قبل الانتخابات الرئاسية في إيران بيومين، يحل موعد إلغاء أو تمديد تجميد العقوبات الأميركية المفروضة على إيران الخاصة بالبرنامج النووي بعد عام ونصف على دخوله الاتفاق حيز التنفيذ، حيث تبقي واشنطن قوانين العقوبات على إيران لكن جمدتها عند توقيع الاتفاق بقانون أصدره الرئيس السابق، باراك أوباما، والذي بموجبه تجري مراجعات دورية خاصة بسلة العقوبات النووية حصراً، بحيث يتم البت في الاستمرار تجميد قوانين العقوبات أو استئناف العمل بها. مما يعني أنه لأول مرة منذ دخول دونالد ترامب البيت الأبيض سيكون الاتفاق النووي -الذي هاجمه منذ حملته الانتخابية- رهن الاختبار المزاجي للرئيس الجديد في وقت حساس على مستوى محلي وإقليمي لكل من واشنطنوطهران. وجدير بالذكر أن ترامب ورموز إدارته أكدوا مراراً منذ اليوم الأول لولاية الرئيس الجديد على إعادة تقييم الاتفاق النووي وتعديله، وربطه بملفات أخرى متعلقة ببرنامج طهران الصاروخي، ودعمها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد إسرائيل، وهو الأمر الذي كرره وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون الشهر الماضي أمام لجنة استماع بالكونجرس الأميركي حول نشاط إيران النووي ومدى التزامها ببنود الاتفاق، حيث بموجب قانون تجميد العقوبات فأنه ينبغي على وزير الخارجية أن يقدم إفادة دورية كل 3 أشهر عن الأمر السابق، وهو على الرغم من تأكيد تيلرسون على التزام طهران بالاتفاق فأنه ألمح في خطاب رسمي وجهه لرئيس مجلس النواب الأميركي، بول رايان، أن مراجعة قانون تجميد العقوبات "أمر مُلّح على الكونجرس والخارجية والبيت الأبيض العمل سوياً لفعل ما يجب". الكونجرس الأميركي والانتخابات الإيرانية وقد تكون مسألة مراجعة قوانين تجميد العقوبات التي أشار لها تيلرسون تأتي في سلسال إلغاء قرارات الإدارة الأميركية السابقة الداخلية والخارجية، والتي كان أخرها إلغاء نظام الرعاية الصحية المعروف إعلامياً ب"أوباما كير"، الذي صوت الكونجرس الأسبوع الماضي بإلغاء قوانين تنظيمه. فيما رأى آخرون أن سلوك ترامب وإدارته يتجاوز تدمير إرث أوباما إلى ماهو متعلق بحيثيات وشبهات حول إدارة ترامب؛ فتعليقاً على خطاب تيلرسون وقتها، قال الخبير بشئون الشرق الأوسط بمعهد العلاقات الخارجية التابع للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأميركي، إليوت إبرامز، أن "السيد تيلرسون والسيد رايان يبذلان قصارى جهدهما في تمرير أي قانون سيبعد الضوء عن التساؤلات الخاصة بعلاقة ترامب وشخصيات في إدارته بموسكو(..) السيد ترامب يعيد استخدام خطابه الانتخابي أمام الناخب الذي صوت له ليقول له أنظر أنا أريد أن أفعل ما وعدتك به ولكن الكونجرس يقيدني (..) لنأخذ تصريحات تيلرسون ورايان اليوم كمثال على ما يحاول السيد ترامب فعله من إلغاء قوانين وإصدار أخرى في الظل، أمام عاصفة رمال يثيرها خاصة مثلاً بتصعيد غير ضروري خاص بالاتفاق النووي مع إيران والذي يؤكد تيلرسون نفسه أنه ساري دون خلل". على الجهة المقابلة، فإن مرشحي الرئاسة الإيرانية الستْ: الرئيس الحالي حسن روحاني، ونائبه إسحاق جهانجيري، والسيد إبراهيم رئيسي، ومحمد باقر قاليباف، ومصطفى مير سليم، ومصطفى هاشمي طبا، سيدخلون مرحلة الصمت الانتخابي في نفس اليوم الذي سينظر فيه الكونجرس مراجعة قوانين تجميد قوانين العقوبات النووية، وهو ما يعني حال استئناف العقوبات أو حتى الخروج بصيغة مماطلة جديدة فإن كل من المرشحين لن يستطيعوا إعلان موقفهم من الاجراء الأميركي المزمع. ولكن على الرغم من هذا فإن الأمر سيكون عامل مهم في توجيه صوت الناخب الإيراني، خاصة بالنسبة للمرشحين روحاني وجهانجيري، الذي يُعد الاتفاق إنجاز لهم بحكم منصبهما. وبالتالي فإن استمرار المماطلة الأميركية –وهو الحد الأدنى المحتمل- سيؤثر على استكمال روحاني أو نائبه لمسار التفاوض والدبلوماسية مع واشنطن. ولا يقف الأمر بالنسبة لمرشحي الرئاسة الإيرانية على استمرار المماطلة، أي نكوص واشنطن في الاتفاق وبالتالي انعكاس هذا على المسار التصويتي سلباً وإيجاباً لهذا المرشح أو ذاك، بل يتجاوزه إلى مسألة شديدة الحيوية متعلقة بالاقتصاد الإيراني وخاصة المتعلقة بالفرص والفوائد الاقتصادية المرجوة من توقيع طهران على الاتفاق النووي، وتخليها عن جزء كبير لتطوير برنامجها النووي تقنياً وعلمياً لمدة عشر سنوات قادمة هي عمر الاتفاق. وفي هذا السياق لم تتدخر واشنطن جهداً في تكبيل تنفيذ تعهداتها من الاتفاق والالتفاف عليها حتى قبيل التوقيع النهائي منذ نهاية العام قبل الماضي، وخاصة فيما يتعلق بالعقبات التي ألقتها واشنطن في طريق الإفراج عن الأرصدة والأصول الإيرانية المجمدة بسبب البرنامج النووي. من حيث المماطلة .. لافرق بين أوباما وترامب النقطة السابقة المتعلقة بالأرصدة الإيرانية في البنوك الأميركية تحديداً تتجلى فيها مسألة التنفيذ المتبادل المشروط لا الثقة المُطلقة، وهو ما حكم ويبدوا أنه سيحكم مسار إصلاح العلاقات الضرورية بين طهران والغرب وفق طريقة كل طرف في هذا السياق. فالتصعيد الأميركي الغير مبرر في ظل إيفاء الجانب الإيراني بتعهداته الخاصة بالاتفاق، قابلها التفاف أميركي الغرض منه تعطيل تحويل الأموال الإيرانية أو تقليصها بحسب ادعاءات كثيرة سواء المتعلقة بملفات مثل عقوبات البرنامج الصاروخي والقوائم الأمنية، وهي التي يعي الجانبين أنها لم تكن ضمن الاتفاق النووي، ولكن تميل دوائر أميركية إلى ربط الإفراج عن الأرصدة الإيرانية التي تقدر ب100 مليار دولار بها، وبعضها يرجع إلى عهد الشاه سواء أصول أو سندات خزينة أو أرصدة بيع النفط أو صفقات تجارية. فبدأ الأميركيين بفتح قضايا واهية التعويضات المالية التي يجب أن تدفعها إيران لمواطنين أميركيين تضرروا من حوادث مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والمعروف أن إيران لم تكن طرفاً فيها باعتراف الأميركيين أنفسهم. ففي مطلع مارس العام الماضي، أصدرت محكمة أميركية في نيويورك حكماً يقضي بأن تدفع إيران ما يتجاوز 10 مليارات دولار لعوائل ضحايا الحادي عشر من سبتمبر وذلك لشبهة علاقة إيران بمنفذي الهجمات، وهو الأمر المماثل الذي تم الإعداد له في حوادث مشابهة مثل تفجير مقر المارينز الأميركي في بيروت عام1983 والذي حُكم على إيران بسبب بتجميد أرصدة قدرت ب2.3 مليار دولار، حادث الخُبر 1996 الذي حكم بتعويضات لعائلات أميركية. وذلك كله في سياق حديث يدور في أروقة السياسة والقانون في واشنطن منذ بداية العام الحالي -ودخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ- عن دعاوى مماثلة تتجاوز قيمة تعويضاتها 40 مليار دولار أميركي يجب في حال التسليم بصحتها والحكم لصالح المُدعين أن تُخصم من أرصدة إيران الموجودة في الولاياتالمتحدة. ولكن استبقت طهران السابق بتصعيد الحذر والشك في تنفيذ الولاياتالمتحدة لالتزاماتها ببنود الاتفاق النووي، وإدارة هذه الشكوك على أساس إجهاض محاولات تحويل الاتفاق النووي لعبء سياسي، وبالتالي فإنه كما هناك أصوات في الكونجرس والبيت الأبيض تريد تغييره أو إسقاطه، فهناك في طهران نفس الأمر، بما يعني أنه إذا انتوت الإدارة الأميركي الجديدة في الاستمرار في التسويف والمماطلة فإن الحكومة الإيرانية ستتراجع عن الإجراءات التي اتخذتها في الشأن النووي، بما يعني انهيار الاتفاق عملياً واشنطن وحلفاءها.. فرصة لتوحيد أولويات متضاربة يمكن تقليص أولويات إدارة ترامب في الشرق الأوسط المتعلقة بإيران في: أولاً إعادة طرح الاتفاق النووي على مائدة التفاوض، ثانياً تقليص نفوذ إيران في التأثير على ملفت المنطقة المهمة مثل الأزمة السورية والحرب في اليمن، ثالثاً: دعم حلفاء واشنطن أمام طهران وتحديداً إسرائيل و السعودية عبر مزيد من الدعم العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي عبر الإبقاء على عقوبات اقتصادية بحق إيران سواء المتعلقة بالبرنامج النووي أو غيره من الملفات. وطبقاً لهذه الأولويات الأميركية يتم إعادة ترتيب العلاقات بين الدول الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ببعضها البعض وبينها وبين واشنطن؛ فجميع هذه الدول تصطف تحت مظلة أميركية تقلص الخلافات بينهم، وترتب أولويات كل دولة وفق إرادة ورؤية واشنطن وأولوياتها، التي لم تغفل هواجس ومخاوف حلفائها ولكن ستعالجها على الطريقة الأميركية وليس طبقاً لما أرادته هذه الدولة أو ذاك بأن تفعله واشنطن؛ مثل السعودية وإسرائيل تجاه إيران وخيار الحرب الذي يلحون عليه منذ 10 سنوات، أي أن تشن الولاياتالمتحدة بكل قوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية ضد إيران ونفوذها وبرنامجها النووي، وهو ما تحاول واشنطن أن تفعله ولكن عبر اصطفاف إقليمي جديد يضم دولاً عربية وإسلامية سقفه السياسي والعسكري مرهون بما ستسفر عنه زيارة ترامب القادمة إلى السعودية الأسبوع القادم. ومن المؤكد حال حدوث السابق أن تتعقد الأمور لواشنطن قبل غيرها على مستويات تبدأ من تأزم الموقف بين الأخيرة وعواصم الدول السابقة وعلى رأسها الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا-الأخيرتين يبديان قلقهما من التقارب بين بوتين وترامب وعلاقة ذلك بمستقبل وفاعلية الاتحاد الأوربي على الساحة الدولية- وينتهي باحتمالية حرب غير محسوب عواقبها ولا مداها الزمني ولا المكاني. وفي المقابل لا يعني تملص الولاياتالمتحدة من الاتفاق بالنسبة لإيران سوى عودة إلى وضع اعتادت الجمهورية الإسلامية مع فارق أن العقوبات ستكون أميركية فقط وليست دولية أو أممية وغير ملزمة لباقي الدول الموقعة على الاتفاق النووي. أما عن تموضع كل من الرياض وتل أبيب في خارطة التوازنات والصراعات الحالية فإنه حتى كتابة هذه السطور لا يخرج عن كونه تفاؤل إعلامي سعودي يتمنى عودة المظلة السياسية والعسكرية الأميركية تخوض فيه واشنطن معارك المملكة نيابة عنها، وتخوف إسرائيلي من أن مسلك ترامب التصعيدي قد ينقلب في لحظة إلى آثار سلبية من زاوية تكرار سيناريو حرب 2006، والتي كانت في نظر إدارة بوش تصعيد أقصى بحرب غير مباشرة مع إيران قد يجبرها على التراجع عن برنامجها النووي وسياساتها في المنطقة، ولكن ما حدث بعد ما يربو عن العشر سنوات أتى على غير ما أرادته إسرائيل، بل وحصرها حالياً بين خيارين؛ سيء ممثل في استمرار الاتفاق النووي على "عواره" من وجهة نظرهم، أو أسوأ بإلغائه واحتمالية تصادم عسكري لن يكون في صالح تل أبيب وغير مضمون العواقب أيضاً بالنسبة لواشنطن.