسيين إلى محاولات الرئيس الجديد شق صف الحزب الجمهوري وإحداث انقسامات بين أعضائه، لتسريع عملية انهيار الأحزاب القديمة التي تشاركت السلطة على مدى أربعة عقود، خاصة أن الحزب توعد سابقًا بطرد أي سياسي يبدي استعداده للعمل مع الرئيس ماكرون، الأمر الذي سيضعف من فرص حصول الحزب على الأغلبية البرلمانية خلال الانتخابات المقبلة، ما سيجعل آمال الجمهوريين في تحقيق فوز بالانتخابات يرغم ماكرون على التعايش معهم في ائتلاف حكومي، ينهار. ورأى آخرون أن اختيار ماكرون لفيليب، يأتي في إطار اتباع الأول سياسة استقطاب واضحة لجزء من اليمين وجزء من اليسار، حيث حاول من خلال اختيار فيليب اجتذاب أصوات جزء من اليمين، لتأمين غالبية في الجمعية الوطنية خلال الانتخابات التشريعية المرتقبة في يونيو المقبل، وهو شرط أساسي لكي يتمكن من تمرير القرارات والإصلاحات التي تمهد لتطبيق سياساته الاقتصادية والمالية. تعرض فيليب لانتقادات شديدة من قبل نواب من الحزب الجمهوري، نتيجة قبوله المنصب، متهمين إياه "بتوجيه طعنة في الظهر إلى مرشحي الحزب ال577 بعد أن كانت بيد اليمين ورقة قوة في الانتخابات المقبلة"، وذكرت صحيفة "لو فيغارو" أن قرار تعيين فيليب، يترتب عليه المزيد من الانقسام في صفوف الجمهوريين. وقال النائب عن الحزب الجمهوري الفرنسي، نيكولا ديويك، إن قرار رئيس فرنسا الجديد بتعيين إدوارد فيليب رئيسًا للوزراء، محاولة لتعزيز موقفه الوسطي وتدمير البنية الكلاسيكية للسياسة الفرنسية، وأضاف: ماكرون يحاول تدمير ما يعتبره الهيكل التقليدي للسياسة في فرنسا من اليمين واليسار التقليدي، بهذا العمل، هو يحاول أن يقول إنه لا ينتمي لا لليمين ولا لليسار، بل يقف فوق السياسة التقليدية"، واصفا القرار "خيار تكتيكي". من إدوارد فيليب؟ من مواليد عام 1970، في بلدة روان شمال فرنسا، تخرج في معهد العلوم السياسية عام 1992، ثم المدرسة العليا للإدارة التي تعد واحدة من أعرق المدارس العليا في فرنسا، والتحق بمجلس الدولة عام 1997، وكان يعمل محاميًا في مجال القانون العام، وبدأ العمل السياسي من خلال المشاركة في تأسيس حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" مع حليفه السياسي، رئيس الوزراء الفرنسي السابق، ألان جوبيه، وهو حزب يميني وسطي، يترأسه اليوم حاليا الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، ويحمل حاليًا اسم "الجمهوريون"، وفي عام 2001 انضم إلى بلدية الهافر، وتسلم رئاستها في عام 2010، وفي عام 2002 ترشّح للانتخابات التشريعية لأول مرة لكنه خسر، ليترشح مجددًا في عام 2012 ليربح ويصبح نائبًا للبرلمان. يُعد فيليب أحد الحلفاء السياسيين المقربين من رئيس الوزراء الفرنسي السابق، آلان جوبيه، وكان مرافقه في كل تحركاته عندما كان في حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، وعُين مساعدًا له في رئاسة الحكومة عام 2007، وكان متحدثًا باسمه خلال الانتخابات التمهيدية الأخيرة لليمين والوسط المؤهلة للرئاسيات، وعمل مديرًا لمكتب جوبيه في بلدية بوردو، كما كان مديرًا لحملة الرئيس الأسبق، جاك شيراك، الانتخابية في العام 2002، الأمر الذي ظهر في تهنئة جوبيه على اختياره رئيسًا للوزراء، حيث جدد دعمه لأحزاب اليمين في الانتخابات التشريعية المرتقب إجراؤها الشهر المقبل، قائلا إن فيليب لديه جميع المؤهلات التي تسمح له بأن يكون رئيسًا للوزراء. وخسر جوبيه الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين المؤهلة لانتخابات الرئاسة الفرنسية، ثم أعلن دعمه للمرشح فرانسوا فيون، لكن بعد خسارة الأخير الجولة الأولى من الانتخابات، عاد جوبيه ليعلن دعمه لماكرون، ودعا وقتها الفرنسيين للتصويت المبكر لماكرون تجنبًا للكارثة، في إشارة إلى فوز زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبان.