بعد ثلاث سنوات على خروجهم من أفغانستان، عاد إليها مطلع الأسبوع الجاري نحو ثلاثمائة من مشاة البحرية الأمريكية، قادمين إلى ولاية هلمند المضطربة التي تسيطر عليها حركة طالبان في جنوب البلاد، مهمتهم حسب التصريحات الأمريكية، تقديم الدعم والتدريب للقوات الأفغانية، غير أن المهمة تأتي في وقت أقر فيه الأمريكان بصعوبة الوضع في هذا البلد؛ إذ يتزايد القلق من تمدد داعش، ومن بدء "طالبان" ما يوصف بهجومها الربيعي السنوي، الذي تعهدت بأن القوات الأجنبية ستكون من ضمن أهدافها، كل هذا يتزامن مع اهتمام روسي فاق المألوف للوضع في أفغانستان على نحو أثار قلق الأمريكان. القوات الأمريكية الجديدة عندما غادر مشاة البحرية الأمريكية في 2014 وسلموا القاعدة الصحراوية "كامب ليذرنيك" للجيش الأفغاني، لم يكن متوقعا عودتهم، التي تسلط الضوء على المشاكل التي تواجه القوات الأفغانية منذ أن بدأت القتال بمفردها. كثيرون من مشاة البحرية الذين حضروا إلى هلمند ضمن مهمة الدعم الحازم التدريبية بقيادة حلف شمال الأطلسي من الذين قاموا بمهام سابقة في الإقليم، وسقط في هلمند نحو ألف قتيل من قوات التحالف معظمهم من الأمريكيين والبريطانيين في القتال ضد حركة طالبان. قوات مشاة البحرية الجديدة تضاف إلى جموع القوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان، حيث يتمركز نحو 8 آلاف و400 جندي أمريكي بأفغانستان في إطار بعثة "الدعم الحازم" وكذلك بعثة منفصلة لمكافحة الإرهاب تستهدف تنظيمي داعش والقاعدة، لكن الجنرال جون نيكلسون، قال في تصريحات سابقة إن الأمر سيتطلب المزيد من القوات لإنهاء "الصراع" مع طالبان، مع العلم أن الحركة تسيطر على ما يربو من 40% من مساحة أفغانستان. المشهد في أفغانستان يبدو أنه يزداد تعقيدًا بالنسبة للأمريكان؛ فزيارة وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، المفاجئة لأفغانستان جاءت بعد أيام من شن طالبان هجوماً استهدف قاعدة "فيلق شاهين 209″، في مدينة مزار شريف، مركز ولاية بلخ (شمال)، ما أودى بحياة قرابة 140 جنديا أفغانيا، الأمر الذي أجبر وزير الدفاع ورئيس الأركان الأفغانيين على تقديم استقالتهما الشهر الماضي. ويبدو أن الولاياتالمتحدة تدرك خطورة الوضع في هذا البلد الأسيوي، فماتيس قال إن الوضع في أفغانستان سيكون صعبًا خلال العام الحالي، خاصة عندما تضاف داعش إلى قائمة المخاطر الأمريكية في أفغانستان، والتي ظهر لأول مرة عام 2014 وتحديدا في المنطقة الواقعة على الحدود مع باكستان، حيث تأمل مجموعة القوات الأمريكيةبأفغانستان في تطهير البلاد من أي وجود لتنظيم داعش بحلول نهاية العام الجاري. ويقدر الناطق باسم القوات الأمريكية في أفغانستان، بيل سالفين، عدد الدواعش ب800 شخص فقط، بعدما كان عددهم يتجاوز ال3 آلاف مقاتل، تمكنوا من قتل 8 أشخاص وإصابة 25 على الأقل غالبيتهم من المدنيين في تفجير انتحاري حدث الأربعاء استهدف سيارتين لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في كابل بالقرب من السفارة الأمريكية وتنظيم داعش تبنى التفجير.
وينظر قادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" أيضًا في مسألة زيادة أعداد عناصره في أفغانستان وتمديد فترة بقائهم، وخصوصا لعناصره التي تقوم بمهمات ليست قتالية ضمن إطار بعثة "المساعدة الحاسمة"، والتي يشارك فيها اليوم أكثر من 13 ألف عنصر. التحركات الأمريكية في ظل الاهتمام الروسي الاهتمام الأمريكي الملحوظ بأفغانستان الذي تعزز في عهد ترامب بإسقاط أم القنابل على الأرض الأفغانية وزيادة عدد قواتها، يشير بوضوح إلى أن الأمريكان يتطلعون إلى صياغة استراتيجية جديدة لهم في أفغانستان ونصب أعينهم ما ورد من تقارير تتحدث عن توفير روسيا دعمًا متزايدًا لطالبان، ولم ينف الجنرال نيكلسون هذه المعلومات، كما أشار مسؤولون عسكريون أمريكيون إلى معلومات استخباراتية أخرى، تقول إن روسيا توفر المال والأسلحة للحركة. روسيا التي نفت سابقًا توفير أي مساعدات عينية أو مالية ل"طالبان"، أوضحت أنها لا تزال محتفظة بعلاقات مع مسؤولي الحركة بغية السعي إلى مفاوضات سلام، كما أنها لم تخف دعمها الحركة بانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ويرى مراقبون أن تزايد النشاط الأمريكي في أفغانستان جاء كردة فعل على انزعاجهم من تطوير موسكو علاقاتها مع طالبان، ويعتقدون أنها بدعمها لعدوها السابق تريد استغلاله لإبعاد النفوذ الأمريكي في المنطقة. الاهتمام الروسي بالوضع الأفغاني، والتقارب الروسي مع حركة طالبان، بالإضافة للتقارير الاستخبارية الأمريكية التي تزعم تزويد موسكو لطالبان بالأسلحة، يمكن أن يقرأ في سياق أن روسيا لديها مخاوف من البقاء الأمريكي في أفغانستان، كما أن روسيا وهي وريثة الاتحاد السوفيتي قد ترغب في جر الولاياتالمتحدةالأمريكية في المستنقع الأفغاني، وبالتالي الانتقام من الأمريكان لما حصل لهم إبان تواجد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان الذي انهزم فيها، حيث كانت واشنطن تدعم المجاهدين الأفغان بالمال والسلاح لدحر السوفييت في سبعينيات القرن الماضي، والتحركات الروسية الأخيرة في أفغانستان في حال أصابت التقارير الأمريكية، فهي لا تختلف عن الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، فموسكو اليوم تدعم مجاهدي طالبان لدحر التواجد الأمريكي في أفغانستان، الأمر الذي قد ينبئ بأيام عصيبة على الولاياتالمتحدة.